لقد تم إحراز تقدم كبير في علاج فيروس نقص المناعة البشري على مدار 30 سنة مضت؛ إذ زادت فعالية العلاج المضاد للفيروسات القهقرية، وتم توسيع نطاق توفرها، وتنفيذ الطرق التي تجعل العلاج أقرب إلى الأشخاص الذين يحتاجونه. وتحول فيروس نقص المناعة البشري الذي كان يعتبر تلقائياً حكماً بالموت في يوم من الأيام، ليصبح اليوم مرضًا مزمنًا – ففي حال الحصول على العلاج والالتزام به، يظلّ الأشخاص المصابون بهذا الفيروس على قيد الحياة، فيصبحون متعايشين مع الفيروس ويتمتعون بصحة جيدة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من التقدم هذا، إلا أنه لا تزال الوفيات ذات الصلة بفيروس نقص المناعة البشري شائعة ولا زالت توجد الكثير من الثغرات والتحديات في تزويد الناس بالعلاج.
وبحلول نهاية عام 2021، تلقى 52 في المئة فقط من الأطفال المصابين بفيروس نقص المناعة البشري العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية، وتوفي نحو 650,000 شخص في عام 2021؛ بعضهم بعد فترة وجيزة من خضوعهم للعلاج في مرحلة متأخرة جدًا أو لأنهم لم يخضعوا لأي علاج على الإطلاق.
معدلات العلاج كانت خجولة ثم بدأت بالارتفاع
شهدنا، في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الثانية، الخسائر التي تسبب بها فيروس نقص المناعة البشري والإيدز بشكل مباشر في المجتمعات التي قدمنا لها المساعدة. ونحن كمنظمة أطباء بلا حدود، كان لدينا الكثير من النقاش الداخلي حول ما إذا كان ينبغي أن تشارك منظمة أطباء بلا حدود -باعتبارها منظمة تعمل في حالات الطوارئ- في توفير العلاج المضاد للفيروسات القهقرية مدى الحياة للمرضى.
في البداية، كانت منظمة أطباء بلا حدود محصورة في علاج أمراض العدوى الانتهازية، مثل سرطان ساركوزي في كابوسي، وهو نوع من أنواع السرطان منتشر بين المصابين بفيروس نقص المناعة البشري. ففي عام 2000، كانت تكلفة العلاج المضاد للفيروسات القهقرية أكثر من 10,000 دولار أمريكي للشخص الواحد في السنة، وكان يتم توفيره بشكل عام في المستشفيات تحت إشراف طبيب. وقد تساءل البعض عما إذا كان العلاج معقدًا جدًا بحيث لا يمكن توفيره بنجاح في البلدان ذات الدخل المنخفض والموارد القليلة.
ومع ذلك، في تلك السنة وفي عام 2001، بدأنا توفير العلاج المضاد للفيروسات القهقرية لعدد صغير من الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشري في مشاريع في كل من تايلاند والكاميرون. في البداية، قام أطباؤنا في تايلاند بوضع أعداد صغيرة من الأشخاص تحت العلاج باستخدام العلاج المضاد للفيروسات القهقرية والذي تم تهريبه في حقائب مضيفات الطيران على متن الخطوط الجوية الملكية الهولندية.
كما لعبت الأبحاث التي أجرتها منظمة أطباء بلا حدود في أوغندا وكينيا وجنوب إفريقيا وملاوي وتايلاند دوراً تاريخياً في إثبات جدوى وفعالية علاج فيروس نقص المناعة البشري في السياقات ذات الموارد المحدودة.
وإلى جانب العمل الذي قامت به حملة أطباء بلا حدود للحصول على الأدوية الأساسية ومجموعات الناشطين والناشطات في جميع أنحاء العالم التي تدعو إلى خفض تكلفة الأدوية، ساعد هذا الدليل على دفع الجهود المبذولة لزيادة نطاق توفر العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية المنقذ لحياة الناس.
