تحت ظل شجرة، تتجمع مجموعة من الأشخاص ويتبادلون التحيات. يقوم بيتر، مستشار الصحة النفسية لأطباء بلا حدود ومارغريت أبوك، موظفة نشر التوعية الصحة في أطباء بلا حدود، بإجراء جلسة توعية وتثقيف لمجموعة من أكثر من 50 شخصًا. إنه يوم عادي في مخيم غومغوي، بجنوب السودان، حيث استقر 10,000 نازح بعد فرارهم من مدينة أغوك، التي تقع على بعد بضع عشرات من الكيلومترات شمالاً، في فبراير/شباط 2022، بسبب العنف.
في هذه المنطقة من ولاية واراب، التي تفتقر إلى الغذاء والماء وخدمات الرعاية الصحية، وتواجه تفشي الأمراض بشكل متكرر، تواجه العائلات النازحة وضعًا متوترًا في مقاطعة تويك.
علاوة على ذلك، أدت الفيضانات التي أثرت على الجانب الغربي من المقاطعة إلى تفاقم الوضع المتردي بالفعل. دمرت مياه الفيضانات المحاصيل وجعلت من المستحيل حصاد المزيد، مما أدى إلى نقص الغذاء لأشهر طويلة. وقد عاشت العائلات النازحة لأكثر من عام في مخيمات مؤقتة مصنوعة من العصي الخشبية، وقطع من الأقمشة أو الألواح البلاستيكية.
الفرار من العنف والاستقرار في المخيمات
مارغريت أبوك، عاملة الصحة المجتمعية في أطباء بلا حدود، هي واحدة من الناس الذين فروا جنوبًا إلى مقاطعة تويك. كانت تعيش في ملجأ مع بناتها الثلاث، في مخيم ماجاك آهر، بجوار بلدة تورالي.
وتشرح قائلة، "كان علينا أن نهرب بسبب النزاع، لأننا كنا خائفين، لأن الناس كانوا يقتلوننا ويقتلون أطفالنا. قررت المجيء إلى تورالي لأنني كنت أعرف أن هناك إدارة عامة وحماية وكذلك منظمات غير حكومية ستساعدنا في المخيم".
وقد نقلت أطباء بلا حدود أنشطتها من أغوك، حيث كانت المنظمة تدير مستشفى لمدة ثماني سنوات، للاستجابة للاحتياجات العاجلة للنازحين الجدد. ومن مارس/آذار 2022، بدأت فرق أطباء بلا حدود في تقديم المساعدة الإنسانية والطبية للنازحين ضمن مقاطعة تويك. وبالإضافة إلى تسيير العيادات المتنقلة، وزعت أطباء بلا حدود المواد الغذائية والألواح البلاستيكية ومواد الإغاثة الأخرى وأنشأت المراحيض ونقاط المياه في ستة من المخيمات المؤقتة السبعة.
واليوم، لا يزال 30,000 شخص يعيشون في ظروف قاسية في مخيمات النازحين، ويشهد الفريق الطبي عواقب العنف والتشريد على المرضى الذين يعالجونهم.
آمو لانغ دينغ هي والدة أدهار دينغ، وهي طفلة تبلغ من العمر 16 شهرًا، وتعاني من سوء التغذية الحاد الشديد. تم إدخالها إلى العيادة التي تدعمها أطباء بلا حدود في ماين أبون بسبب الحمى والإسهال. الطفلة مصابة بفقر الدم وتحتاج إلى نقل دم منتظم بينما لا تزال تتغذى من خلال أنبوب أنفي معدي.
وتقول أمو لانغ دينغ، "الحياة في المخيم صعبة للغاية إذ لا يتوفر الطعام. هناك بعض المنظمات، لكن هناك تأخر بين التوزيعات، والكميات غير كافية. وقد مرت سبعة أيام وأنا في المستشفى. أنا متأكدة من أن الطعام نفد منذ وقت طويل، وأطفالي الثلاثة أصغر من أن يبحثوا عن طعام. عندما تنظر إلى أطفالي، تستطيع أن تستنتج أن الطعام مفقود، من أجسادهم هزيلة".
تقديم الرعاية الشاملة
منذ أغسطس/آب 2022، تحول عمل أطباء بلا حدود من الاستجابة الطارئة إلى الرعاية الطبية الشاملة واللامركزية من خلال دعم مستشفى يضم 86 سريرًا في ماين أبون، ومركزين صحيين في غومغوي ونين دينغ أيويل، وكذلك في أربعة مواقع مجتمعية في المخيمات.
