Skip to main content
MSF activities in Titao - February 2020

أربعة أسئلة حول حالة الطوارئ الإنسانية غير مسبوقة في بوركينا فاسو

عادت مديرة عمليات أطباء بلا حدود إيزابيل ديفورني مؤخراً من بوركينا فاسو، وفي هذه المقابلة تدقّ ناقوس الخطر إزاء الوضع الإنساني الذي تشهده المناطق الأكثر تضرراً بالنزاع في البلاد.

1- ما حجم الأزمة الإنسانية والعنف الدائر في بوركينا فاسو؟

وقعت أولى الهجمات التي تبنّتها مجموعات جهادية في بوركينا فاسو عام 2015، إلا أن التدهور السريع جداً للأوضاع الأمنية خلال العامين الأخيرين قد دفع بالبلاد إلى أزمةٍ لم تشهد لها من قبل مثيلاً.

إذ لا يكاد يمرّ يومٌ يخلو من العنف في المناطق الأكثر تضرراً، أي في مناطق الشمال وشمال الوسط والساحل. فإضافةً إلى الاشتباكات التي تدور بين المجموعات المسلحة المعارضة من جهة والجيش الوطني وحلفائه من جهة أخرى، نجد بأن المدنيين يتعرضون للعنف في إطار عمليات النهب والاغتيالات والمجازر.

وقد كان آخرها الهجمات التي طالت ثلاث قرى في مقاطعة ياتينغا التابعة لمنطقة الشمال بتاريخ 8 مارس/آذار والتي قُتل خلالها ما لا يقل عن 43 شخصاً بحسب تصريحات الحكومة. علماً أن معظم الضحايا من أبناء مجتمعات شعب الفلان الذي يتعرض باستمرار للتهميش والاستهداف على يد أبناء المجتمعات الأخرى التي تشبّههم أو تتهمهم أو تخلط بينهم وبين المنظمات الجهادية على نحوٍ خطير. وقد ساعدت فرقنا في علاج الناجين من هذه الموجة الأخيرة من الهجمات في مستشفى أواهيغويا، كما أنها تقدّم الاستشارات الطبية وتوزع المياه على آلاف الناس الذين التجؤوا إلى البلدة الرئيسية في مقاطة ياتينغا.

هذا وإن تزايد أعداد الناس الذين أجبروا على الفرار من بيوتهم إنما يعكس التصعيد الفتّاك الذي يطال كذلك مجتمعات أخرى في كافة أنحاء البلاد. فقد كان عدد النازحين في أواخر 2018 قد اقترب من 48,000 نازح، إلا أنه ارتفع ليصل في أواخر 2019 إلى 560,000 نازح، علماً أن أعداد النازحين تبلغ اليوم 780,000 نازح. كما تشير بعض التقديرات إلى أنها ستصل إلى مليون نازح خلال الأشهر القليلة المقبلة.

إن التدهور السريع جداً للأوضاع الأمنية خلال العامين الأخيرين قد دفع بالبلاد إلى أزمةٍ لم تشهد لها من قبل مثيلاً. إيزابيل ديفورني، مديرة عمليات أطباء بلا حدود

2- هل المساعدات التي تقدّمها أطباء بلا حدود وغيرها من المنظمات كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المتضرّرين جراء الأوضاع القائمة؟ وما الذي تفعلونه في مثل هذه السياقات؟

لقد صعقت السرعة التي تفاقمت بها هذه الأزمة منظمات الإغاثة العاملة في الميدان إلى حد بعيد، ومن الواضح للعيان بأن جهود الإغاثة الحالية لا تكفي. كما أن أعداد النازحين الكبيرة تفرض ضغوطاً هائلة على البنى التحتية للبلدات التي التجؤوا إليها. ففي بلدة تيتاو على سبيل المثال، لم تعد تتوفر كميات كافية من المياه، ولهذا فإن فرقنا تعمل منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019 على حفر الآبار ونقل المياه وتوزيعها على حوالي 10,000 شخص من السكان المحليين و20,000 نازح، علماً أنه لا يوجد بعد ما يضمن توفير عتبة الخمسة ليترات لكل شخص يومياً. كما وزّعت فرقنا 3,600 حزمة من المواد الأساسية في تيتاو وأوينديغي. وقد بدأت سلطات بوركينا فاسو بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي بتوزيع الغذاء في البلاد، إلا أن عمليات التوزيع هذه لم تصل بعد سوى إلى جزء من الناس المتضررين كما أنها لا تقدم سوى القليل من الأغذية القادرة على الوقاية من تدهور الأوضاع الغذائية.

أما نظام الرعاية الصحية فقد انهار عملياً، حيث أقفلت معظم المرافق الطبية في مناطق الساحل وشمال الوسط والشمال أو أنها بالكاد تعمل. ولهذا فإننا نقدم الرعاية الطبية في مناطق مثل بارسالوغو وجيبو وأواهيغويا وتيتاو وأوينديغي، لكن إدارة العمليات تنطوي على تحدّيات هائلة في ظل الأوضاع الأمنية الراهنة. إذ نعمل من خلال فرق صغيرة ينحصر نشاط بعضها في داخل البلدات نظراً لعدم قدرتها على الذهاب إلى أي مكان آخر. لكن هناك مناطق أخرى مثل بوكل دو موهون يسهل التحرك فيها، ولهذا فإننا نخطط لأن ندير هناك حملة تحصين ضد الحصبة تغطي 120,000 طفل في مقاطعتي ديدوغو وبورومو، إلا أن الأوضاع قد تتدهور سريعاً في أية لحظة.

