لماذا لم توقع منظمة أطباء بلا حدود على مدونة قواعد السلوك الخاصة بالمنظمات غير الحكومية العاملة في البحث والإنقاذ؟
توصلت منظمة أطباء بلا حدود، وبعد الترحيب الأولي قصير الأمد بالمدونة والمشاركة في عمليات المناقشة والتعديل، إلا أن المنظمة لن تتمكن من التوقيع على مدونة قواعد السلوك، وذلك لأن المدونة لم تتناول العديد من طلبات ومخاوف المنظمة.
تتطلب المدونة التزامات محددة تمثل خطوطاً حمراء بالنسبة لمنظمة أطباء بلا حدود، حيث أن هذه الالتزامات لن تكون غير مفيدة لأنشطة الإنقاذ فحسب، بل ستؤدي الى تقليص القدرة على الإنقاذ وبالتالي التسبب بمزيد من حالات الغرق.
بالإضافة إلى ذلك، كان من الأفضل أن يكون الهدف من وضع وتأطير هذه المدونة هو تصميم أداة تساعد على جعل عملية البحث والإنقاذ آمنة وفعالة، ولكن، بدلاً من ذلك، تم كتابة هذه المدونة كجزء من مشروع سياسي للشروع بسياسة مراقبة الهجرة على نطاق الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من أن سياسة الهجرة على نطاق الاتحاد الأوروبي مهمة جداً بالنسبة لإيطاليا، إلا أن عملية البحث والإنقاذ لديها هدف واحد فقط - إنقاذ أرواح الأشخاص المهددين بخطر الغرق. لذلك، لا تستطيع منظمة أطباء بلا حدود أن توقع على مدونة تخلط بين الأولويات الأخرى وحتمية إنقاذ الأرواح.
منذ بدء أنشطة البحث والإنقاذ في مايو/أيار 2015، ومن أجل المساعدة في سد الفجوة الناجمة عن إنهاء عملية الإنقاذ الإيطالية "ماري نوستروم"، عملت منظمة أطباء بلا حدود دائماً بالتنسيق مع المركز الإيطالي لتنسيق الإنقاذ البحري ووفقاً للقوانين الدولية للملاحة البحرية. فلو أن المدونة صُمّمت حقاً من أجل تعزيز القدرة على الإنقاذ، فقد يكون موقفنا مختلفاً اليوم؛ ولكن بما أن المدونة تقوض قدرات الإنقاذ الحالية، سواءً في تفاصيلها أو في طريقة تأطيرها، فإن منظمة أطباء بلا حدود لا يمكنها التوقيع على المدونة.
ما هي الاعتراضات الرئيسية لمنظمة أطباء بلا حدود على محتوى مدونة قواعد السلوك؟
1. إن إنقاذ الأرواح ليس الهدف الأساسي الوحيد لمدونة قواعد السلوك
إن مقدمة مدونة السلوك - التي طلبنا تعديلها ولكنها لم تتغير – تذكر بشكل واضح جداً أن المدونة لا يمكن فصلها عن التضامن بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن إنقاذ الأرواح ليس الهدف الأساسي الوحيد للمدونة.
نحن ندرك أن إيطاليا تواجه ضغطاً كبيراً نتيجة محاولة العديد من المهاجرين الهروب إليها، ومن المشروع أن تسعى إيطاليا إلى إيجاد نظم للتضامن مع الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي؛ ولكن من غير المشروع تضمين الاستجابة الإنسانية الساعية لإنقاذ الأرواح ضمن مشروع أكبر. نحن نعتقد أن عمليات إنقاذ الحياة يجب أن تعنى فقط بإنقاذ الحياة. إن إنقاذ الأرواح المهددة في البحر ليس خياراً، بل هو التزام ويجب أن يكون على رأس الأولويات.
لقد طلبنا تصميم وتأطير المدونة كأداة خاصة لضمان فعالية وكفاءة عملية البحث والإنقاذ، مع الاعتراف بالفرق بين الأنشطة الإنسانية في مجال البحث والإنقاذ من ناحية، وعملية ضبط الحدود أو سياسة الهجرة من جهة أخرى؛ لكن المدونة لا تزال مؤطرة بشكل أساسي كأداة للسياسة المتعلقة بالهجرة، ونحن لسنا مستعدين للاشتراك فيها بناءً على هذا.