ولأن النزاع لا يزال مستمرًا وبالنظر إلى أن هذه المنطقة من المرجح أن تغمرها الفيضانات خلال موسم الأمطار، فإن هذا الوضع قد يصبح أكثر صعوبة بالنسبة للناس هنا.بياتريس مارتينيز دي لا فوينتي، منسقة مشروع أطباء بلا حدود في تويك
وفي العيادة التي تدعمها أطباء بلا حدود في ماين أبون، تعمل المنظمة جنبًا إلى جنب مع وزارة الصحة لتوفير الرعاية الشاملة من استشارات العيادات الخارجية إلى الرعاية الطارئة والأمومة والمستشفى. وافتُتحت أيضًا وحدة للرعاية المزمنة، نظراً لقلة الخيارات المتاحة للمرضى المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية أو السل.
كذلك، تقدم فرق أطباء بلا حدود الدعم النفسي للأفراد الذين تعرضوا لصدمات نفسية بسبب العنف وصعوبة العيش في المخيمات. ويأتي العديد من المرضى للحصول على الرعاية في هذا الموقع. ولتقليل عدد المرضى في العيادة التي تدعمها أطباء بلا حدود في ماين أبون، بدأت المنظمة في تقديم الاستشارات في مواقع يسهل الوصول إليها داخل المخيمات، أو في المراكز الصحية القريبة.
التحديات والفجوات
يعكس عدد المرضى الذين يأتون إلى مرافق الرعاية الصحية المدعومة من قبل أطباء بلا حدود الحجم المقلق لاحتياجات الرعاية الصحية للناس في المجتمعات المضيفة وأولئك الذين نزحوا.
ويوضح مدير الأنشطة الطبية في أطباء بلا حدود في مقاطعة تويك، جيمس تيكوي نييبانغو أوكوث، "نستقبل العديد من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد المعتدل أو الشديد. وهم في الغالب من مخيمات النازحين، ولكن أيضًا من المجتمع المضيف، لأن الغذاء مفقود في جميع أنحاء المنطقة. وهناك سيلٌ من المرضى الذين يعانون من الملاريا خلال موسم الأمطار وعدد كبير من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية خلال فترة الجفاف. فرقنا تعمل بكامل طاقتها، والاحتياجات هائلة".
ويضيف، "إذا كان المريض ينزف، أو كانت المرأة الحامل تواجه تعسرًا في الولادة، يصبح الوضع شاقًا. وقد فقدنا مرضى على الطريق بسبب بعد المسافة".
تعمل أطباء بلا حدود على إعادة تأهيل غرفة عمليات في مستشفى في تورالي، على بعد ساعة واحدة بالسيارة من ماين أبون في الفصل الجاف. وثمة تحد آخر يتمثل في الوضع المناخي، حيث أن الفيضانات المتكررة التي حدثت في المنطقة في السنوات الثلاث الماضية لا تجعل الوصول إلى العديد من المناطق متعذرًا فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى ارتفاع أعداد الإصابات بالأمراض المنقولة عن طريق المياه مثل الملاريا.
الحاجة إلى مزيد من الدعم للسكان
وفي هذا الصدد، تقول منسقة مشروع أطباء بلا حدود في تويك، بياتريس مارتينيز دي لا فوينتي، "لا يزال الوضع شديد الخطورة. ولأن النزاع لا يزال مستمرًا وبالنظر إلى أن هذه المنطقة من المرجح أن تغمرها الفيضانات خلال موسم الأمطار، فإن هذا الوضع قد يصبح أكثر صعوبة بالنسبة للناس هنا".
وتحسبًا لموسم الأمطار الذي سيزيد من سوء الوضع المعيشي بالإضافة إلى زيادة الاحتياجات الصحية، هناك حاجة إلى مزيد من الدعم من الجهات الفاعلة الطبية والإنسانية الأخرى.
وتضيف، "نواصل تشغيل برامجنا الطبية، ولكن هناك احتياجات ماسة من الغذاء وإمدادات المياه والصرف الصحي والمأوى والحماية".
وفي حين أن هذه المنطقة، إلى جانب أجزاء أخرى من جنوب السودان، تعاني من ارتفاع الاحتياجات، فإن خفض التمويل أو تقليل المساعدات الإنسانية يعرض حياة الكثيرين للخطر.