لم تنشأ الأزمة الإنسانية في اليمن نتيجةً للنزاع المسلح فحسب، بل أسهم فيها أيضًا التدهور الاقتصادي الذي خلف تبعات خطيرة على صحة الناس وظروف معيشتهم ووفرة الخدمات الأساسية لهم. وفي هذا السياق، تشحّ الخدمات الصحية ميسورة الكلفة على المستوى المجتمعي، حتى أنها تنعدم بشكل كلي في بعض المناطق.
ورغم انحسار النزاع واسع النطاق بشكل عام في 2023، إلا أن العديد من مناطق شمال اليمن تعرضت لقصفٍ يومي منذ أكتوبر/تشرين الأول في أعقاب التصعيد الأخير في البحر الأحمر، الأمر الذي فاقم الأوضاع الإنسانية التي كانت مزرية في الأساس. ولا يزال هناك الملايين من اليمنيين النازحين وهم في حاجةٍ ماسة إلى المساعدات.
وفي عام 2023، دعمت أطباء بلا حدود 17 مستشفى و18 مركزًا للرعاية الصحية في 13 محافظة، حيث ركزت على صحة الأم والطفل والرعاية المتخصصة ورعاية الطوارئ والاستجابة لسوء التغذية وتفشي الأمراض المعدية على غرار الكوليرا والخناق والحصبة. لكن نظرًا لنقص خدمات الرعاية الصحية الأساسية في المناطق النائية، فإن المرافق المتخصصة التي تدعمها المنظمة غالبًا ما تعاني تحت وطأة الضغوط، لا سيما وأن الناس يصلون إليها وهم يعانون في أحيان كثيرة من مضاعفات نتجت عن عدم قدرتهم على تأمين الرعاية وهم بحاجة إليها. وكي نعالج هذه المشكلة دعمنا مراكز صحية في مختلف أنحاء البلاد، حيث قدمنا الحوافز المالية للطواقم ودربناها وتبرعنا بالأدوية وموّلنا خدمات إحالة المرضى إلى مرافق تدعمها أطباء بلا حدود.
سوء التغذية
ثمة أسبابٌ عديدة وراء أزمة التغذية التي يعيشها اليمن، إذ فقد الكثير من الناس سبل عيشهم بعد حوالي عقد من النزاع والتدهور الكبير في الاقتصاد. وأدى معدل التضخم الكبير إلى إضعاف قدرتهم الشرائية فلم يعودوا قادرين على تأمين ما يكفي من الأطعمة المغذية. وقد أسهم تراجع المساعدات الغذائية، بما في ذلك وقف مساعدات برنامج الأغذية العالمي في شمال اليمن سنة 2023 في تفاقم مشكلة الأمن الغذائي للملايين من اليمنيين.
استجابت فرقنا في عام 2023 للزيادة الحادة في حالات سوء التغذية بين الأطفال في العديد من المحافظات. ففي تعز، بدأنا بدعم المركز الخارجي للتغذية العلاجية في مفرق المخا ضمن مديرية موزع. أما في محافظة عمران، فقد دعمنا مستشفى حوث لتعزيز قدراته على الاستجابة لسوء التغذية خلال موسم الذروة بين يونيو/حزيران وديسمبر/كانون الأول. كما أنشأنا في محافظة الحديدة ثلاثة مراكز خارجية للتغذية العلاجية في الضحي وبيت عطا والكدن، في حين رفعنا الطاقة الاستيعابية للمركز الاستشفائي للتغذية العلاجية التابع لمستشفى عبس العام في محافظة حجة من 45 إلى 88 سريرًا خلال موسم الذروة. كذلك ضاعفنا عدد الأسرة في صعدة وزدنا عدد الطواقم وحجم الإمدادات.
الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات
شهدت المنظمة خلال السنوات الأخيرة زيادةً ملحوظة في أمراضٍ يمكن الوقاية منها كالكوليرا والخناق والحصبة في ظل ضعف تغطية اللقاحات وسوء ظروف المعيشة وانهيار نظام الرعاية الصحية. وقد استجابت فرقنا في عام 2023 لزيادة عدد الإصابات بالحصبة في الكثير من المحافظات. فقدمت العلاج ووفرت جلسات تدريبية للقائمين على الرعاية الصحية كي يتمكنوا من إدارة المرض في ثماني مواقع في محافظة البيضاء. أما في تعز، فقد افتتحنا وحدةً لعزل مرضى الحصبة بسعة 16 سريرًا ضمن مستشفى الأم والطفل الذي نديره في تعز الحوبان بهدف الاستجابة للزيادة الحادة غير المسبوقة في عدد الإصابات. كما عالجنا مرضى الحصبة في مرافق تدعمها المنظمة في سبع محافظات أخرى.
