منذ سبتمبر/أيلول من العام 2022، تواجه أجزاء من سوريا تفشيًا كبيرًا للكوليرا، بما في ذلك المناطق الشمالية الشرقية والشمالية الغربية من البلاد. وعلى الرغم من أن سبب التفشي ارتبط في بادئ الأمر بتلوث المياه بالقرب من نهر الفرات والنقص الحاد في المياه في شمال سوريا، إلا أن المرض بات منتشرًا في جميع أنحاء سوريا مع بلوغ عدد الحالات المشتبه بإصابتها بالكوليرا 13,000 حالة والإبلاغ عن 60 حالة وفاة (لغاية 14 أكتوبر/تشرين الأول).
وبحسب تقديرات مستشفى الرقة الوطني، لم يشهد شمال شرق البلاد أي إصابة بالكوليرا منذ العام 2007.
الاستجابة لتفشي الكوليرا
في هذا السياق، تستجيب منظمة أطباء بلا حدود لتفشي الكوليرا في شمال شرق سوريا بالشراكة مع السلطات الصحية المحلية، فتقدم الدعم لمركز علاج الكوليرا الذي ارتفعت قدرته الاستيعابية من 40 إلى 65 سريرًا مؤخرًا. وخلال الأسبوعين الأولين، استقبل المركز نحو 600 مريض، يعاني ثلثهم من أعراض المرض الشديدة بينما عولج ثلثهم في العيادات الخارجية.
أما في شمال غرب سوريا، فقد بدأت فرقنا بالاستجابة للتفشي منذ شهر سبتمبر/أيلول، إذ تنفذ أنشطة توعية صحية مجتمعية وتقدم تدريبات تحضيرية للعاملين الصحيين المعنيين. وندعم حاليًا وحدة لعلاج الكوليرا كما نعمل على تشييد اثنتين أخريين في محافظتي إدلب وحلب بهدف عزل المرضى وعلاجهم. وعلاوة على ذلك، ندير وندعم خمس نقاط لمحلول الجفاف الفموي بغية تقديم المستوى الأول من العلاج للمرضى. كما وزعنا سلل النظافة الصحية الوقائية التي تحتوي على صفائح المياه والصابون وأقراص الكلور على أكثر من 20,000 عائلة في مخيمات اللاجئين، حيث نفحص المياه وندعم نقاط تزويد المياه النظيفة في المجتمع. و نقدّم الدعم لمنظمة محلية في تل أبيض وراس العين بهدف الاشراك المجتمعي وتوزيع سلل النظافة الصحية على العائلات.
تُعدّ الكوليرا مرضًا شديد العدوى وتنجم عن تناول بكتيريا من أصل برازي تُسمى فيبريو كوليرا، علمًا أنها تنتشر في المياه القذرة أو الراكدة. وتتسبب الكوليرا بالإسهال والقيء فتؤدي إلى الجفاف بصورة سريعة، وفي حال لم يتلقَ المريض الرعاية الفورية، يمكن أن تؤدي إلى الوفاة في غضون ساعات.
وفي سبيل الاستجابة للوضع، أُرسل عدد أكبر من الموظفين وتم تأمين إمدادات إضافية. هذا وتعمل أطباء بلا حدود مع المنظمات المحلية الأخرى التي تدعم توفير خدمات المياه والصرف الصحي، بما في ذلك معالجة شاحنات المياه بالكلور، وضمان جودة المياه، ودعم محطات الصرف الصحي عبر معالجة المياه بالكلور. وفي هذا الصدد، تُستخدم البيانات الوبائية لتحديد المناطق الأكثر تضررًا في الرقة وتحديد المناطق التي يشكل فيها توفير الدعم أولوية.
ومن جانب آخر، انطلقت عملية تقييم الوضع في الحسكة. فعلى الرغم من أن سكان المنطقة لا يعتمدون على نهر الفرات، إلاّ أن المياه تأتي من الآبار وتُوزّع على المجتمعات المحلية بواسطة شاحنات المياه. وفي هذا السياق، يبقى الحصول على المياه النظيفة مهمةً صعبة، إذ يمكن لشاحنات المياه تزويد الناس بالمياه الملوثة بصورة غير متعمّدة.
