منذ سنوات والصيادون التونسيون يصادفون قوارب المهاجرين التي تعرضت للمحن حيث كانوا ينقذون من عليها من خلال جلبهم إلى قوارب الصيد الخاصة بهم. وقد بدأ الصيادون يواجهون على نحو متزايد قوارب تمر بظروف أسوأ بكثير من ذي قبل وأكثر عرضة للغرق مما كان عليه الوضع في السابق.
من أجل زيادة قدرة الصيادين التونسيين على تنفيذ عمليات الإنقاذ في البحر، قامت منظمة أطباء بلا حدود بتدريب 116 صياداً محلياً في بلدة جرجيس لمدة ستة أيام، حيث يتحدث بعض المشاركين في الدورة التدريبية عن تجاربهم:
"بغض النظر عن المكان الذي جاء منه هؤلاء الأشخاص، فهم يبقون في نهاية المطاف بشراً".
"لقد واجهت وفريقي في البحر ظروفاً صعبة وخطيرة للغاية، إذ تعتبر عملية إنقاذ 100 إلى 150 شخصاً بطاقم يتألف من سبعة بحارة مخاطرة كبيرة، فقد يكون البعض مسلحاً حيث يصوب سلاحه باتجاهك وباتجاه طاقمك، ليقوم بسرقة قاربك من أجل الوصول إلى إيطاليا. لهذا، نبقى دائماً حذرين للغاية.
نقوم خلال عملية الإنقاذ بالتركيز على الأشخاص الأكثر ضعفاً والنساء والأطفال، فهم أول الأشخاص الذين نجلبهم إلى قاربنا. في يوليو/تموز 2014، حصلت كارثة حقيقية هنا، فقد توقف الصيادون عن العمل تماماً نظراً لوجود الكثير من الجثث داخل الماء. وبغض النظر عن المكان الذي جاء منه هؤلاء الأشخاص، فهم يبقون في نهاية المطاف بشراً، أنا لدي عائلة وزوجة وأطفال، وإنه لشعور قاس للغاية أن تجد نفسك في هذا الموقف حيث الكثير من الجثث.
تعصف الحروب بهؤلاء الأشخاص، وفي حال البقاء، فإنه سيتم قتلهم بغض النظر عما سيحدث، وبهذا فهم يعتقدون بأن فرصة البقاء على قيد الحياة ستكون أكبر في حال تمكنوا من عبور البحر الأبيض المتوسط.
هناك أيضاً "قراصنة" الهجرة الذين يتركون الانطباع لدى اللاجئين بأن الطريق من هنا إلى إيطاليا قصيرة، حيث يقولون بأنه في حال أشعل المرء سيجارة هنا فإنه سيصل إلى لامبيدوسا قبل انتهائها. إنها كذبة كبيرة. فذات يوم تم ترك الناس في عرض البحر لوحدهم، حيث أعدنا نساءً كن قد أنجبن للتو. تخيلوا فقط امرأة تلد، يحيط بها 90 شخصاً، دون توفير أي خصوصية! الحمد لله، سار كل شيء على ما يرام، إذ شاركت نساء أخريات في عملية الولادة حيث قطعن الحبل السري، والحمد لله، كان الطفل بأمان وفي صحة جيدة".
"من واجبنا مساعدتهم على الرغم من أننا نخاطر في عملنا وغذائنا ومياهنا".
"خلال السنوات الخمس الماضية ازداد كثيراً عدد الأشخاص الذين حاولوا عبور البحر الأبيض المتوسط، لا سيما خلال أشهر الصيف عندما كان البحر هادئاً، كما ارتفع عدد القوارب واللاجئين في أعقاب الثورة الليبية، فقد كانت معظم القوارب قبل الثورة تتجه إلى لامبيدوسا وكانت أكبر حجماً وفي حالة أفضل مما هي عليه الآن. كما ازداد حجم الحركة الآن بعد دخول المافيا والمهربين الليبيين، إلا أننا حالياً نجد القوارب التي تحمل المهاجرين في حالة أسوأ. أعتقد أن الوضع السياسي في ليبيا في صالح المهربين.
