Skip to main content
Outdoors support clinics, Thaker. Leer, South Sudan

النزوح المستمر هو الواقع الجديد بالنسبة للكثيرين على الجبهة الشمالية

جوبا – علم نائب التنسيق اللوجستي لمنظمة أطباء بلا حدود جيز غويلدي أن شيئاً ما لم يكن على ما يرام عند أدرك أن الأصوات في السوق القريب قد اختفت فجأة، وخلفته هو وزملائه محاطين بصمت مريب. كانوا وقتها في منشأة منظمة أطباء بلا حدود التي تحتوي على اثني عشر سريراً في أبوروش بالنيل الأبيض، جنوب شرق جنوب السودان. وقال غويلدي، البالغ من العمر 36 عاماً، "اختفت الحمير والدجاجات، وأخبرني ذلك أن السكان قد أجبروا على الهرب من جديد".

اختفى الصمت، بعد لحظات، إثر إطلاق نار المدفعيات. وفي الخارج وقف الآلاف على الطرق الملوثة بالطين، هاربين بكل ما يستطيعون حمله من ممتلكاتهم، جاهلين ما إذا كانوا سيعودون على الإطلاق.

لأربعة ملايين مواطن في العالم قصة مشابهة، فنصفهم هرب إلى البلدان المجاورة خلال حرب أهلية عنيفة دامت أكثر من ثلاثة أعوام ونصف. لكن بالنسبة للكثيرين في إقليم أعالي النيل الكبير في جنوب السودان، كان النزوح الإجباري من المنازل والتجمعات أكثر من حدث واحد مؤلم. وإنما كان قصة عاشوها مراراً منذ بدء النزاع في ديسمبر/كانون الأول 2013.

لقد أصبحت أبوروش، الواقعة عند حوض النيل في الشمال الشرقي، هي والمناطق المحيطة بها بمثابة مأوى مؤقت لحوالي 15 ألف شخص. فأغلب الذين كانوا يعيشون في أبوروش اضطروا للهرب منها مرات عديدة.

عندما تعرضت مالاكال، التي كانت ذات يوم المدينة الثانية في جنوب السودان، إلى الهجوم، هرب الكثير من الناس منها وتوجهوا إلى بلدة واو شيلوك. بعدها تعرضت تلك البلدة أيضاً إلى الهجوم في بداية هذا العام، مما أجبر كل البلدة على الهرب شمالاً إلى القرى الصغيرة مثل كودوك وأبوروش. ثم اضطر الناس إلى الهرب مجدداً عندما تعرضت كودوك للهجوم، مما دفع الباقين فيها للتوجه إلى أبوروش.

مع قلة وجود المياه والخدمات الإنسانية الأساسية، قرر حوالي 20 ألف شخص الترحال الطويل والخطير إلى الشمال، باتجاه السودان، في حين بقي آخرون في أبوروش، على أمل أن يعود السلام إلى مناطقهم الأصلية. 

Crisis in Aburoch, South Sudan
Fernando Bartolomew/MSF

الظروف الحياتية داخل وحول المستوطنة مريعة، فالمجتمع يعيش في ملاجئ مؤقتة قريبة من مستنقع تقسم المخيم إلى قسمين تاركة أغلب الطرق مليئة بالطين. تُسحب المياه من المستنقع الذي تبقى مياهه حتى عند تنقيتها صفراء وطينية اللون. ولأن إمدادات المياه النظيفة قليلة جداً، فإن الكثيرين يشربون مباشرة من ماء المستنقع، مما يعرضهم للإصابة بأمراض مميتة تنتقل عبر المياه كالكوليرا.

في ظروف كهذه تقوم منظمة أطباء بلا حدود بتوفير الدعم الطبي الطارئ. فهي تدير عيادة، وجناحين لرعاية الأمومة والطفولة، بالإضافة إلى أقسام المرضى المقيمين والخارجيين، وحجرة عزل، وغرفة طوارئ تعمل على مدار الساعة. وأوضح عامل الكهرباء في مرفق منظمة أطباء بلا حدود الصحي مارتينو، البالغ من العمر 35 عاماً، فإن المرفق الصحي بُني مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية التنقل والحاجة للتأقلم مع الوضع القائم. وقال مارتينو،"لقد غيرنا مكان العيادة إثر الصراعات التي دارت في بداية العام، ولحقنا بالناس الذين غادروا واو شيلوك، كما غادرنا كودوك بعدها".

وأضاف نائب التنسيق اللوجستي جيز غويلدي قائلاً، "التحرك مع المجتمع حيثما يحل جزء من خطة إخلائنا."

لذا فحالما أطلقت أولى الرصاصات، عرف طاقم منظمة أطباء بلا حدود، بالإضافة إلى المجتمع المحيط بهم، ما كان ينتظرهم. لكن اليأس هذه المرة كاد يكون ملموساً.

تذكر غويلدي وقال، "أتى رجل عجوز وانهار على ركبتيه. لم يعد يعرف ماذا يفعل. وبكى وسط الجماعة وكأن اليأس قد قضى على كل آماله بالوصول."

وفي غضون الأربع وعشرين ساعة المقبلة، يعمل طاقم منظمة أطباء بلا حدود على إخلاء المستشفى، حيث يهرب الناس في أبوروش إلى الأحراش حال اندلاع النزاع داخل المستوطنة وحولها، لكن ذلك يكون مؤقتاً. بعدها بوقت قصير، يبدأ الناس حالما يدركون أن الاقتتال كان قصير الأمد بالعودة، وتعود عمليات منظمة أطباء بلا حدود إلى العمل.

ورغم أن سكان أبوروش لم يؤثر بهم العنف إلى حد كبير وسُمح لهم بالرجوع إليها، إلا أن أثر النزاع عليهم واضح تماماً. يقول رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود خاومي رادو، "في كل مرة يُجبر الناس على الهرب يُوضعون في موقف أكثر خطورة من سابقه. لقد وضع النزاع السكان بشكل عام، ومرضانا بشكل خاص في خطر. فقد حُرم الكثيرون من الوصول إلى الرعاية الصحية الضرورية جداً، كما حُرموا من المعونات الإنسانية الأخرى."

إن الناس في أبوروش معرضون إلى الخطر ويعتمدون بشكل تام على المعونات الإنسانية، مما يعني أن توفير الغذاء والمياه أو إتمام عملية تزويد السكان بخدمة الصرف الصحي والمعايير الصحية يجب ألّا تُقطع أبداً.