2. مدونة قواعد السلوك غامضة وما زالت بنودها الرئيسية غير واضحة
طلبنا خلال مناقشاتنا مع وزارة الداخلية توضيحات بشأن عدة نقاط تتعلق في المدونة، ولكننا لم نتلق إجابات مرضية. وكمثال على ذلك، ينبغي أن يكون استخدام "الخطر المحدق والوشيك الذي يتطلب مساعدة فورية" متوافقاً مع تعريف المحنة الذي تستخدمه الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس" (أي قارب غير آمن ومكتظ بالنساء والأطفال وما إلى ذلك) ولكن هذا الأمر لم يكن موجوداً ضمن صیاغة المدونة ولم يتم توضيحه خلال عملیة التشاور القصیرة.
وبالمثل، فإن بند الاتصال بالدولة الأم للسفينة وأقرب منطقة رسمية للبحث والإنقاذ قبل التواصل مع مركز التنسيق الإقليمي في روما غير واضح؛ ومن الذي سيتولى مسؤولية الإنقاذ وتحديد ميناء السلامة؟ وهل ستتأخر عمليات الإنقاذ؟ وأخيراً، يبدو أن المدونة تشير ضمنياً الى أن فرقنا مطالبة بالمشاركة بشكل استباقي في أنشطة إنفاذ القانون والتحقيق التي تقع خارج نطاق اختصاصنا الطبي والإنساني. لذلك، فإن هذه النقاط سوف تؤثر تأثيراً خطيراً على حياديتنا، وبالتالي قدرتنا على الوصول إلى السكان المحتاجين في أماكن أخرى، مما يؤثر على أمن فرقنا في البحر وفي ليبيا وفي جميع أنحاء العالم.
بدون "الشحنات العابرة" سوف يقل عدد قوارب البحث والإنقاذ المتاحة لإنقاذ الأرواح في البحر الأبيض المتوسط
إن البند الذي يمنع ما يسمى "الشحنات العابرة" (نقل الأشخاص الذين تم إنقاذهم من قارب إلى آخر) قد يمنع سفن الانقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومة الصغيرة من العمل في البحر، كما سيؤدي إلى خفض عمليات البحث والإنقاذ وقدرات الإنقاذ المتاحة في أي وقت من الأوقات، مما سينتج عنه خسائر في الأرواح. إن المثير للاهتمام أن هذا البند يسمح بعمليات الشحن العابرة هذه، ولكنه يوضح كقاعدة عامة أن المنظمات غير الحكومية ينبغي أن تتجنب عمليات النقل وأن تعود مباشرة إلى الميناء.
رأينا منذ العام الماضي قوارب مليئة بالمهاجرين تغادر موطنها يحملها الموج لتجد نفسها في بعض الأحيان محاطة بما يصل إلى 20 قارباً مطاطياً مكتظاً وفي حاجة ماسة إلى الإنقاذ. في مثل هذه الحالات، تشكل قدرة السفن الصغيرة على توفير أطواق وبزات النجاة والمياه والإسعافات الأولية دون نقل الناس إلى قوارب أخرى عاملاً مساعداً مهماً يؤدي بلا شك إلى إنقاذ الأرواح.
وعلى الرغم من أن قوارب الإنقاذ الصغيرة تضع الناس في حالات الخطر الشديد في بعض الأحيان، خصوصاً أن هذا الأمر قد يؤدي إلى الاكتظاظ الشديد، إلا أن الطاقم والأشخاص الذين تم إنقاذهم سيكونون عرضة للخطر إذا قامت القوارب الصغيرة التابعة للمنظمات غير الحكومية بنقل الأشخاص الذين تم إنقاذهم إلى إيطاليا.
وبالمثل، إذا أجبرت جميع المنظمات الإنسانية على التوجه إلى ايطاليا بعد كل عملية إنقاذ، فمن المحتمل أن هذه القوارب قد لا تكون متاحةً للقيام بأي عملية إنقاذ لمدة تصل إلى أسبوع مما يؤدي إلى فجوات زمنية كبيرة وتأخر عمليات الإنقاذ وزيادة الخطر المحدق بأولئك الفارين من ليبيا عبر البحر. إن قوارب وسفن البحث والإنقاذ في وسط البحر الأبيض المتوسط تعاني بالفعل من استنفاد طاقتها، لذلك فسوف يؤدي هذا البند في المدونة على الأرجح إلى تقليل عدد مراكب البحث والإنقاذ مما سيزيد من حالات الغرق المأساوية.