وفي حين يخشى 4.4 مليون شخص يعيشون في شمال غرب سوريا قدوم شتاء قاسٍ آخر، يضفي التصعيد الأخير في القتال وتعطيل عملية عبور المساعدات عبر الحدود وتفشي الكوليرا مزيدًا من التعقيد على الوضع الإنساني المروع أساسًا. ونظرًا لأن النزاع المستمر قد قوض بشكل كبير قدرة الناس على الوصول إلى الرعاية الصحية وخدمات المياه والصرف الصحي، يكمن التحدي الرئيسي في هذا سياق في تمكّن النظام الصحي من التعامل مع تفشٍ آخر في ظل نقص التمويل وبلوغ الاحتياجات الصحية مستويات هائلة.
تحاول المنظمات الإنسانية المحلية والدولية في شمال شرق سوريا وشمال غربها سد الثغرات والاستجابة للاحتياجات الكثيرة. ومع ذلك، يبقى الوصول إلى المياه النظيفة بصورة كافية مشكلةً مثيرة للقلق. ففي عام 2021، بلغت نسبة الأنشطة المتعلقة بتوفير المياه وخدمات الصرف الصحي والنظافة أربعة في المئة من مجمل الأنشطة التي تغطيها كامل الميزانية المخصصة للاستجابة الإنسانية في كامل الأراضي السورية، وهو أقل من ثلث ما أُنفق في عام 2020 على الأنشطة نفسها.
نشر الوعي بين المجتمعات
وبعد مرور 15 عامًا على تفشي الكوليرا الأخير في سوريا، كان لا بد من نشر الوعي وتسليط الضوء على كيفية انتشار المرض وطرق علاجه.
وقد دفع هذا الوضع مجموعة من العاملين المجتمعيين في شمال سوريا، الذين انتقلوا إلى العمل في مركز علاج الكوليرا الآن، إلى الاجتماع مع المرضى وأسرهم لمناقشة طرق منع انتشار الكوليرا والإجابة على أسئلتهم. وتتمثل رسالتهم الأساسية في تذكير الناس بأنه على الرغم من التحديات التي تفرضها صعوبة الوصول إلى المياه النظيفة وضعف البنى التحتية للصرف الصحي في شمال سوريا، يمكن للجميع اتخاذ تدابير بسيطة وفعالة تتيح لهم حماية أنفسهم.
كما يشرح العاملون المجتمعيون أهمية غسل اليدين قبل تناول الوجبات وبعد تناولها وغسل الفاكهة والخضار وطهيها على درجة حرارة عالية لقتل أي بكتيريا، ويوضحون كيف يمكنهم التعرف إلى الأعراض الأولية للكوليرا والخطوات التي يجب اتخاذها إذا اشتبهوا بإصابتهم أو إصابة أحد أفراد أسرتهم بالمرض.
عقب 11 عامًا من الحرب المستمرة، أمسى 14.6 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية في سوريا. وتضم سوريا أكبر عدد من النازحين في العالم إذ يبلغ عددهم 6.9 مليون شخص، معظمهم من النساء والأطفال. وقد اضطر الكثيرون إلى النزوح مرارًا وتكرارًا ويعيشون في ظروف متردية.
تعمل أطباء بلا حدود في سوريا حيثما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، إلا أنّ انعدام الأمن المستمر والقيود المفروضة على إمكانية الوصول تحدّ من قدرتنا على تقديم المساعدات الإنسانية التي تتناسب مع الاحتياجات. لم نحصل على الموافقة لطلباتنا المتكررة للسماح لنا بالعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية. لذلك، نعمل فقط في المناطق التي نستطيع التفاوض للحصول على إذن للوصول إليها على غرار شمال غرب سوريا وشمال شرقها، حيث ندير وندعم المستشفيات والمراكز الصحية ونقدم الرعاية الصحية في العيادات المتنقلة.