وفي عام 2021، تلقى نحو 40,000 شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشري العلاج تحت الرعاية المباشرة لأطباء بلا حدود، كما تلقى 50,000 شخص العلاج ضمن البرامج التي تدعمها المنظمة.
العلاج اليوم
تم توسيع نطاق علاج فيروس نقص المناعة البشري بشكل كبير خلال العقد الماضي، فارتفع عدد الأشخاص الحاصلين على العلاج من 7.5 مليون شخص في عام 2010 إلى نحو 29 مليون شخص في يومنا هذا. ولكن مع وجود نحو 38 مليون شخص مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، فإن هذا يترك نحو 9 ملايين شخص دون تلقي العلاج (بحسب برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز 2021).
وخلال الأعوام الماضية، قامت منظمة أطباء بلا حدود بتجريب وتطوير طرق لإضفاء اللامركزية على العلاج وتحويل مهام إجراء الفحوص وتوفير العلاج من الأطباء إلى الممرضين والعاملين الصحيين. وقد كانت أنجح نماذج الرعاية للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشري هي تلك التي تعتمد على مقاربة تتمحور حول المريض وتركز على المجتمع.
وفي الوقت الحالي، تقوم فرقنا بتقديم المشورة ثم البدء الفوريّ للعلاج لجميع الأشخاص الذين تثبَت إصابته بفيروس نقص المناعة البشري– ويعرف هذا باسم "افحص وابدأ".
أمثلة على النهج الذي يركز على المريض
- تكييف ساعات العمل في العيادات لتناسب المرضى. إذ تطبق منظمة أطباء بلا حدود عدة نماذج مُكيَّفة، مثل العيادات التي تعمل في الصباح الباكر حتى يتمكن الأشخاص من المرور عليها وهم في طريقهم إلى العمل، والعيادات التي تعمل في وقت متأخر من الليل للعاملين في مجال الجنس.
- السماح للأشخاص بالحصول على إمدادات عقار مضادات الفيروسات القهقرية لمدة ثلاثة أو ستة أشهر بدلاً من الإمداد المعتاد بشهر واحد. إذ يعمل هذا الأمر على التقليل من عبء الوقت والمال اللازمين للذهاب إلى العيادة والحصول على الأدوية (لكن اللوائح التنظيمية الخاصة بالصيدلة غالباً ما تمنع تنفيذ هذا الإجراء البسيط).
- نوادي الالتزام بالعلاج: تتيح هذه الخطوة التي طبقتها منظمة أطباء بلا حدود لأول مرة في جنوب إفريقيا للمرضى المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية بالاجتماع كل شهرين في عيادة محلية أو أحد المراكز الاجتماعية لتلقي العلاج من عامل عادي.
- الاستماع إلى التحديات التي يواجهها الأشخاص المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية والتوصل إلى حلول واقعية معًا. ويتم ذلك خلال المشاورات العيادية أو جلسات الاستشارات.
الالتزام بالعلاج
أصبح الأشخاص المصابون بفيروس نقص المناعة البشري الآن قادرين على عيش حياة طويلة والتمتع بصحة جيدة في حال التزموا بالعلاج بمضاد الفيروسات القهقرية بعد أن كان محتمًا عليهم أن ينتهي بهم المطاف بالموت سابقًا. بالإضافة إلى ذلك، فقد أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يلتزمون بالعلاج وكانت لديهم مستويات غير قابلة للكشف من الفيروس في دمهم، أي وصلو إلى مرحلة القمع الفيروسي، تكون فرصة نقل المرض إلى شخص آخر صفر في المئة تقريبًا.
فيروس نقص المناعة البشري هو مرض يدوم مدى الحياة. وينبغي على الأشخاص المصابين به تناول العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية كل يوم من حياتهم للحفاظ على الفيروس في مستويات لا يمكن اكتشافها والتمتع بصحة جيدة. وإذا توقف الشخص عن تناول الدواء، لأي سبب كان، فسيبدأ الفيروس في التكاثر، ويهاجم الجهاز المناعي ويمكن أن يصاب الشخص بالمرض. يمكن أن يصبح الفيروس بعد ذلك مقاومًا لأدوية الخط الأول، مما يعني أن هؤلاء الأشخاص سيحتاجون إلى التحول إلى علاج الخط الثاني بمضادات للفيروسات القهقرية أو حتى الأكثر تكلفة من أجل السيطرة على الفيروس لتعود صحتهم جيدة مرة أخرى.
