كانت اختصاصية الأمراض المعدية، دياني ديواسورندرا، في مهمة في جنوب السودان، عندما وصلت أولى حالات الكوليرا إلى المستشفى. تروي لنا ما حدث خلال الساعات الـ 72 الأولى وتشرح أهمية التطعيم للسيطرة على تفشي المرض.

الساعات 0–12: العلامات الأولى والتدابير الأولية
في مستشفانا في ملكال، شهدنا فجأة ارتفاعًا في عدد الأطفال الذين يصلون مصابين بإسهال شديد. في منطقة ذات وصول محدود إلى المياه الصالحة للشرب، هذا مؤشر خطر. علاوة على ذلك، كان ذلك خلال شهر مارس/آذار – الشهر الأخير من موسم الجفاف. منذ نوفمبر/تشرين الثاني، لم يكن هناك أي هطول للأمطار تقريبًا وقد جفَّت العديد من مصادر المياه. غالبًا ما لا تشهد هذه المنطقة أمطاراً على الإطلاق بين نوفمبر/تشرين الثاني ومارس/آذار.
كنا نعلم أن الكوليرا قد تحدث – لكن كان علينا أن نتأكد.
جمعنا عينات وأرسلناها إلى المختبر. في الوقت نفسه، بدأنا في مراقبة أعداد الحالات. بمجرد أن ظهرت نتيجة الاختبارات الأولى مشيرة إلى وجود الكوليرا، كان علينا أن نتصرف بسرعة. تم تأكيد تفشي المرض رسميًا الآن – وكل دقيقة لها ثمن.
في منطقة يفتقر فيها الكثير من الناس إلى المياه النظيفة، يمكن أن يتصاعد مرض مثل الكوليرا بسرعة. أحد أخطر الجوانب هو أن مصدر المياه الوحيد المتاح غالبًا ما يكون نهرًا – النهر نفسه الذي تستحم فيه الحيوانات ويغسل الناس أنفسهم ويشربون منه. في مثل هذه الحالات، يمكن أن يكون للتلوث بالجراثيم عواقب كارثية.
الساعات 12–24: تدابير العزل والحماية
تتمثل الأولوية القصوى في منع المرض من الانتشار أكثر. لذلك، أنشأنا على الفور جناح عزل للكوليرا في المستشفى. في ملكال، كان هذا صعبًا بشكل خاص، إذ كانت لدينا أساسًا منطقة عزل مستقلة للحصبة. كان علينا التأكد من أن المرضى الذين يعانون من هذين المرضين المعديين للغاية لن يختلطوا ببعضهم وأن المرضى الآخرين سيظلون محميين من العدوى.
في الوقت نفسه، بدأنا جهود الوقاية: قمنا بتركيب محطات إضافية لغسل اليدين وتثقيف الجمهور حول أهمية النظافة وغسل اليدين.
ذهب المثقِّفون الصحيون لدينا إلى المجتمعات المحيطة لشرح الأعراض المبكرة للكوليرا ومتى يبنغي طلب العلاج. الكوليرا هي مرض إسهالي شديد وتعدّ الأمراض من هذا القبيل خطيرة بشكل خاص على الأطفال الصغار. على الرغم من أنه قابل للعلاج، إلا أن الإصابة به قد تؤدي إلى الوفاة في غضون ساعات قليلة إذا تركت من دون علاج.
الساعات 24–48: علاج المرضى وتحديد المصدر
أثناء علاج المرضى الأوائل، قمنا أيضًا بتقييم إمدادات المياه. في أجزاء كثيرة من جنوب السودان، لا توجد آبار أو مضخات – يجمع الناس المياه من الأنهار أو البرك، والتي غالبًا ما تكون ملوثة.
أتذكر حالة حدث فيها نفوق جماعي للماشية وتركت مئات الجيف ملقاة على طول ضفة النهر. ومع ذلك، لم يكن لدى الناس خيار – كان عليهم الاستمرار في الشرب من النهر. لم يدرك الكثيرون أن الماء قد يشكّل خطرًا.
بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية وشركاء آخرين، قمنا باختبار جودة المياه واستقصاء مصادر التلوث المحتملة. كنا نعلم أنه لا يمكننا علاج المرض بمفرده – كان علينا الحؤول دون إصابة المزيد من الناس بالعدوى.
لهذا السبب بدأنا بتوزيع المياه النظيفة. في بعض القرى، استخدمنا مرشحات الفحم أو المعالجة بالكلور لتحسين إمدادات المياه على المدى الطويل. كما قمنا بتركيب مرافق صرف صحي مثل المراحيض.
الساعات 48–72: حملة التطعيم ومكافحة التفشي
الآن لم يكن الهدف مجرد إبطاء تفشي المرض، ولكن السيطرة عليه. بالإضافة إلى علاج المصابين، كانت الخطوة الرئيسية التالية هي التطعيم. يمكن احتواء الكوليرا بلقاح عن طريق الفم – وهي ميزة كبيرة، لأنها تسمح لنا بتطعيم مجموعات كبيرة من الناس بسرعة وكفاءة.
قبل بدء حملة التطعيم المجتمعية، كان علينا حماية فرقنا الطبية، فالأطباء والممرضون وموظفو الدعم على اتصال مباشر بالمرضى، لذلك يعدّ التطعيم أمرًا ضروريًا لحمايتهم. بعد ذلك فقط يمكننا البدء في الحملة على نطاق واسع للسكان المتضررين.
كان للتثقيف دور حاسم. في مناطق الأزمات، لا يشكّك الناس عمومًا في اللقاحات – ولكن في كثير من الأحيان، لا يعرفون ببساطة عن وجود اللقاح. بمجرد أن أوضحنا الغرض من اللقاح وفوائده للمجموعات الأولى، زاد التقبل بسرعة.
التصرف بسرعة ينقذ حياة الناس
تحدد أول 72 ساعة من الوباء ما إذا كان يمكن احتواؤه أو أنه سيتحول إلى كارثة. في حالة تفشي وباء الكوليرا عام 2023، تمكنا من الاستجابة بسرعة والحد من عدد الحالات إلى 1,471 حالة. بعد 90 يومًا، في 16 مايو/أيار 2023، اختُتمت الاستجابة إذ انخفضت الحالات بشكل كبير وتم احتواء التفشي.
أظهر هذا التفشي مرة أخرى مدى أهمية التشخيص المبكر والعزل وتحديد مصدر العدوى والتطعيم السريع. تعدّ كل خطوة من هذه الخطوات ضرورية لإنقاذ حياة الناس.
نحن نعمل في ظل ظروف صعبة للغاية في مناطق الأزمات، لكن الوصول إلى اللقاحات لا يزال أحد أقوى أدواتنا في مكافحة الأوبئة. وفي الوقت نفسه، يجب ألا ننسى أن الحلول طويلة الأجل – مثل الحصول على المياه النظيفة – لا تقل أهمية عن منع تفشي الأمراض في المستقبل.