Skip to main content
displaced in sanatorium of Svetagorsk

"عندما يبدأ القصف... ليس أمامك إلا أن تهرع إلى أقرب قبو"

ملاحظة: هذه الشهادة قُدّمت يوم الجمعة 13 فبراير/ شباط 2015

تنحدر أليونا البالغة من العمر 24 عاماً من مدينة ديبالتسيف المتنازع عليها والواقعة على خط جبهة الصراع الدائر في أوكرانيا. وحين اشتدّ القتال في يناير/ كانون الثاني، انتقلت أليونا وزوجها وابنهما غليب البالغ من العمر عامين للإقامة في القبو، إلا أن الوضع أصبح في نهاية المطاف لا يحتمل واضطرت العائلة إلى ترك المدينة في 29 يناير/ كانون الثاني.

يقيمون الآن في مسكنٍ صيفيٍ (كانت هذه المساكن تستخدم سابقاً أماكن للراحة في شرق أوكرانيا وأضحت الآن ملاجئ للنازحين) في الغابة المحيطة بمدينة سفياتوغورسك، على بعد نحو 115 كيلومتراً عن ديبالتسيف، إلى جانب أكثر من 350 نازحاً آخرين. تتلقى أليونا الدعم من الأخصائي النفسي التابع لمنظمة أطباء بلا حدود نظراً لمخاوفها بشأن آثار الحرب على ابنها. كما بدأت المنظمة مؤخراً بتوفير الرعاية الصحية الأساسية للمقيمين في ذلك المسكن.

غادرتُ أنا وزوجي وطفلي ديبالتسيف أول مرة في يوليو/ تموز، قبل أسبوعين من وقوع هجومٍ عسكريٍّ في المدينة. هربنا إلى كونستانتينوفكا لكننا عدنا إلى ديبالتسيف في أكتوبر/ تشرين الأول لأن زوجي كان سيطرد من عمله لتغيبه عنه.

أدركنا الآن بأن ما حدث صيفاً لا يقارن بما يجري اليوم في ديبالتسيف. وحتى قبل تصاعد الاقتتال في 19 يناير/ كانون الثاني، نادراً ما مكثنا في الشقة حيث كنا نضطر لأن نهرع إلى القبو. عملنا على تنظيم الملجأ لأشهر، حيث قمنا بتنظيفه وإحضار فرشٍ للنوم وكل ما استطعنا إليه سبيلاً كي نحظى بمكان إقامةٍ أفضل. لكن في النهاية وعندما يبدأ القصف، ليس بمقدورك الاختيار وما عليك سوى الركض إلى أقرب ملجأ.

مررنا بفتراتٍ توقف فيها القصف، لمدة يومين، كما قضينا أوقاتاً لم يكن باستطاعتنا مغادرة القبو. وفي النهاية، وصل الناس إلى درجة لم يعودوا يعيرون فيها انتباهاً للقصف المستمر، ولم يكونوا قادرين على معرفة إذا ما كان القصف يصدر عن ديبالتسيف أم يستهدفها. كان عليّ ذات مرة أن أخبئ طفلي في الحمام وحين نظرت خارجاً سألني: "هل هو قادمٌ باتجاهنا أم من عندنا يا أمي؟".

مكثنا خلال الأيام العشر التي سبقت مجيئنا إلى هنا في قبوٍ دون كهرباءٍ ودون تدفئة. تعود هذه الملاجئ إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، وهي رطبةٌ ومهملة. كان الجو بارداً حقاً، والحرارة حوالي ثماني درجات، فيما كنا نحو 20 إلى 25 شخصاً قابعين في القبو. أحضر الناس بعض الطعام، لكن ونظراً لغياب الكهرباء، توجب علينا وصل فرنٍ صغيرٍ بأسطوانات الغاز كي نطبخ.

كانت جميع أقبية المدينة مزدحمةً، وكان المسنون والأطفال والجميع يمكثون فيها، كما أصيب الناس بالأمراض. وكان يمكن قبل 19 يناير/ كانون الثاني الحصول على الأدوية من الصيدليات المتواجدة في مركز المدينة، لكننا كنا نعجز عن إيجاد بعض العلاجات. كان الطعام أيضاً باهظ الثمن إذ ازداد تعقيد عملية التوريد شيئاً فشيئاً. كانت السيولة مفقودةً ولم يكن ثمة إلا مصرفٌ واحدٌ يعمل في المدينة آنذاك، لكن المشكلة الأساسية كانت بأن الناس لم يتوفروا على نقودٍ كي يسحبوها، فالأعمال كانت متوقفةً ولم يحصل الناس على رواتبهم.

قام متطوعون بإجلائنا وكان يفترض أن تأتي حافلةٌ لتُقلّنا في الثامنة صباحاً، لكننا ظللنا ننتظرها حتى الثالثة من بعد الظهر حيث أنها توقفت بسبب القصف. كان الانتظار في الخارج أمراً مرعباً خاصةً وأننا كنا على مقربةٍ من مبنى تعرض سابقاً للقصف عدة مرات. وخلال الانتظار راودني شعورٌ بأن المكان قد يتحول إلى مقبرةٍ جماعية. سقطت قذيفةٌ حوالي الساعة السابعة صباحاً وفقدت امرأةٌ رجلها على إثر ذلك. وحين وصلت سيارة الإسعاف بعد خمس ساعات، كانت قد نزفت حتى الموت.

أُجلي معظم أفراد عائلتي خارج ديبالتسيف، لكن بعضهم قرر البقاء. ولم يعد أمامهم الآن فرصةٌ للمغادرة. نادراً ما يتمكنون من شحن هواتفهم النقالة، ولهذا فإنه من المرعب دائماً الانتظار بفارغ الصبر اتصالَهم كي نطمئن عليهم. تعبنا جميعاً من هذا الوضع حيث أن علينا أن نحمل معنا كل هذه الذكريات والأفكار التي نعيشها كل يوم.

تحدث الأخصائي النفسي التابع لمنظمة أطباء بلا حدود إلى طفلي وقال لي بأنه على ما يرام. كما أن ثمة امرأة من هنا كثيراً ما تأتي للعب مع الأطفال وتحاول أن ترفه عنهم. يُحضر المتطوعون ألعاباً كثيرةً للأطفال لكن بإمكانك أن ترى ما هي أكثر الألعاب شعبيةً بين الأطفال ها هنا [تتحدث وهي تراقب ابنها وهو يلعب بمسدس لعبة]. لاحظت بأنه لا يحبذ الابتعاد عني، فهو لا يزال خائفاً. إنني حقاً آمل ألا يحمل ابني ندباً تبقى في ذاكرته إثر هذه الأحداث، وأظن بأن الوقت كفيلٌ بأن يخبرنا ما سيحدث.

نحصل هنا على بعد الطعام من المنظمات والمتطوعين، ونأمل أن نحصل على المزيد خلال الأيام المقبلة. نعيش على الأموال التي أخذناها معنا حين غادرنا المدينة.

ليست لدينا خططٌ للمستقبل، ويصعب على المرء العيش دون أمل. لقد تضرر الجميع، نفسياً ومادياً. كان الناس يملكون كل شيء لكن طفلي مشردٌ اليوم. لا يمكننا أن نرجع بالزمن إلى الوراء...