يمكن أن تساعد الاستشارة والدعم المقدم من العائلة والأصدقاء والمجتمع شخصًا ما على التغلب على مشكلات تناول الأدوية يوميًا والتعايش مع مرض مزمن. ويمكن أن تساعد نماذج الرعاية المختلفة – التي قمنا بتجربة العديد منها – الأشخاص على الالتزام بالعلاج.
نماذج الرعاية المجتمعية
غالباً ما يرتفع عبء فيروس نقص المناعة البشري في البلدان النامية، وخاصة في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ومع احتياجات النظام الصحي الضخمة وقلة الموارد، تكافح هذه الدول للتعامل مع التدفق المستمر للمرضى الذين يحتاجون إلى متابعة وعلاج مدى الحياة.
لا يحتاج الأشخاص الأصحاء الذين يتناولون العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية إلى رعاية طبية مكثفة. إذ يرغب الأشخاص المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية والذين يتمتعون بصحة جيدة أن يعيشوا حياة منتظمة، دون الاضطرار إلى المجيء بشكل متكرر إلى المستشفيات المكتظة والوقوف في طوابير لساعات فقط للحصول على الأدوية الخاصة بهم.
تعالج نماذج الرعاية المجتمعية كلا جانبي مشكلة توسيع نطاق العلاج. فمن وجهة نظر المريض، يتم مواءمة الخدمات الصحية حسب حاجتهم للرعاية المستمرة. ومن منظور النظام الصحي، فإنه يعالج نقص الموارد البشرية، فبذلك يصبح العاملين الصحيين قادرين على إخضاع المزيد من الأشخاص للعلاج والاهتمام بأولئك الذين يحتاجون إلى المزيد من الدعم.
كما تواصل منظمة أطباء بلا حدود تطوير نماذج للرعاية بما يتناسب مع السياق، بدءًا من المقاربة التي تعتمد على المرافق الصحية إلى المقاربات التي يقودها المريض. ويمكن أن تتواجد عدة نماذج في بيئة واحدة لتناسب احتياجات المجموعات السكانية المختلفة.
أطباء بلا حدود وفيروس نقص المناعة البشري
تزامنًا مع مواصلتنا تقديم الدعم وتوفير العلاج لمجموعات مختلفة من الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشري، فإننا مهتمون بشكل خاص في الوقت الحالي في دعم الفئات التي ينقصها التمثيل، والتي تضمّ الأشخاص في "المجموعات الرئيسية" الأكثر تضرراً، وأولئك الذين يعانون من فيروس نقص المناعة البشري المتقدم.
تلبية احتياجات المجموعات الرئيسية
يشمل ما يسمى "المجموعات الرئيسية" الأشخاص ا الذين يتأثرون بشكل غير متناسب بفيروس نقص المناعة البشري، بما في ذلك العاملين والعاملات في الجنس، والأشخاص الذين يستخدمون المخدرات، والرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال والسجناء. إذ تمثل هذه المجموعات وشركاؤها 70 في المائة من الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشري في جميع أنحاء العالم و85 و95 في المائة من الإصابات بفيروس نقص المناعة البشري الجديدة في كل من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، على التوالي.
وعلى الرغم من ارتفاع مخاطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري، يتم استبعاد المجموعات الرئيسية في كثير من الأحيان من إمكانية الحصول على علاج فيروس نقص المناعة البشري والوقاية منه وكذلك الخدمات الصحية الشاملة. كما تمثل وصمة العار والتمييز والاستبعاد الاجتماعي والعنف والتجريم جزء من المعاناة التي يعيشونها بشكل يومي.
