بحلول نهاية شهر يناير/كانون الثاني ستكون منظمة أطباء بلا حدود قد أغلقت أبواب مركز الرعاية الطبية الطارئة في ملوط في جنوب السودان. وقد حققت عمليات المنظمة في شمال شرق البلاد نجاحاً وساعدت في ملء فجوات الرعاية الصحية في المناطق المتضررة من القتال في نهاية عام 2013. والآن ومع تغير احتياجات المجتمع تتطلع منظمة أطباء بلا حدود إلى دعم مجتمعات أخرى متضررة في المنطقة.
قبل عام 2013 لم تكن ملوط قد تأثرت كثيراً بالعنف خلال كفاح جنوب السودان للحصول على الاستقلال. لكن منذ ثلاث سنوات تغير الوضع بأكمله، حيث شهدت هذه المنطقة الغنية بالنفط نشوب القتال بين الحكومة وقوات المعارضة، ما أدى إلى فرار الكثيرين إلى مخيمات النازحين طلباً للأمان قرب ملوط. وقد كانت أطباء بلا حدود واحدة من أوائل المنظمات الدولية غير الحكومية التي تواجدت على الأرض لدعم السكان هناك في تلك الفترة الحرجة.
الآن مع دخول عام 2017، خفت العمليات القتالية في المنطقة المحيطة بملوط وأصبحت احتياجات النازحين مختلفة. فمن بين النازحين الذين بلغ عددهم ابتداءً 19,500 شخص الذين جاؤوا إلى المنطقة، غادر منهم حتى الآن نحو 5 آلاف شخص. إضافة إلى ذلك فلدى الجهات الطبية المحلية هناك قدرة أكبر على تقديم الرعاية الصحية اللازمة في المنطقة، ما يترك الحرية لمنظمة أطباء بلا حدود في إعادة الانتشار لمناطق تكون فيها الحاجة ماسة.
وتقول مارتا كاثورلا، المنسقة الميدانية لمنظمة أطباء بلا حدود في ملوط: "كان دور أطباء بلا حدود كمستجيب أول حاسماً في بداية الأزمة، وقد تمكنا من تقديم الرعاية للنازحين عند وصولهم في بداية عام 2014. كان الكثيرون يصلون في حالة إرهاق ومرض بسبب الرحلة الطويلة وليس لديهم سوى القليل من الطعام. كنا نزودهم بالرعاية الصحية الأساسية واللقاحات لجميع الأطفال للوقاية من تفشيات الأمراض ونوزع بعض الأساسيات التي تمكنهم من بدء حياتهم من جديد".
ويصف أحد ساكني المخيم، والذي صار يعمل مع أطباء بلا حدود لاحقاً، واسمه مونيجوك داو جون أكيم، الوضع الملحّ على الأرض: "كان حال المخيم في بداية 2014 سيئاً للغاية. لم يكن لدينا مأوى، فقط بعض الأغطية البلاستيكية التي نلتحفها. لم يكن لدينا الطعام وكنا نستخدم ماء النهر لجميع احتياجاتنا حتى للشرب. وبقي الوضع على حاله حتى بدأت أطباء بلا حدود تقدم لنا الماء الجيد"
وتضيف مارتا كاثورلا: "بعد أن هرعنا إلى علاج الواصلين، قمنا بإعادة تركيز جهودنا وبدأنا بتقديم الخدمات الأكثر تخصصية التي تهدف إلى الحد من مستويات سوء التغذية المرتفعة وتقديم الرعاية للذين يعانون من الأمراض المستوطنة في منطقة المستنقعات هذه، كمرض السل والكالازار ونقص المناعة البشرية والجذام".
وخلال مدة عملنا انخفض عدد الاستشارات تدريجياً وبنسبة معتبرة. في بداية عام 2014 عندما بدأت عملياتنا كان الوضع في أسوء مستوياته، وعالجت أطباء بلا حدود نحو 21,000 مريض خارجي. بحلول عام 2016 انخفض هذا الرقم إلى 5,700 مع استقرار الوضع الطبي.
لم يكن العمل في ملوط سلساً دائماً، ففي شهر مايو/أيار من عام 2015، واجه الفريق أكبر تحدٍ عندما اندلع قتال مجدداً بين الحكومة والمعارضة في المنطقة. وقد فاجأت أعمال العنف الكثيرين واضطرت أطباء بلا حدود والمرضى إلى تعليق الأنشطة الطبية في المخيمات لمدة أسبوعين.
وفور ما سمحت الظروف مجدداً عادت أطباء بلا حدود لتجد أن المركز الصحي قد تعرضت للنهب لكن مع ذلك بقيت سليمة. في المخيمات تم إضرام النار بالكثير من البيوت والأعمال التجارية. وتم تدمير السوق الرئيسية ولم يعد الناس يجدون ما يكفي من طعام حيث لم يبق سوى القليل.
وتوضح كيت نولان، التي عملت في المشروع في ذلك الوقت: "لم ندع ما حدث يردعنا وتم في الحال اتخاذ القرار بالعودة إلى ملوط. ومرة ثانية كنا أول منظمة دولية غير حكومية في المنطقة وكان واضحاً أن عودتنا حظيت بتقدير المجتمع هناك".
بالرغم من صعوبات العمل في منطقة معرضة لخطر النزاع، تبقى منظمة أطباء بلا حدود ملتزمة بمنطقة أعالي النيل. في عام 2016، تم إكمال بناء مستشفى تخصصي في موقع حماية المدنيين القريب من مدينة ملكال. تدير أطباء بلا حدود كذلك عيادة على الضفة الغربية من نهر النيل، على أطراف مدينة واو شلوك.
وتضيف مارتا كاثورلا: "بوصفنا منظمة تتعامل مع الحالات الطارئة، فالمبدأ الذي ننطلق منه للتدخل هو أزمات الرعاية الصحية، سواء كان سبب الأزمة طبيعياً أو بشرياً. في ملوط تغيرت احتياجات النازحين حيث نعمل على تحضير جهات أخرى فاعلة في مجال الرعاية الصحية لتقديم هذا النوع من الرعاية. وفي حال برزت الحاجة مجدداً للتدخل في الظروف الطارئة فإن منظمة أطباء بلا حدود مستعدة لذلك".