في أعقاب الدمار الناتج عن إعصار "إيداي" الذي ضرب موزمبيق وملاوي وزمبابوي في الأيام الأخيرة، أطلقت منظّمة أطبّاء بلا حدود استجابة طارئة بحيث وصلت الفرق الأولى إلى مدينة بيرا المتضرّرة في وسط الموزمبيق يوم الإثنين الواقع فيه 18 مارس/آذار.
تُجري فرق المنظّمة حالياً تقييماتها الأوّلية لكّن الاحتياجات في بيرا هائلة. حيث تضرّر المستشفى والمركز الطبي اللذان كنا نعالج فيهما قبل الإعصار الأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشري ، مما قلّص من قدرة المرفقين على استيعاب المرضى. وعلى الرغم من الضرر الكبير الذي لحق بالمستشفى، استطاع فريق العمل معالجة أكثر من 1,500 مصاب، ما يدل على مدى سوء الوضع في المدينة.
ووصل منسّق الاستجابة الطارئة غيرت فيردونك إلى بيرا في الموزمبيق في 19 مارس/آذار وأخبرنا عن انطباعاته الأولى فيما يلي حول الوضع على أرض الواقع.
أوّل ما يظهر للعيان عند الوصول إلى بيرا هو مشهد الدمار الغارق تحت مياه الفيضانات. وعلمنا أنّ الوضع خارج المدينة قد يكون أكثر سوءاً، لكنّنا خلال الوقت القصير الذي مضى على وصولنا، قمنا بالتركيز على محاولة فهم الحالة في المدينة واحتياجاتها، إذ يصل عدد السكان إلى نحو 500 ألف نسمة وقد تضرّرت أو تدمرّت معظم البيوت.
بالإضافة إلى ذلك، تعطلّت شبكة المياه مما جعل الوصول إلى مياه الشرب أمراً صعباً على سكان الكثير من المناطق، بالأخص في الأحياء الأكثر فقراً واكتظاظاً بالسكان.
في بيرا، الحياة مستمرة بعض الشيء، فقد عاد الناس إلى أعمالهم وبدأوا بالبحث عن مصادر للحصول على الطعام. لكنّ الأشجار المقلوعة ما زالت مبعثرة في كل مكان، وترى من يحاول ترميم منزله هنا ومن يعمل على تغطية الفجوات في سقفه هناك بينما لم تتوقف الأمطار عن الهطول بغزارة. وليس من المرجّح أنّ ينخفض منسوب المياه في أي وقت قريب.
في الحقيقة، إنّه من الصعب أن نحصل على صورة تبيّن لنا الاحتياجات الطبيّة بشكل كامل في هذه المرحلة، علماً بأنّ وصول السكّان إلى المراكز الصحيّة ليس بالأمر السهل، إما بسبب الطرق المدّمرة أو لأنّ المراكز نفسها قد تحوّلت إلى حطام، وهما أمران يشكلان التحدي الأكبر الذي نواجهه حالياً. كما أنّ التحدي عينه يواجه وزارة الصحة التي تحاول إعادة تشغيل آليات الخدمات الصحية في أسرع وقت ممكن.
تجدر الإشارة إلى أنّ الأمراض التي تنتقل عبر المياه قد تبدأ بالظهور في هذا السياق، فقد لجأ السكان المتضرّرون إلى آبار تحوي مياه غير معقّمة بالكلور لتلبية احتياجاتهم، ومن المرجّح أنّ هذه المياه ليست نظيفة أو صالحة للشرب. يستطيع ميسورو الحال شراء مياه الشرب المعبأة لكن ليس بإمكان جميع السكان تحمّل هذه الكلفة.
قد تظهر أيضاً حالات من أمراض الجهاز التنفسي بسبب الأمطار التي لم تتوقف عن الهطول والانصباب في منازل السكان، ما يرفع من خطر إصابتهم بالتهابات رئوية. وما قد يزيد عدد المرضى هو احتمال انتشار العدوى بين أولئك المتجمّعين للاحتماء في المدارس أو الكنائس.
وعلاوة على هذا كله، تطرح هنا المسألة التالية: كيف يمكن معالجة من يمرض من السكان في ظل تضرر أو تدمير عدد مرتفع من المرافق الصحية؟
لكنّني أريد التشديد على حقيقة عدم قدرتنا على تحديد الاحتياجات الطبية الكاملة في هذه المرحلة المبكرة. سنعمل حالياً على تلبية الاحتياجات الأساسية التي نرصدها مباشرة، مع السعي إلى تحديد المجالات الواجب فيها توسيع نطاق أنشطتنا من خلال زيادة فهمنا للسياق يوماً بعد يوم.