لا يلائم هذا الوضع أشغالنا، لكن عندما نجد اللاجئين في هذه الحالة يجب علينا التحلي بالشجاعة، فمن واجبنا مساعدتهم على الرغم من أننا نخاطر في عملنا وغذائنا ومياهنا".
"كانوا خائفين جداً، وتعيّن علينا تهدئتهم".
"شاهدنا أول مرة قوارب اللاجئين التي كانت تحاول عبور البحر والوصول إلى أوروبا خلال حكم القذافي في عام 2003، ومنذ ذلك الحين بدأ عدد القوارب يزداد كثيراً. في الأيام الأولى التي أعقبت الثورة الليبية، كانت القوارب التي يستخدمها الناس أكثر جودة بكثير من تلك التي يتم استخدامها الآن، لكننا نصادف منذ فترة قوارب أصغر حجماً وأكثر رداءة تحمل على متنها عدداً كبيراً من الأشخاص.
في إحدى المرات، وجدنا قارباً مليئاً بالناس وهو يغرق. لم نستطع تركهم في هذه الحالة حيث اتصلنا لاسلكياً وطلبنا المساعدة من اثنين من قوارب الصيد الأخرى التي نعمل معها. قمنا بإنقاذ الناس وتوزيعهم بين القوارب الثلاثة. حاولنا الاتصال بالبحرية الإيطالية وخفر السواحل التونسي لكن دون جدوى. فقررنا مواصلة عملنا بوجود كل هؤلاء الناس على متن القارب، كانوا خائفين جداً، لكن تعيّن علينا تهدئتهم.
نحن نخسر ساعات من أشغالنا، وبالتالي نفقد المال، لكنهم بشر ومن واجبنا مساعدتهم".
"نواصل العمل لكن علينا الاعتناء بهم. فالأمر ليس سهلاً".
"خلال السنوات العشر الماضية وجدنا قوارب تقل لاجئين يحاولون الوصول إلى أوروبا من خلال عبور البحر الأبيض المتوسط، لكن بعد الثورة في ليبيا، ازداد عدد القوارب واللاجئين إلى حد كبير.
نقضي الآن المزيد من الوقت في عرض البحر عندما نبدأ عملنا لأنه يتعيّن علينا إنقاذ الناس ونقلهم على متن قواربنا أثناء الصيد، كما نقدم لهم الطعام والماء. تتوقف عملية نقل الناس إلى الميناء والعودة إلى الصيد على عدد أولئك الأشخاص، لكن في حال كان من الممكن إبقاؤهم على متن القارب، فإننا نقضي الليل معاً وفي الصباح نذهب جميعاً إلى الميناء. أحياناً لا يكون الأمر سهلاً، إذ نخشى وجود عدد كبير من الأشخاص على متن القارب، فبالكاد نستطيع النوم. ونواصل العمل لكن علينا الاعتناء بهم. فالأمر ليس سهلاً.
عندما بدأ عدد قوارب اللاجئين يزداد إلى حد كبير، أصبحت المسألة معقدة للغاية إذ كنا نواجه مشاكل نفسية، ونتيجةً لذلك أصبح الكثير من الزملاء يشعرون بالإرهاق، لكن لم يكن لدينا أي خيار سوى الاعتياد على هذا الوضع والتعامل معه ".
"لا يمكنني ترك شخص يغرق أمامي دون أن أفعل شيئاً".
"كنت أضطر أحياناً للقفز في الماء لإنقاذ الناس، تاركاً القارب خلفي. أعلم أن هذا الوضع يعرضني للخطر، لكن لا يمكنني ترك شخص يغرق أمامي دون أن أفعل شيئاً. عادةً نأخذهم إلى قواربنا، ونعتني بهم هناك. وفي أحيان أخرى، يكون الناس في حالة بدنية سيئة للغاية، وعليه فإننا نقدم لهم الطعام أو نقوم بإعداد طعام ساخن لهم.
نحن نخسر المال والأشغال هناك، لكن علينا فعل ذلك".