أخيراً، يتعرض الكثير من الناس للعنف. فهم يعيشون في مناطق تشهد نشاطاً عسكرياً مكثّفاً ويستحيل علينا ببساطة الوصول إليها. فنحن لا نمتلك حتى أبسط الضمانات الأمنية التي لا بدّ منها للذهاب إلى تلك المناطق وإجراء أعمال التقييم والإعداد للاستجابة المناسبة. ومن الأمثلة على ذلك منطقتا بان وسولي الواقعتان إلى الشمال من تيتاو، على القرب من الحدود المالية.

3- الأوضاع الإنسانية منذرة بالخطر أساساً ويرجح أن تتدهور عند بلوغ ذروة الملاريا الموسمية وفجوة الجوع في يونيو/حزيران. إنه سيناريو كارثي، لكن هل يمكن الحؤول دون وقوعه؟

نضع جهود الوقاية في صلب أولوياتنا، وعلينا بالطبع الاستمرار في تعزيز حضورنا وبناء الشبكات وضمان قربنا من السكان كي نعمل على تأمين وصولنا إلى مزيد من المناطق وتوفير المساعدات تلبيةً للاحتياجات أينما كانت. يمكن اليوم الوصول إلى مئات آلاف الناس في القرى والبلدات والمخيمات. وصحيحٌ أن إدارة الأمن تمثل مشكلة، إلا أنه لا يزال بالإمكان نشر عمليات إغاثة إنسانية في تلك المناطق.

غالباً ما تعد الفترة الممتدة من يونيو/حزيران وحتى أكتوبر/تشرين الأول الفترة الأصعب والأخطر على الأطفال الصغار في منطقة شريط الساحل. ومن الصعب تصور أن تسير حملات توزيع الأدوية هذا العام كالمعتاد وهي عادةً حملات تدار في بوركينا فاسو للوقاية من وقوع زيادة حادة في حالات الملاريا (تعرف أيضاً بمصطلح الأدوية الوقائية من الملاريا الموسمية). فلا يجب علينا أن ننسى بأن معظم النازحين البالغ عددهم 780,000 نازح قد اضطروا إلى ترك كل شيء وراءهم... أراضيهم وماشيتهم ومواردهم، وهم يعانون اليوم ضائقة اقتصادية خطيرة ستصعب عليهم مواجهة فجوة الجوع المقبلة. كما أن النزاع يلحق أضراراً خطيرة بالزراعة والتجارة، ناهيك عن أن المجتمعات التي تستضيف النازحين في قراها تتعرض هي الأخرى لضغوط متزايدة.

ولهذا فإن أمامنا فرصةً لا تتجاوز البضعة أشهر كي نبذل جهوداً فاعلة في العمل الإغاثي الإنساني على نطاق واسع ونتجنب موجة الوفيات التي يُرجّح أن تبدأ في يونيو/حزيران. وهذا يتضمّن تأمين كميات كافية من المياه والعمل توزيع الغذاء والمكملات الغذائية وتوفير خدمات الرعاية الصحية. لم يفت الاوان بعد، لكن لا بد من تكثيف جهود الإغاثة حالاً، وهذا لا يستثني المساعدات التي تقدمها منظمة أطباء بلا حدود.

إن النزاع يلحق أضراراً خطيرة بالزراعة والتجارة، ناهيك عن أن المجتمعات التي تستضيف النازحين في قراها تتعرض هي الأخرى لضغوط متزايدة. إيزابيل ديفورني، مديرة عمليات أطباء بلا حدود

4- سجلت بوركينا فاسو أول وفاة لمريض مصاب بفيروس كورونا في مناطق إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، هل يمثل هذا مصدر قلق رئيسي آخر؟

ظهرت أولى الحالات في أواغادوغو في 9 مارس/آذار وكان أصحابها قد أصيبوا بعدوى كوفيد-19 في فرنسا. سرعان ما أعقبتها حالات أخرى ليصل العدد إلى 27 حالة على الأقل بتاريخ 18 مارس/آذار. وهذا أمرٌ مقلق للغاية خاصةً وأن البلاد تواجه أساساً أزمة إنسانية غير مسبوقة قد أدت إلى إضعاف نظامها الصحي.

ولهذا تتواصل فرقنا مع السلطات لتقييم سبل المساعدة في احتواء تفشي كوفيد-19 وكشف الحالات وإدارتها. يكون عمال الرعاية الصحية على الخطوط الأمامية في مثل هذه الأوبئة، ولذا لا بد من ضمان وقايتهم من مخاطر العدوى وتأمين حصولهم على الرعاية الطبية المناسبة عند الحاجة.

يشار إلى أن التحديات التي نواجهها تشمل أيضاً القيود المفروضة على السفر وغيرها من التدابير الرامية إلى وقف حركة التنقل. فهي قد تحد من قدرتنا على نشر طواقمنا المتمرسة في بوركينا فاسو والتي يعدّ حضورها اليوم ضرورياً لاستنهاض جهود الإغاثة الإنسانية خلال الأسابيع المقبلة.

المقال التالي
العراق
تحديث حول مشروع 25 سبتمبر/أيلول 2020