تقدم منظمة أطباء بلا حدود في كل من موزمبيق مجموعات من خدمات الرعاية الطبية اللازمة لفيروس نقص المناعة البشري وخدمات الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية للعاملين والعاملات في مجال الجنس والرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال في المواقع الرئيسية.
فيروس نقص المناعة البشري المتقدم (الإيدز)
تزامنًا مع الزيادة العالمية الضخمة في الحصول على العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية وتحويل علاج فيروس نقص المناعة البشري إلى مرض مزمن يمكن علاجه، اعتقد الكثيرون أن الإيدز سوف يختفي. ومع ذلك، يتم تشخيص ما يقرب من ثلث المرضى المصابين بفيروس نقص المناعة البشري في مرحلة متأخرة من المرض، والمعروف أيضا باسم الإيدز. ففي عام 2021، توفي 650,000 شخص بسبب فيروس نقص المناعة البشري في جميع أنحاء العالم.
وعلاوة على ذلك، يواجه العديد من الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشري الذين يخضعون للعلاج بالفعل صعوبات في الالتزام بتناول جرعاتهم اليومية ويتوقفون عن تناول العلاج. وبالنسبة لآخرين، تتوقف فعالية العلاج وتتوقف أجسادهم عن الاستجابة له.
كان أكثر من ثلثي المصابين بالإيدز الذين تم إدخالهم إلى المستشفى الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود في نسانجي، في ملاوي يتناولون العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية من قبل. وفي مستشفى أطباء بلا حدود في كينشاسا، في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تبلغ هذه النسبة 71 في المائة. وقد وصل أكثر من 25 في المئة من هؤلاء الأشخاص بعد فوات الأوان لإنقاذ حياتهم.
يعمل فيروس نقص المناعة البشري على تقليل الاستجابة المناعية للجسم، وبدون الخضوع لعلاج فعال، يجعل الأشخاص المصابين بالمرض أكثر عرضة للإصابة بالعدوى الانتهازية القاتلة.
على مستوى العالم، تشمل الأسباب الرئيسية للوفيات المرتبطة بالإيدز الأمراض التي يمكن الوقاية منها، بما في ذلك السل، والالتهابات البكتيرية الشديدة، والتهاب السحايا بالمكورات الخبيثة، وسرطان ساركوزي في كابوسي، وداء المقوسات، وذات الرئة بالمتكيسة الجؤجؤية – وجميعها أنواع العدوى الانتهازية.
يمثل السل السبب الرئيسي لوفاة المصابين بفيروس نقص المناعة البشري، إذ يتسبب بنحو 30 في المئة من الوفيات المرتبطة بالإيدز
وتشير التقديرات إلى أن نحو 55 في المائة من المصابين بفيروس نقص المناعة البشري والسل في الوقت نفسه لا يدركون إصابتهم بالعدوى المرافقة وبالتالي لا يتلقون الرعاية اللازمة لمرض السل.
إن استجابتنا للإيدز تتطور بسرعة في مختلف البلدان والمشاريع المتعددة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. إذ نقدم أو ندعم توفير العلاج المجاني لمرضى الإيدز في أربعة مستشفيات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والتي تشمل تدريب وتوجيه العاملين في المجال الصحي وتوفير الأدوية لعلاج أمراض العدوى الانتهازية.
وفي جميع مشاريع فيروس نقص المناعة البشري، نقوم بتطوير وتنفيذ حزم بمواد أساسية للتشخيص والعلاج، بالإضافة إلى تحسين المعرفة العلاجية ودعم الالتزام للمساعدة في اكتشاف وعلاج الأمراض المرتبطة بالإيدز بسرعة في وقت مبكر، وفي نهاية المطاف للحد من الوفيات.
إننا نتمنى أن يتم تمويل وتنفيذ المقاربات هذه في جميع البلدان التي تعاني من الأعباء التي يتسبب بها فيروس نقص المناعة البشري، وذلك لضمان بقاء الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشري في صحة جيدة، بغض النظر عن ظروف حياتهم.
