وصل زكريا ابن الأربعة أعوام أخيرًا إلى المستشفى المجاني الوحيد في مديرية الضحي الواقعة في شمال محافظة الحديدة في اليمن بعد أيامٍ عانى فيها من الإسهال وسوء التغذية الحاد الشديد.
وتقول والدته، "أحضرناه إلى المستشفى على دراجةٍ ناريّة بعد أن كنا قد نقلناه إلى عيادة في المنطقة، ثم أخذناه إلى البيت، لكنّ صحته لم تتحسن، لذا أحضرناه إلى هنا".
لا يكسب أبو زكريا الذي يعمل سائق دراجةٍ ناريّة الكثير من المال، إذ يبلغ دخله اليومي حوالي 2,000 ريـال يمني (أي أقل من 4 دولارات أمريكية)، علمًا أن نصف هذا المبلغ يذهب لتغطية تكاليف الوقود وسط أزمة وقود طويلة مترافقة بارتفاع أسعار الغذاء.
يعاني أهالي الضحي من ظروفٍ معيشيّةٍ بائسة إذ يعيش الكثير منهم في بيوت بسيطة أو خيام، ويقاسون لتأمين الطعام والماء والرعاية الصحية. لذلك، يصعب عليهم تأمين نفقات التنقل إلى المستشفى، كما يلجأ العديد منهم إلى الطبّ التقليدي. وغالبًا ما يأتي الناس إلى المستشفى بعد أن يكون المرض قد بلغ أشدّه.
الإسهالات المائية الحادة
منذ أغسطس/آب 2022، تعالج فرق أطباء بلا حدود في الضحي أعدادًا كبيرة من المرضى الذين يعانون من إسهالات مائية حادة، معظمهم أطفال دون سنّ الخامسة ومصابون أيضًا بسوء التغذية الحاد الشديد. وتسعى المنظمة للاستجابة إلى الاحتياجات بعد أن بلغ مستشفى الضحي حدود طاقته الاستيعابية القصوى، لذا فقد أنشأت مركزًا لعلاج الإسهال بسعة 30 سريرًا يقع ضمن مقرّ جمعية خيرية مجتمعية محلية.
يقول عبد الرب أحمد الذي نزح من مدينة الحديدة ويقيم في مديرية الضحي، "لديّ ابنتان، هذه ملاك عمرها سنة وثمانية أشهر وتعاني من إسهال مفاجئ منذ يوم أمس، وقد توقفت عن الأكل وتقيّأت. أتينا بها إلى هذا المركز بعد أن سمعنا بأن أطباءه يعالجون الأطفال مجانًا".
تعالج فرق أطباء بلا حدود في الضحي كل يوم مشاكل يمكن الوقاية منها لو توفرت خدمات رعاية صحية أولية فعالة وفي الوقت المناسب.محمد أحمد، منسق مشروع أطباء بلا حدود في الحديدة
من جانبها، تقول مديرة الأنشطة الطبية في أطباء بلا حدود في الضحي، ضحى شمس الدين، "تواجه المنطقة تفشيًا موسميًا للإسهالات المائية الحادة بعد موسم الأمطار، لكن أعداد هذه السنة تعادل ضعف مثيلاتها في عام 2021، إذ يتوافد المرضى من مختلف المناطق على غرار الزيدية والمغلاف واللحية ومن مديرية ملحان في محافظة المحويت".
وفي الفترة الممتدة من أغسطس/آب حتى أكتوبر/تشرين الأول 2022، استقبل مركز علاج الإسهال الذي تديره أطباء بلا حدود في مديرية الضحي 2,688 مريضًا، يعاني نحو 52 بالمئة منهم من سوء تغذية حاد شديد.
