ففي أوائل عام 2022 واستجابةً للتصاعد الهائل في القتال على العديد من الجبهات والزيادة الكبيرة في الضربات الجوية، بدأت فرقنا العاملة في عبس والمخا وصعدة عملياتٍ عديدة لعلاج الإصابات الجماعية.
وصحيحٌ أن النزاع قد تراجع في حدّته منذ أن تواسطت الأمم المتحدة لتحقيق هدنة في أبريل/نيسان، غير أن اشتباكات متفرقة لا تزال تندلع على خطوط القتال وغالبًا ما تؤدي إلى وقوع ضحايا بين المدنيين الذين يعلقون وسط إطلاق النيران أو يتعرضون للذخيرة غير المنفجرة.
فالأزمة الإنسانية في اليمن أزمةٌ يتسبب بها نزاعٌ مسلح، بيد أن التدهور الاقتصادي الناتج عنه قد أثر هو الآخر مباشرةً على ظروف الناس المعيشية وصحّتهم وفرص حصولهم على علاجات أساسية. إذ تُواصل أسعار الغذاء والوقود الارتفاع وتحرم الكثير من الأسر من الطعام أو القدرة على التنقّل إلى مرافق الرعاية الصحية.
يشار إلى أن توفُّر خدمات الرعاية الصحية في اليمن، وخصوصًا الخدمات ميسورة الكلفة وعالية الجودة على مستوى المجتمع يشهد تراجعًا، وقد تكون الخدمات في بعض الأحيان غائبة كليًا. ونشهد في مرافق الرعاية الصحية التي ندعمها ضعفًا في إمكانية تأمين الرعاية الطبية العامة الذي يؤدي إلى تأخر الناس في طلب العلاج أو يجبرهم على السفر إلى مناطق بعيدة، بالتالي يكون وضعهم لدى وصولهم قد ساء في أغلب الأحيان وتتبلور لديهم أيضًا مضاعفات صحية.
هذا ولا تزال أعدادٌ كبيرة من الناس بحاجةٍ ماسة إلى المساعدات الإنسانية والدعم، في ظلّ تدهورٍ واضحٍ في الخدمات يؤدي إلى توسيع الفجوات التي تعاني منها الرعاية الصحية. كما أن القيود الممنهجة التي تفرضها السلطات اليمنية على الطواقم والإمدادات الإنسانية تزيد الطين بلة، حيث أنها تعيق عملية إيصال المساعدات الإغاثية الأساسية بكفاءة وفي الوقت المناسب. ولم تنفكّ منظمة أطباء بلا حدود تدعو إلى تعزيز الاستجابة الدولية في اليمن ورفع كفاءتها وزيادة مستوى العمليات المباشرة، كما تدعو إلى تسهيل وصول أطباء بلا حدود وغيرها من المنظمات الإنسانية إلى الناس.
عملت فرقنا خلال عام 2022 في 12 مستشفى ودعمت 16 مركزًا صحيًا في 13 محافظة، حيث ركزت على أقسام المرضى المقيمين ورعاية الطوارئ. لكن نظرًا لنقص خدمات الرعاية الصحية الأساسية في المناطق النائية، فإن أجنحة المستشفيات التي تدعمها المنظمة غالبًا ما تعاني تحت وطأة الضغوط، لا سيما وأن الناس يصلون إليها وهم يعانون في كثيرٍ من الأحيان من مضاعفات نتجت عن عدم قدرتهم على الحصول على الرعاية عندما كانوا بحاجةٍ إليها. ولهذا فإن المرافق التي ندعمها تعمل في أغلب الأحيان فوق طاقتها بأشواط. بالتالي فإننا نقدم المساعدات لمراكز الرعاية الصحية الأساسية في العديد من المواقع في مختلف أنحاء البلاد، علمًا أن هذه المساعدات تتضمن الدعم المالي للعاملين في مجال الرعاية الصحية وتدريبهم، وتبرعات الأدوية، وتغطية تكاليف الإحالات إلى المرافق التي تديرها أطباء بلا حدود أو تدعمها.