التحديات في توفير العلاج
في حين أنه تم إحراز تقدم في السنوات الأخيرة، فإن الثغرات في العلاج في العديد من البلدان تهدد الأرواح. ولم تتحقق الأهداف المتفق عليها عالميًا للحد من وباء فيروس نقص المناعة البشري بحلول عام 2020.
سياقات انخفاض معدلات انتشار فيروس نقص المناعة البشري
أدى انخفاض معدلات انتشار فيروس نقص المناعة البشري في دول غرب ووسط إفريقيا، والتي تتراوح بين 2 إلى 10 في المئة، منذ وقت طويل إلى انخفاض الاهتمام والاستثمار في الاستجابة لفيروس نقص المناعة البشري بمجملها. ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز، بينما يتمكّن أكثر من 80 في المئة من البالغين المصابين بالفيروس من الحصول على مضادات الفيروسات القهقرية، لا تزال إمكانية حصول الأطفال المصابين بالفيروس متدنية جدًا، إذ يتلقّى نحو ثلثهم فقط العلاج.
والوضع أسوأ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ أنه بالرغم من أن معدل الانتشار منخفض للغاية (0.1 في المئة)، إذ يتلقى أقل من نصف الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشري العلاج.
شخَّص ثلثا الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشري في جمهورية إفريقيا الوسطى بمراحل متقدمة من فيروس نقص المناعة البشري قبل البدء في العلاج. ففي بانغوي، عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى، أبلغ الأشخاص المصابون بالفيروس أنّهم يتكبّدون تكلفة 2.7 دولارًا أمريكيًا من مقابل فحص فيروس نقص المناعة البشري و 9 دولارات مقابل شهر واحد من العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية ، ويعدّ ذلك بمثابة ثروة بالنسبة لمعظم الناس. ونتيجة لذلك، لا يخضع الكثير منهم إلى الإختبار أو يتلقون العلاج لمرة واحدة، ومن ثم يشعرون بالانهزام ويتخلون عن تلقي الرعاية.
في بلدان مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، يرتبط فيروس نقص المناعة البشري بوصمة العار بشكل شديد وبالتالي يخفي الناس إصابتهم بالفيروس عن الآخرين. كما تمثل المبالغ التي يتكبدها الأشخاص مقابل خدمات الرعاية والعلاج عاملاً رئيسًا آخر وراء سبب وصول الأشخاص لمراحل متقدمة جدًا من المرض وتأخرهم عن طلب الرعاية.
إننا نحاول التوصل إلى طرق لمعالجة هذه التحديات. على سبيل المثال، قمنا بإنشاء نقاط توزيع مجتمعية مضادات الفيروسات القهقرية للمجتمع، في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد تم إعداد نقاط التوزيع المجتمعية بشكل مستقل عن مراكز الصحة العامة بشكل متعمد، ذلك لأن هذه المرافق غالبًا ما تجبر المرضى على الدفع مقابل الاستشارات والفحوصات والأدوية.
ووفقًا لهذا النهج، يزور الأفراد كل ثلاثة أشهر نقطة توزيع مجتمعية تديرها شبكة من أشخاص مصابين بفيروس نقص المناعة البشري. ويصرف العمال العاديون مضادات الفيروسات القهقرية للمرضى. كما يزور المرضى المنشأة الصحية مرة كل عام للحصول على استشارة سريرية مجانية وإجراء فحص مستوى الاستجابة المناعية للتحقق من مدى نجاح علاجهم.
سياقات النزاع
قد يكون من الصعب تقديم خدمات الرعاية بشكل منتظم للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشري – أو ضمان حصولهم على إمدادات مستمرة من الأدوية - في حالات النزاع.
ففي مدينة زيميو، في جمهورية أفريقيا الوسطى، قمنا بتنفيذ برنامج فيروس نقص المناعة البشري مع مجموعات مجتمعية، والتي تغطي حوالي 1600 مريض. وفي شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب 2017، اندلع النزاع في المنطقة وبعد هجوم تم تنفيذه على المدنيين في المستشفى في يوليو/تموز – والذي قتلت فيه طفلة بالرصاص بينما هي بين ذراعي والدتها – حاول موظفونا مواصلة البرنامج.