ارتفاع أعداد المرضى المصابين بسوء التغذية الحاد الشديد
يعاني معظم الأطفال الذين استقبلهم مؤخرًا مركز علاج الإسهال في الضحي من سوء التغذية. وتستجيب فرق أطباء بلا حدود لأزمات سوء التغذية في الحديدة حيث تعالج الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الشديد المترافق بمضاعفات في مستشفى الضحي وتؤمن استقرار حالتهم وتحيلهم إلى مركز التغذية العلاجية التخصصي الذي تديره طواقمها لمتابعة العلاج، مع العلم أن المركز بدأ باستقبال المرضى في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
وعلى هذا الصعيد، يقول طبيب الطوارئ الذي يعمل مع المنظمة في مستشفى الضحي، مات كلوتير ،"يمثل سوء التغذية الحاد الشديد مشكلة صعبة ومعقدة للغاية هنا. فالأمهات نحيلات ويبدو على أطفالهنّ الهزال. إذ لا تملكن حليبًا لأنهن مصابات بسوء التغذية، ويغذين أطفالهن الرضع بالماء المحلى بالسكر وحليب الماعز. وفي حين تتراوح أعمار الأطفال في الغالب بين ثمانية إلى 12 شهراً، يوحي مظهرهم بأنهم مواليد خدج ولا تتعدى أوزانهم بضعة كيلوغرامات".
صعوبة تأمين الرعاية الصحية الأولية
يصعب على الأسر الأضعف تأمين الغذاء وخدمات الرعاية الصحية جراء التضخم الاقتصادي وأزمة الوقود وسوء ظروف المعيشة، وتعتمد بعضها على علاجاتٍ طبيّة مرتجلة أو منزلية قبل أن تذهب إلى المستشفى، ما يفاقم المشكلات الصحية فيأتي الكثيرون إلى غرفة الطوارئ وقد بلغ مرضهم مراحل متقدمة جدًا تتجاوز في بعض الأحيان قدرة المستشفى، إذ تمنع العوائق المالية الناس من تأمين الرعاية الصحية في الوقت المناسب.
ويقول منسق مشروع أطباء بلا حدود في الحديدة، محمد أحمد، "يمكن ربط جميع المشاكل تقريبًا بالنزاع. إذ تتعلق أسباب المرض والوفاة الأكثر شيوعًا التي نراها بين الأطفال بنقص الغذاء الجيد الذي يسبب سوء التغذية، والبنى التحتية سيئة الصيانة التي تسبب أمراضًا منقولة بالماء/الغذاء، ونقص خدمات الرعاية الصحية الأولية وغياب رعاية الحوامل ومضاعفات الولادة في البيوت".
أهمية التوعية الصحية
تلعب التوعية الصحية دورًا محوريًا في تثقيف المجتمعات وتشجيع الأهالي على اتباع ممارسات صحية جيدة بهدف دعم عمليات الاستجابة الطبية. لذلك، ينظّم عمال الرعاية الصحية المجتمعية في أطباء بلا حدود في الضحي جلسات تستهدف الأسر والمرافقين في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية.
وفي هذا الشأن، تقول د. شمس الدين، "يجب على جميع الأهالي أن يلتمسوا المشورة الطبية فور أن يلاحظوا أن طفلهم غير قادر على الأكل والشرب بشكل جيد أو يرفض تناول الطعام وحين يلحظون انخفاضًا شديدًا في وزنه مقارنةً بالشهر السابق. كما أنّنا نوصي الأهالي بتعقيم المياه بالكلور واتباع الطرق السليمة في تحضير الطعام والحليب للأطفال".
تعمل أطباء بلا حدود في مستشفى الضحي الريفي بالتعاون مع وزارة الصحة منذ عام 2019، حيث تدعم رعاية الطوارئ وخدمات طب الأطفال ورعاية المواليد الجدد، وتستجيب للأوبئة مثل الحصبة والملاريا وحمى الضنك. كذلك شيّدت المنظمة قسمًا جديدًا للطوارئ بهدف تحسين جودة خدمات الطوارئ الأساسية للمرضى في المنطقة. كما بدأت مؤخرًا باتباع نظام إحالة لطوارئ طب الأطفال يخدم المناطق المحيطة بالضحي بهدف خفض معدل الأمراض والوفيات بين الأطفال عبر تأمين خدمات رعاية صحية عالية الجودة ومجانية لحالات الطوارئ في الوقت المناسب حيث بدأت بدعم مركز الرعاية الصحية الأولية في الكدن.