سوء التغذية
يمثل سوء التغذية في اليمن خطرًا دائمًا على الأطفال والنساء الحوامل والأشخاص الأكثر حاجة للرعاية نظرًا للمشاكل الطبية التي يعانون منها، علمًا أن سوء التغذية يمرّ بذروات موسمية وسنوية مرتبطة بفجوة الجوع التي تفصل بين فترات الحصاد. وقد شوهد هذا النمط قبل تصاعد الحرب في أواخر عام 2014 لكنّه ازداد سوءًا وتوسع نطاقه نتيجةً للنزاع المستمر الذي فاقم من انعدام الأمن الغذائي بين الناس الذين يعيشون في ظروف صعبة.
هذا وكانت ذروة سوء التغذية عام 2022 قد بدأت باكرًا مقارنةً بالسنوات السابقة ولم تنتهِ حتى نوفمبر/تشرين الثاني. وقد عانت المرافق التي تدعمها أطباء بلا حدود تحت وطأة الأعداد الكبيرة من المرضى، علمًا أنها قدمت العلاج لأكثر من 10,000 شخص خلال العام. وبدأت فرقنا عمليات طوارئ لمواجهة الارتفاع الكبير في حالات سوء التغذية الحادة والمشاكل الصحية التي تُفاقِمها، علمًا أننا قلقون تحديدًا حيال انتشار الأمراض المنقولة بالمياه التي تزيد من ضعف الأطفال دون سن الخامسة ولا سيما إن كانوا يعانون أساسًا من سوء التغذية.
رعاية الطوارئ والجراحة
عالجت غرف الطوارئ التي تدعمها أطباء بلا حدود في اليمن مئات آلاف المرضى خلال العام، علمًا أن الكثير منهم كانوا يعانون من جروح مرتبطة بالعنف أصيبوا بها خلال النزاع. وقد اضطر آخرون كثر إلى تلقي رعاية الطوارئ لمشاكل لم تكن في الأساس خطيرة لكنها تفاقمت نتيجة نقص خدمات الرعاية الصحية ميسورة الكلفة في مناطق سكنهم، الأمر الذي أخّرهم عن طلب الرعاية. ونفّذت فرقنا آلاف العمليات الجراحية خلال عام 2022، لكنها لم تقتصر على علاج الجروح المرتبطة بالعنف، بل شملت أيضًا حالات طوارئ مثل المضاعفات التوليدية. كما عالجت فرقنا عددًا كبيرًا من ضحايا حوادث الطرق في العديد من المناطق. يشار إلى أن ضعف خدمات رعاية الأمومة أدى إلى ارتفاع أعداد النساء اللواتي يعانين من مضاعفات الولادة، وزيادة المخاطر التي يتعرض لها الأطفال والنساء الحوامل منهنّ والأمهات، وهذا أمرٌ يعود في الغالب إلى تأخر الحصول على العلاج.
رعاية الأم والطفل
تدعم منظمة أطباء بلا حدود خدمات رعاية الأم والطفل في معظم محافظات اليمن التي تشهد تزايدًا مستمرًا في الطلب على هذه الخدمات. وقد ساعدت فرقنا النساء الحوامل في الولادات والعمليات القيصرية، كما قدمت رعاية ما قبل الولادة وما بعدها. وتسعى المنظمة إلى خفض معدلات الوفيات الكبيرة بين الحوامل والأمهات والمواليد، لذا فقد عملت مع وزارة الصحة في محافظات الحديدة وحجة وإب وتعز لإعداد آليات الإحالة الإسعافية بغرض تسريع الرعاية.
انخفاض تغطية اللقاحات والأمراض التي يمكن الوقاية منها
شهدت المنظمة عودة أمراضٍ يمكن الوقاية منها كالكوليرا والخناق/الدفتيريا والحصبة والسعال الديكي في ظل ضعف تغطية اللقاحات وسوء الظروف المعيشية وانهيار نظام الرعاية الصحية. لذا فقد أمّنت فرقنا اللقاحات ونفذت أنشطة توعية وتثقيف صحي لتشجيع الناس على أخذها، كما أدارت مراكز لعزل المرضى.