تشكل الشحنات العابرة أداة رئيسية معترف بها دولياً في توجيه عمليات البحث والإنقاذ. وما زال مركز تنسيق الإنقاذ البحري يوعز في كثير من الأحيان للقوارب الصغيرة بنقل الأفراد الذين قاموا بإنقاذهم إلى سفن وقوارب أكبر حجماً على وجه التحديد، ذلك لأن المركز يدرك أن هذه هي الطريقة الآمنة لضمان سلامة الأرواح التي تم إنقاذها وضمان توفر أصول الإنقاذ ووجودها جاهزة عند الطلب ومتى ما دعت الحاجة.
3. ما هو موقع ودلالة هذه المدونة ضمن الصورة الأكبر؟
يبدو أن هذه المدونة ترسخ الرأي القائل بأنه يمكن للدول الاستعانة بمصادر خارجية متمثلة بالمنظمات غير الحكومية لتوفير الدعم في الاستجابة لعمليات الإنقاذ، الأمر الذي يسمح للدول بتركيز جهودها على العمليات البحرية والعسكرية. ومع هذا، لابد من التوضيح أن مسؤولية تنظيم وإجراء عمليات البحث والإنقاذ في البحر تقع على عاتق الدول، كما كان الحال دائماً.
وعلى هذا النحو، فإن أنشطة الإنقاذ الحالية تهدف ببساطة إلى ملء الفراغ الذي خلفته الدول الأوروبية. وكنا نأمل عندما بدأنا عمليات الإنقاذ لأول مرة في عام 2015 أن تكون هذه الفجوة مؤقتة فقط، وقد دعونا الدول الأوروبية منذ ذلك الوقت إلى إنشاء آلية بحث وإنقاذ مخصصة واستباقية لدعم إيطاليا في جهودها لإنقاذ الأرواح المهددة في البحر. لذلك، إذا كان القصد من هذه المدونة هو الإشارة الى أن البحث والإنقاذ ليست مسؤولية الدول، فإن هذا الأمر سيكون سابقة خطيرة.
إن الأشخاص الذين نتعامل معهم في مراكز الاحتجاز في أنحاء طرابلس وأولئك الذين ننقذهم في البحر يروون جميعاً قصصاً مؤلمة عن المعاملة اللاإنسانية. إن الاستراتيجية التي تقترحها الحكومة الإيطالية والاتحاد الأوروبي حالياً لاحتواء المهاجرين واللاجئين في ليبيا من خلال العمليات العسكرية وتقديم الدعم لحرس السواحل الليبيين هي مقلقة للغاية في ظل الظروف الراهنة.
إن الواقع هو أن ليبيا ليست مكاناً ينبغي أن يُعاد إليه الناس، سواء كان ذلك من الأراضي الأوروبية أو من البحر. نحن لا نعتقد أن عملية البحث والإنقاذ ينبغي أن تكون الحل لمعالجة هجرة القوارب والوفيات في البحر، ولكن الحاجة إليها تبرز في ظل غياب أي بديل آخر آمن للناس الذين يرغبون في الوصول إلى بر الأمان. لذلك فإن قطع السبيل الوحيد والأخير للهروب من الاستغلال والعنف لا يمكن أن يكون حلاً مقبولاً.
إن حقيقة تزامن تبلور العملية العسكرية المقترحة مع تطبيق مدونة قواعد السلوك تمس خطوط بيئة العمل التي نعمل فيها وتجعلنا غير منفتحين للتوقيع على شيء يمكن أن يكون جزءاً من خطة أكبر تشمل تدخلاً عسكرياً.
4. هل ستواصل منظمة أطباء بلا حدود إجراء عمليات البحث والإنقاذ في البحر؟
نعم، ستواصل فرق منظمة أطباء بلا حدود إنقاذ الأرواح في البحر. فعلى الرغم من أننا قررنا عدم التوقيع على مدونة قواعد السلوك، إلا أن فرقنا تتبع بالفعل غالبية القواعد المنصوص عليها في المدونة كما تتقيد بشكل صارم بجميع القوانين الوطنية والدولية. هذا وقد تعاونت منظمة أطباء بلا حدود بشكل كامل مع السلطات الإيطالية، بما في ذلك مركز تنسيق الإنقاذ البحري في روما منذ أن بدأنا عمليات البحث والإنقاذ في عام 2015.
وسنواصل إجراء عمليات البحث والإنقاذ تماماً كما فعلنا على مدى السنوات الثلاث الماضية، وسوف نتابع التزامنا بشكل كامل باحترام الالتزامات الواردة في المدونة والتي ليست ضمن اختصاصنا، كما سنواصل المشاركة البناءة في جميع طلبات الشرطة القضائية أو السلطات الأخرى، بما يتماشى مع التزاماتنا القانونية.