"نجد على نحو متزايد عدداً كبيراً من اللاجئين والجثث في البحر".
"نجد على نحو متزايد عدداً كبيراً من اللاجئين والجثث في البحر. فقبل نحو خمس سنوات، جرفت أمواج البحر أول اثنتي عشرة جثة على الشاطئ، حيث كان من واجبنا دفنها. كما اكتشفنا وجود جثث في شباك صيدنا أيضاً، حيث قمنا بعد ذلك بدفن الموتى حسب أفضل الطرق الممكنة.
تأتي المشكلة من ليبيا، إذ نجد الآن أكثر من 700 لاجئ على متن القارب، وبهذا لا يمكننا إنقاذ الجميع. وعليه فإننا نطلب المساعدة وتوزيع الناس بين قوارب الصيد المختلفة التي تعمل في مكان قريب.
لم يعد بإمكاننا العمل كما كنا نفعل سابقاً، فنحن الآن نواجه العديد من المشاكل عندما ندخل في عرض البحر، لكن علينا إيجاد الحلول لها ومساعدة أولئك الأشخاص".
"نقدم لهم الطعام والماء، وعادة ما يكون الناس متعبين جداً وخائفين". "لقد صادفنا أكثر من مرة قوارب كان ما يزال على متنها بعض الموتى، في حين يواصل البقية رحلتهم. واضطررت أكثر من مرة للصعود إلى قوارب اللاجئين لمساعدتهم. فنحن نقدم لهم الطعام والماء، وعادة ما يكون الناس متعبين جداً وخائفين.
نقوم في كثير من الأحيان بالاتصال لاسلكياً للحصول على المساعدة، إلا أن الشرطة التونسية لا تقدم أي مساعدة حتى نعود إلى الميناء، حيث لا تخرج أبداً بحثاً عنا في عرض البحر.
يقوم المهربون بنفخ القوارب بأبخرة عوادم السيارات مستخدمين أنابيب العوادم ذاتها، حيث يؤدي هكذا إجراء إلى تحرر الهواء بسرعة من القوارب أثناء عبورها البحر، وبالتالي تصبح الرحلة أكثر خطورة".
"نجد في كثير من الأحيان قوارب وعلى متنها أشخاص يبحرون في ظروف سيئة للغاية".
"عندما تجد لاجئين في البحر تنسى عملك وتنسى الأموال التي تفقدها جراء ذلك العمل، فمن واجبنا مساعدتهم. هذا هو ما نسميه بالتضامن في عرض البحر، إذ لا يمكننا ترك أولئك الأشخاص في منتصف الطريق.
نجد في كثير من الأحيان أشخاصاً يبحرون في قوارب سيئة للغاية أو حتى متضررة كانوا قد ضاعوا في البحر دون طعام أو ماء، وقد تملكهم الخوف الشديد. أول شيء نقوم به هو محاولة تهدئتهم، حيث نخبرهم بأننا سنقوم بمساعدتهم.
وتعد عملية نقلهم إلى قاربنا في كثير من الأحيان مخاطرة كبيرة جداً بالنسبة لنا، فنحن نخشى أن يحدث أمر سيء، كسرقة قاربنا أو الإصابة بعدوى المرض. لكن لا يمكننا تركهم يموتون في البحر".
"يغادر ليبيا يومياً الكثير من الأشخاص محاولين عبور البحر".
"أنا غواص أنزل إلى عمق يتراوح بين 20 و 50 متراً. بدأت بالعثور على الموتى تحت سطح البحر منذ زمن طويل. فعندما يغرق قارب يقل لاجئين، يقوم الصيادون بالتواصل معي، فأذهب لمساعدتهم في انتشال الجثث التي غرقت في البحر. نأخذ تلك الجثث إلى الميناء ونتواصل مع الشرطة ورجال الإطفاء للقيام بالإجراءات المناسبة.
بدأ الوضع يزداد سوءاً منذ أربع أو خمس سنوات. فكل يوم، يغادر الكثير من الأشخاص ليبيا محاولين عبور البحر".