نولا أنيبا تيتو هي واحدة من المترجمين الطبيين الذين يعملون في المركز الصحي التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في منطقة أوفوا 3، في مخيم رينو. وهي تنحدر من بلدة في الإقليم الاستوائي، وقد فرّت من العنف المنتشر في جنوب السودان في يوليو/تموز 2016 مع أطفالها وبدأت بالعمل مع منظمة أطباء بلا حدود في مارس/آذار 2017. وحيث أن 86 في المئة من اللاجئين القادمين من جنوب السودان والمتواجدين في أوغندا هم من النساء والأطفال، فإن نولا هي واحدة من العديد من النساء المسؤولات عن عائلاتهن.
كنت أعيش مع طفلي الاثنين وأنتظر ولادة طفلي الثالث. وكان زوجي في جوبا. وكان جميع الأشخاص في ذلك الحين يهربون إذ رأينا اختطاف الأطفال والاغتصاب والنهب والزواج القسري والقتل المتبادل بين القبائل في كل يوم تقريباً. وتعرضت المدارس للهجمات والأطفال يذبحون مثل الدجاج.
وعند مجيء أشخاص من قبيلة أخرى، كانوا يقتلون جميع الأشخاص من القبائل الأخرى ويتركون أفراد قبيلتهم سالمين. علاوة على ذلك، لم تكن هناك إمكانية للوصول إلى الرعاية الصحية، وخصوصاً بعدما غادرت العديد من المنظمات غير الحكومية البلد.
وفي أحد الأيام، قرع رجال باب منزلنا وهددوا بفتحه عنوة. كنت خائفة جداً لذلك لم أفتح الباب لهم، ولكنني فتحت النافذة بهدوء ورأيتهم يحملون مسدسات بأيديهم. صرخت بصوت عالٍ إلى أن جاء الجيران وغادر أولئك الرجال حينها. وفي تلك اللحظة قررت أن أترك منزلي فوراً دون أي شيء من ممتلكاتي. فأخذت أولادي وأولاد أخي الثلاثة، ولم يتمكن أخي من العبور إلى أوغندا إلى الآن. وحتى في طريقنا إلى أوغندا هناك خوف من القتل والعنف، ولهذا السبب لا يزال أخي في جنوب السودان.
أنا محظوظة لأني نجحت بالوصول إلى أوغندا. ولكن عند وصولنا إلى المخيم، لم نجد ماءً أو طعاماً أو خدمات صحية. وفي بعض الأحيان، كان يمر أسبوع كامل دون أن نحصل على ماء. كيف يمكننا أن نعيش دون ماء نستخدمه ونشربه؟ واضطررت كذلك إلى المشي لمسافة طويلة جداً للوصول إلى المستشفى التي تقع خارج المخيم كي ألد طفلي، والذي يبلغ سبعة أشهر من العمر الآن.
غادرنا دون أن يكون معنا أي شيء، ولو قرش واحد من أجل شراء الطعام أو دفع أجرة المواصلات إلى المستشفى. ولذلك عندما بدأت منظمة أطباء بلا حدود بتقديم الخدمات الصحية في المخيم كان ذلك بمثابة مساعدة كبيرة للناس هناك.
وقدمت منظمة أطباء بلا حدود المساعدة لي في ما يخص الحصول على فرصة عمل. فقد تغيرت حياتي كلياً بعد أن تم توظيفي كمترجمة طبية لدى المنظمة. واستخدمت المال الذي اكتسبه في بناء منزلنا وفي شراء الملابس والخضار للأطفال. وهناك شيء جيد آخر وهو أنني حينما أكون في العمل لا أضطر للتفكير بكل المشاكل التي أمر بها.
ولكن في المساء، لا أستطيع التوقف عن التفكير بما سيحصل لي ولأولادي. كما أشعر بالخوف بأن هناك أمراً سيئاً سيحصل عندما أكون نائمة. ففي المخيم هناك حالات عنف وإيذاء جسدي واغتصاب، وكوني امرأة مسؤولة عن عائلة لا يعد أمراً آمناً. وبالتالي لا أستطيع النوم حتى الساعة الثانية أو الثالثة فجراً.
ولأن الأشخاص هنا ليس لديهم ما يكفي من الطعام والماء، وبسبب عدم وجود عمل أو شيء يمكنهم القيام به، فإنهم يلجؤون إلى شرب الكحول والتدخين وبنهاية المطاف إلى العنف. أعرف فتاة تبلغ خمسة عشر عاماً من العمر تم اغتصابها في المخيم وأصيبت بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والتهاب الكبد B.
وهناك أشخاص حاولوا قتل أنفسهم وعائلاتهم، وقالوا بأن الموت أفضل من العيش في وضع غير إنساني، أو أنهم سيعودون إلى جنوب السودان. أنا قلقة جداً حيال مستقبل أطفالي. فإذا لم تتح لهم الفرصة للذهاب إلى المدرسة، ماذا سيعملون عندما يكبرون؟ وإذا تركت منظمة أطباء بلا حدود المخيم وفقدت وظيفتي، كيف ستعيش عائلتي حينها؟
هناك 86,770 لاجئ من جنوب السودان في مستوطنة رينو التي تقع في مقاطعة آروا شمال غرب أوغندا. تعمل منظمة أطباء بلا حدود في مناطق أوفوا في رينو منذ شباط/فبراير 2017، حيث تقوم بتشغيل مركز صحي يحتوي على قسم للمرضى المقيمين وجناح للولادة، بالإضافة إلى مركزين صحيين للمرضى الخارجيين.
يعاني حوالي 70 في المئة من الأطفال الذين يتم قبولهم في قسم المرضى الداخليين من الملاريا، ومن المتوقع أن يتزايد ذلك في موسم الأمطار القادم. وبالنظر إلى ارتفاع معدل العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس، فقد تم توفير الرعاية النفسية الصحية أيضاً. كما تمتلك منظمة أطباء بلا حدود فريق مراقبة لصحة المجتمع المحلي يقوم برصد معدل الوفيات ونسبة انتشار الأمراض، والتغذية، واحتياجات التطعيم، وتجارب العنف.
وتعد إمكانية الوصول إلى المياه أحد أهم القضايا في رينو. فمن أجل الوصول إلى بعض مناطق أوفوا، تحتاج شاحنات المياه لأن تسير لمدة تزيد عن ساعة ونصف لتصل إلى وجهتها، وقد يتأخر أكثر من ذلك أثناء موسم الأمطار أو يصبح مستحيلاً تماماً. وبمعدل وسطي، حصلت المجموعات السكانية من اللاجئين في آذار/مارس 2017 على نحو 6.5 ليتر في اليوم لكل شخص. تقوم منظمة أطباء بلا حدود بتوفير ما معدله 70 ألف ليتر يومياً وتجري أعمالاً لحفر آبار لتأمين مزيد من المياه.