خلال الشهرين الماضيين، نزح عدد كبير من السوريين من المناطق المحاصرة سابقاً إلى شمال غرب سوريا حيث وصل أكثر من 60,000 منهم إلى محافظة إدلب وشمال حماة. تدير منظمة أطباء بلا حدود برامج مساعدة في جميع أنحاء المنطقة حيث عززت الاستجابة الطبيّة في الموقع المعروف باسم "النقطة الصفر" أين يصل القادمون عن طريق الحافلات.
تدعم المنظمة المستشفى الرئيسي ونقطة الاستقبال الطبية المسؤولة عن فرز المرضى حسب الأولويّة الطبيّة وعلاج المرضى ولكن الضغط الكبير على طاقة استيعاب المرافق الطبية في جميع أنحاء المحافظة اضافة إلى استمرار القتال وانعدام الأمن تمثل تحديات كبيرة أمام النازحين في إدلب وشمال حماة.
بعد رحلة استغرقت ثمانية عشر ساعة، وصلت قافلة من النازحين إلى "النقطة الصفر" في وقت مبكر من صباح السبت. نحو 2,700 شخص نزلوا من حافلاتهم وسط المطر الغزير المُصاحب بالبرق الذي كان يضيء هذا المشهد الفوضوي.
قدم المستشفى الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود الفحوص والرعاية الصحية الأولية للوافدين الجدد. وقال أحد الأطباء في العيادة، "من بين الأشخاص الذين يصلون من شمال حمص تلقينا بعض حالات أطفال يعانون من سوء التغذية"، وأضاف رافعاً صوته أعلى من صوت هطول المطر على سقف الخيمة، "نقدم الرعاية الأولية للأشخاص الذين يحتاجونها على الفور ونقوم بما بوسعنا لمساعدة الأشخاص الذين يصلون".
وتحدث الوافدون الجدد عن استنفاد قواهم بعد رحلتهم التي استغرقت 18 ساعة. كان الناس يزدحمون في أي مساحات مغطاة يمكنهم العثور عليها للاحتماء من المطر أثناء انتظارهم لمواصلة الطريق نحو منازلهم الجديدة - غرفة مستأجرة لمن لديهم المقدرة الماليّة، خيمة في أحد المخيمات العديدة المنتشرة حول الريف للآخرين، أو أيام أو أسابيع أخرى من عدم اليقين بالنسبة للكثيرين.
قبل شهر، وفي أعقاب الهجوم الذي شنته الحكومة السورية للسيطرة على الغوطة الشرقية، رفعت منظمة أطباء بلا حدود من الاستجابة الطارئة لعشرات الآلاف من النازحين إلى شمال غرب سوريا. ومنذ ذلك الحين، نزح عدة آلاف من السوريين من مناطق أخرى من البلاد (جنوب دمشق ، شمال حمص) إلى محافظة إدلب.
وصلت صباح الجمعة قافلة كانت تحمل 2,803 أشخاصٍ تواجد بينهم 132 مريضا بحاجة للعلاج 18 منهم كانوا من جرحى الحرب، لكن الأمراض الأكثر شيوعًا التي تتطلب العلاج لا علاقة لها بالنزاع حيث تمثل حالات التهابات الجهاز التنفسي الحالات السائدة.
تشرح سونيا فان أوسش، المنسقة الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود، "لقد قدمنا المساعدة إلى السوريين النازحين وكذلك المقيمين المحتاجين اليها في إدﻟب وﺷﻣال ﺣﻣﺎة لسنوات ، لكن هذه التدفقات الأخيرة تمثل تحدياً جديداً لنا".
"ﻓﻲ إدﻟب وﺷﻣال ﺣﻣﺎة، ﻧﺻف السكان هم من اﻟﻧﺎزﺣﯾن - قدم بعضهم ﻣن أﻣﺎﮐن أخرى و فر بعضهم ﻣن اﻟﻘﺗﺎل في إدلب داﺧل المحافظة. واضطر أكثر من مليون شخص إلى مغادرة منازلهم، وكثير منهم يحتاجون إلى نوع من الرعاية الطبيّة في حين تُكافح المستشفيات والعيادات لمواصلة العمل".
تدير منظمة أطباء بلا حدود في إدلب وشمال حماة مستشفى كبير للحروق والاصابات كما تُدير عيادات متنقلة وتوزع مواد أساسية للحياة داعمة أكثر من 15 مستشفى وعيادة بالإضافة إلى القيام بحملات تلقيح.
وتُضيف فان أوش، "في 'النقطة صفر' في قلعة المضيق مازلنا نزيد من حجم التبرعات بالإمدادات الطبية الرئيسية كما وفرنا خيمة للفرز ومعالجة الاحتياجات الطبية للنازحين الجدد عندما نزولهم من الحافلات".
"كُنا نساهم في تغطية رواتب الموظفين في هذا المرفق ، لكن حجم العمل كان يرتفع بشكل حاد مع القادمين الجدد، لذا بدأنا في دفع رواتب خمسة ممرضات إضافيات. كما ندعم العديد من المستشفيات في المنطقة بينهما والتي تغطي مجموعة متنوعة من الخدمات الطبية مثل صحة الأم والجراحة والطب الباطني وطب الأطفال وخدمات التطعيم. نقدم لهم الأدوية واللقاحات والإمدادات الطبية الأخرى، وكذلك تقديم الاستشارة عند الحاجة اضافة الى تغطية تكاليف التشغيل الأساسية والمساهمة في رواتب موظفيهم. العديد من منظمات الإغاثة تحركت للمساعدة لكن هذه المساعدة ستحتاج إلى أن تكون دائمة حيث أن هناك الكثير من الناس في وضعيات إنسانيّة هشة".
من بين السوريين الذين وصلوا مؤخراً، بعض المُسعفين الذين كانت تدعمهم منظمة أطباء بلا حدود في المناطق المحاصرة سابقاً. يعتري الكثير منهم مثلما يعتري المرضى الذين اعتادوا على علاجهم والذين سافروا معهم إلى شمال البلاد قلق عميق حول وضعهم الحالي.
يشرح مسعف من الغوطة الشرقية مخاوفه من القتال الدائر بين الجماعات المسلحة في إدلب، "الوضع الحالي هنا مثل الرمال في الصحراء، يمكن لرياح صغيرة أن تنتج الكثير من الغبار. وليس من الجيد بالنسبة لي أن أكون في وسط هذا الغبار".
تدير منظمة أطباء بلا حدود أو تدعم بشكل مباشر ستة مستشفيات وسبع مراكز صحية عبر شمال سوريا ، كما تدير ستة فرق للعيادات المتنقلة وستة فرق للتطعيم. توفر المنظمة الدعم عن بعد لحوالي 25 منشأة صحية في جميع أنحاء البلاد ، في المناطق التي لا يمكن للفرق أن تتواجد فيها بشكل دائم.
لا تشمل أنشطة منظمة أطباء بلا حدود في سوريا المناطق التي تسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية حيث لم يتم الحصول على تأكيدات بشأن السلامة والحيادية من قيادتها ، ولا يمكن لمنظمة أطباء بلا حدود أن تعمل في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة لأن طلبات منظمة أطباء بلا حدود للحصول على إذن حتى الآن لم تسفر عن أي نتيجة . لضمان الاستقلال عن الضغوط السياسية ، لا تتلقى منظمة أطباء بلا حدود أي تمويل حكومي لعملها في سوريا.