كرم ياسين هو مسؤول التوعية الصحيّة في مرفق الرعاية الشاملة ما بعد الجراحة التابع لمنظّمة أطبّاء بلا حدود في شرق الموصل في العراق، حيث يصل 40 في المئة من المرضى مصابين بعدوى مقاومة للأدوية المتعددة.
يتحدّث كرم كل يوم إلى المرضى ومقدّمي الرعاية عن المسائل الصحيّة ويعزّز أنماط السلوك الصحي. وينظّم كذلك جلسات توعية حول استخدام المضادات الحيوية.
ويصف كرم كيف تشكّل إساءة استخدام المضادات الحيوية مسألة رئيسيّة في العراق وكيف يمكن أن تنطوي على تأثيرات خطيرة على صحة وتعافي المرضى الذين يعاني عدد كبير منهم من عدوى مقاومة للعلاج بالمضادات الحيوية.
لم تكن دائمًا مقاومة المضادات الحيوية بين أوساط الشعب العراقي مشكلة رئيسيّة في بلادنا. فمنذ 15 عامًا، كان استخدام المضادات الحيوية مُنظَّمًا بشكل جيد وكان لدينا نظام طبّي جيّد.
ولكن الحرب عام 2003 غيّرت الوضع. فبعد نشوب الحرب، أصبح الحصول على بعض المضادات الحيوية التي تتطلّب وصفة طبيّة سهلًا للغاية وبدأ الناس باستخدامها بشكل أكبر كلما أصابهم المرض.
اليوم في العراق، يمكن للصيدلانيّ أن يبيع المضادات الحيوية، حتى تلك التي تتطلّب حقنها في الدم، بدون وصفة طبية.
ويرتبط توافر هذه الأدوية ارتباطًا مباشرًا بأنماط المقاومة التي نراها في البكتيريا اليوم، ما يفسّر سبب إصابة الكثير من المرضى الذين نعاينهم بمقاومة المضادات الحيوية.
المضادات الحيوية ليست دائمًا الحل السحري لكل شيء، ويجب أن تُعطى بوصفة طبيّة، وإن إساءة استخدامها أو الإفراط بتناولها تضرّ أكثر مما تنفع.كرم ياسين، مسؤول التوعية الصحية
عواقب مقاومة المضادات الحيوية
بعد مضي أكثر من عام على الهجوم العسكري على الموصل، أضحت تبعات مقاومة المضادات الحيوية أكثر إثارة للقلق ووضوحًا من أي وقت مضى.
فأصيب الكثير من الناس بالجروح خلال المعركة وتُعتبر الإصابات البالغة ملوثة دائمًا. ولذلك، بالنسبة إلى هؤلاء المرضى، فإن خطر الإصابة بعدوى هو أعلى بشكل عام، ويحتاجون على الأرجح إلى تناول المضادات الحيوية كي يتحسّنوا.
ولكن الاستخدام المفرط لهذه الأدوية على مر السنوات يعني أن المضادات الحيوية تكف عن تأدية الدور المنتظر منها. وبشكل عملي، يستغرق المرضى وقتًا أطول ليشفوا من جراحهم.
ويعني جرح بسيط لم يلتئم بالشكل الصحيح أن العدوى أضحت مزمنة وأن البكتيريا تقاوم الأدوية المتعدّدة، ما يتطلّب تدخلات جراحيّة متعدّدة وعلاج أطول بالمضادات الحيويّة كي يشفى المريض.
يعاني حاليًا أكثر من ثلث مرضانا في شرق الموصل من مقاومة المضادات الحيوية.
نشر الوعي لدى المرضى
نُنظّم جلسات توعية للمرضى ولأقاربهم لنقدّم إليهم المزيد من المعلومات عن هذه الأدوية. نشرح عن تأثير كل مضاد حيوي على الجسم، ونلقى عادةً الكثير من الاهتمام من مقدّمي الرعاية بسبب رغبتهم بمعرفة المزيد عن هذه المسألة لأنّهم سيعتنون بأقاربهم المصابين بهذه الحالة. ويطرح الناس الكثير من الأسئلة ليفهموا جيدًا ما هي مقاومة المضادات الحيوية، ويتفاجأ الكثير من الناس بالمعلومات التي نقدّمها إليهم.