ولكن مع وجود رجال مسلحين في محيط المستشفى، أصبح من الخطر جدًا على المرضى الوصول إلى العيادة والحصول على الأدوية. وبعد الهجمات، وعندما فر معظم الناس من المنطقة، فقدنا كل سبل الوصول إلى هؤلاء المرضى واضطررنا إلى تعليق البرنامج.
وفي اليمن، ثبت أن توفير العلاج دون انقطاع خلال سبع سنوات من الحرب يمثل تحديًا لوجستيًا وخطيرًا على موظفينا ومرضانا. عملت فرقنا في جميع أنحاء البلاد – حيث يتعرض المصابين بالمرض للوصم بالعار بشكل شديد – لمحاولة تنفيذ نهج تزويد المرضى بالأدوية الكافية لشهرين إلى ستة أشهر في المناطق غير المستقرة.
أما جنوب السودان، فقد غرق في أكثر من ست سنوات من الحرب الأهلية بعد تحقيق الاستقلال والتي انتهت في أوائل عام 2020. وبسبب النزاع، اضطررنا إلى مواءمة استراتيجيات العلاج في يامبيو حيث تعمل فرقنا في عيادات متنقلة، ويتنقلون في مختلف القرى في جميع أنحاء البلاد لتقديم خدمات مثل إجراء الفحوصات وتزويد الأدوية الكافية لعدة أشهر.
كما عملنا على تنفيذ استراتيجية توفير "حقائب التنقل"– والتي تحتوي على مضادات الفيروسات القهقرية بكمية تكفي المرضى إلى ما يصل إلى ستة أشهر في المناطق التي اندلع فيها النزاع في كل من جمهورية أفريقيا الوسطى واليمن وجنوب السودان. وقد سمح ذلك للمرضى بالالتزام بعلاجهم، حتى لو لم يعد بإمكانهم الوصول إلى العيادات للحصول على الأدوية اللازمة لعلاجهم.
أسعار الأدوية وإمداداتها
على الرغم من أنه قد يكون من الصعب توفير العلاج للمصابين بفيروس نقص المناعة البشري في الأماكن التي يكون فيها انتشار الفيروس منخفضًا والمناطق التي تعاني من النزاع، إلا أنه قد يكون من الصعب أصلاً الحصول على الإمداد اللازم من العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية.
كما تواجه بعض البلدان، لا سيما في غرب ووسط إفريقيا، وبعضها في جنوب إفريقيا مشكلات متكررة في الإمداد والمخزونات الطبية المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشري، بما في ذلك الأدوية. ومن بين الأسباب التي تجعل الأدوية لا تصل إلى الأشخاص: انخفاض مستويات التمويل الدولي، وضعف التنبؤ باحتياجات الأدوية، والإمدادات العالقة في كثير من الأحيان في نقاط التوزيع المركزية.
في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تشهد فرقنا تأثير حالات نفاذ ونقص الأدوية وإجراءات التشخيص. الأمر الذي يعني أنه لا يمكن فحص الأشخاص أو البدء في الخضوع للعلاج. كما يواجه الأشخاص الذين يتلقون العلاج خطر الإصابة بالعدوى الانتهازية أو مقاومة الفيروس للأدوية التي يتناولونها، مما يقلل فرصهم في البقاء على قيد الحياة بدرجة كبيرة.
يمكن أن تعيق أسعار مضادات الفيروسات القهقرية – وخاصة الأدوية الحديثة منها – إمكانية حصول الأشخاص على العلاج. وقد انخفضت تكلفة العلاج لنظام الخط الأول المفضل من أعلى كلفة لها في عام 2000، والتي وصلت إلى أكثر من 10,000 دولار أمريكي، إلى حوالي 63 دولارًا للشخص في اليوم في الوقت الحالي.