يكتشفون أن المضادات الحيوية ليست دائمًا الحل السحري لكل شيء، وأن المضادات الحيوية يجب أن تُعطى بوصفة طبيّة، وأن إساءة استخدامها أو الإفراط بتناولها تضرّ أكثر مما تنفع.
في العادة عند نهاية الجلسات، نتلقى الكثير من الشكر من المشاركين لأنهم يشعرون أنهم حظيوا بالكثير من المعلومات حول هذه المسألة. ويقولون لنا أيضًا إنهم سينشرون الرسالة ويخبرون المزيد من الناس عن هذه المسألة. ويُعتبر ما سبق مهم للغاية لأنه يسمح بنقل المعلومات التي نقدّمها خارج المرفق عن المضادات الحيوية إلى منازل الناس. وهذا ما نحتاج إليه إن أردنا أن تتغير هذه الممارسة على نطاق البلد.
التوعية الصحية وتقديم الدعم للمرضى
وبصفتنا مسؤولون عن التوعية الصحيّة، نقدم الدعم أيضًا الناس الذين يتم عزلهم. فيتوجّب عادةً عزل المرضى المصابين بمسببات الأمراض المقاومة للمضادات الحيوية عن الآخرين ويعجزون في أغلب الأحيان عن مغادرة المستشفى لفترات طويلة أثناء أخذهم الأدوية التي يصفها لهم اختصاصيو الأمراض المعدية لدينا.
ويصعب على المرضى هنا أن يتقبلوا العزل، إذ أنه مرتبط بوصمة عار: فقد يظن الناس إنهم يعانون من مرض معدٍ أو خطير. ولهذا السبب من المهم تزويدهم بالمزيد من المعلومات حول حالتهم وشرح سبب حاجتهم إلى العزل. كما تُقدّم منظّمة أطبّاء بلا حدود إليهم جلسات صحة نفسيّة لمساعدتهم على التعامل مع المشاعر التي يتسبّب بها هذا العزل.
ولكل هذه الأسباب، أرى أن دور مسؤول التوعية الصحيّة أساسيّ، وليس فقط هنا في شرق الموصل، بل في كل مرفق طبّي في أرجاء البلد. يجب أن نُقدّم المعلومات إلى المرضى ومقدّمي الرعاية؛ ويجب أن يفهموا تمامًا الحالة الصحيّة التي يعانون منها والعلاج الذي يتبعونه. يُعتبر هذا النوع من المعرفة حاسم للشفاء بشكل جيد ولتغيير الوضع عى نطاق أوسع.
40 في المئة من إجمالي المرضى الذين تم إدخالهم بين أبريل/نيسان ومنتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2018 كانوا يعانون من عدوى مؤكدة ميكروبيولوجيًا. وتبين أنّ 90 في المئة من بين هؤلاء المرضى مصابين بعدوى مقاومة للأدوية المتعدّدة.
تعمل منظّمة أطبّاء بلا حدود في الموصل والأرجاء المحيطة بها منذ العام 2017 لتقديم الخدمات المنقذة للحياة إلى المحاصرين في العنف. من العام 2017 حتى العام 2018، أدارت المنظّمة عددًا من مرافق معالجة الإصابات البالغة في شرق الموصل وغربها وعملت في أربعة مستشفيات مقدّمةً مجموعة من الخدمات التي تشمل الرعاية الطارئة والعناية المركزة، والجراحة والرعاية الصحيّة للأمهات. وفي أبريل/نيسان 2018، افتتحت المنظّمة مرفق للرعاية الشاملة ما بعد الجراحة في شرق الموصل مخصّص للذين يعانون من إصابات بالغة ناجمة عن العنف أو الحوادث.