لكن الأشخاص الذين فشل لديهم علاج الخط الأول في مكافحة الفيروس ويحتاجون إلى أنظمة علاج من الخط الثاني أو حتى الثالث – أو نظم الإنقاذ بعد فشل جميع خطوط العلاج السابقة، حيث يتم تركيب أدوية مخصصة للمصاب دون غيره – يتكبدون مبالغ مالية أعلى. يضطر الأشخاص الذين يحتاجون إلى هذه العلاجات الحديثة إلى دفع مبالغ تصل إلى 290 دولارًا أمريكياً للشخص الواحد في السنة لعلاجات الخط الثاني أو الثالث – أي أكثر من أربعة أضعاف سعر علاج الخط الأول.
ولغاية عام 2020، كانت تكلفة نظم الخط الثالث تصل إلى 2,200 دولار للضخص الواحد سنويًا وهو مبلغ ليس في متناول الكثير من الناس. ومن الجدير بالذكر، أنّ أحد أحدث الأدوية في هذا النظام، دارونافير ، قد تم تخفيض سعره بعد التوقيع على اتفاقية سمحت بإنتاج الأدوية الجنيسة. وتعتبر نظم الخط الثالث حاليًا أقل تكلفة بقليل مقارنة بنظم الخط الثاني.
الوقاية من الفيروس
بالإضافة إلى الفحص والعلاج، تشمل برامجنا الشاملة الخاصة بفيروس نقص المناعة البشري أنشطة التثقيف والتوعية الصحية، وتوزيع الواقيات الذكرية، وفحص الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري، وتقديم المشورة، وخدمات الوقاية من انتقال العدوى من الأم إلى الطفل.
فحص فيروس نقص المناعة البشري
يلعب فحص فيروس نقص المناعة البشري دورًا مهمًا في برامج الوقاية، من خلال تحديد الأشخاص الذين يحتاجون إلى العلاج، وبالتالي التقليل من خطر نقل العدوى للآخرين. وفي العديد من الأماكن، لا يزال الخوف والوصم بالعار المرتبط بفيروس نقص المناعة البشري ومحدودية الوصول إلى إجراء الفحوصات تعني أن الكثير من الأشخاص المصابين ما زالوا مترددين في إجراء هذه الفحوصات. وقد أجرينا تجربة الاختبار الذاتي لفيروس نقص المناعة البشري في أماكن مختلفة، من وقدمنا مجموعات محمولة تسمح بإجراء اختبار فيروس نقص المناعة البشري في المنزل. كما نقدّم نصائح متعلّقة بما يجب القيام به في حال كانت نتيجة الاختبار إيجابية.
وقاية ما قبل التعرض
تعدّ وقاية ما قبل التعرض إحدى تدابير الوقاية، ويعني ذلك أنّ الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشري يتلقّون ويتناولون مضادات الفيروسات القهقرية للحؤول دون وصول الفيروس. فعلى سبيل المثال، نوفر وقاية ما قبل التعرّض للأشخاص الذين أصيب شركاؤهم أو أزواجهم بفيروس نقص المناعة البشري في إسواتيني.
منع انتقال العدوى من الأم إلى الطفل
يشمل منع انتقال العدوى من الأم إلى الطفل إعطاء العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية للأم أثناء الحمل وبعده، وخلال المخاض والولادة والرضاعة الطبيعية، وللرضّع بعد الولادة مباشرة. ففي جنوب إفريقيا، لا يزال انتقال العدوى من الأم إلى الطفل مرتفعًا نسبيًا عند 4.3 في المئة عندما يبلغ عمر الطفل 18 شهرًا.
استجابة لذلك، طورت منظمة أطباء بلا حدود أندية ما بعد الولادة، والتي تجمع الأمهات المصابات بفيروس نقص المناعة البشري وأطفالهن معًا في جلسات صحية منتظمة لأول 1000 يوم من حياة الطفل. الأمر الذي يضمن استمرار الأمهات على العلاج بنجاح، مما يقلل من خطر انتقال فيروس نقص المناعة البشرية إلى أطفالهن أثناء الرضاعة الطبيعية.