هذا وتشهد البلاد منذ عام 2021 زيادة كبيرة في عدد إصابات الخناق التي زادت بحدة في عام 2023. لذا فقد بدأت المنظمة في أكتوبر/تشرين الأول بدعم مستشفى الوحدة في محافظة ذمار، حيث ركزت على إدارة وحدة عزل المرضى والعلاج والعناية المركزة والفحوصات المخبرية، كما تبرعت بالإمدادات الطبية والمواد الغذائية ومستلزمات النظافة، وقدمت التدريبات للطواقم.
على الصعيد ذاته، استجابت فرقنا لتفشي الكوليرا في محافظتي عدن وشبوة، حيث أدارت وحدتين للعلاج بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ونهاية يناير/كانون الثاني 2024، وأطلقت أنشطة توعية صحية وأمنت خدمات المياه والصرف الصحي للوقاية من انتشار المرض. وفي الفترة ذاتها، أدرنا مركزين لعلاج حالات الإسهال المائي الحاد في مديريتي الضحي والزيدية التابعتين لمحافظة الحديدة.
رعاية الأم والطفل
عززت المنظمة في عام 2023 أنشطة الرعاية الصحية الموجهة للأم والطفل في معظم محافظات اليمن استجابةً للزيادة المتواصلة في الطلب على هذه الخدمات. فقدّمت فرقنا في تعز المساعدة للنساء عند وضع مواليدهن ودعمت العمليات الجراحية التوليدية، كما أمنت الرعاية الاستشفائية للمواليد الجدد وخدمات طب الأطفال في تعز الحوبان ومدينة تعز. وبدأنا بالتعاون مع وزارة الصحة في مايو/أيار لدعم قسم طب الأطفال في مستشفى المخا العام.
أما في مستشفانا في المخا، فقدّمنا الدعم للنساء اللواتي يعانين من المضاعفات أثناء الولادة. كما أدرنا خدمات تخصصية للحوامل والأمهات والمواليد الجدد في مستشفى الأمومة والطفولة في مديرية القناوص التابعة لمحافظة الحديدة. وفي شهر مايو/أيار، افتتحت فرقنا أيضًا جناحًا لطب الأطفال في المستشفى، حيث أمنت رعاية الأطفال دون سن الخامسة عشرة داخل المستشفى. أما في محافظة حجّة، فواصل فريقنا دعم العديد من أقسام مستشفى عبس العام، بما فيها أجنحة الأمومة والمواليد الجدد وطب الأطفال.
ونتعاون منذ سبتمبر/أيلول 2022 مع مستشفى الأمومة والطفولة في مديرية عتق التابعة لمحافظة شبوة بهدف توفير الرعاية الصحية للأطفال.
على الصعيد ذاته، استقبلت المستشفيات التي ندعمها في خمر وعمران وحيدان وصعدة خلال العام عددًا أكبر من إحالات الطوارئ التوليدية القادمة من وحدات الرعاية الصحية المحلية مقارنةً بالعام السابق.
هذا وواصلت فرقنا في مأرب توفير خدمات الرعاية الصحية العامة للنازحين والأهالي والمهاجرين وباقي الشرائح السكانية التي تعيش في ظروف صعبة. وقد شملت خدماتنا الرعاية الصحية الإنجابية ورعاية سوء التغذية والأمراض المعدية ودعم الصحة النفسية.
رعاية الإصابات البليغة والجراحة
في ظل تراجع القتال وبالتالي تناقص عدد حالات الإصابات البليغة، أقفلت أطباء بلا حدود عددًا من مشاريع رعاية الإصابات البليغة، منها مستشفانا في المخا الذي كان يقدم الرعاية الجراحية المنقذة للحياة منذ عام 2018. كما سلّمنا جزءًا من أنشطتنا الجراحية في مستشفى عبس العام إلى وزارة الصحة، فيما واصلنا إجراء عمليات الجراحة التوليدية.
كذلك فقد أقفلنا مركز رعاية الإصابات البليغة في تعز الحوبان وبدأنا نُحيل المرضى إلى مستشفى الوحدة الحكومي. وقد استقبل مركز أطباء بلا حدود لعلاج الإصابات البليغة في عدن هذا العام عددًا أقل من جرحى الحرب مقارنةً بالأعوام السابقة، علمًا أن فرقنا في المركز عالجت على مرّ السنين مرضى من مختلف جبهات القتال معتمدةً على نظام للإحالة من محافظات لحج وأبين وشبوة التي كنا ندعم فيها عددًا من المرافق الصحية حتى نهاية 2023. ويواصل مركز الإصابات البليغة التابع للمنظمة توفير خدمات جراحة العظم التي تشمل تثبيت الكسور داخليًا والعمليات الجراحية التقويمية.
الصحة النفسية
يعتبر دعم الصحة النفسية جزءًا لا يتجزأ من أنشطتنا في محافظتي حجة والحديدة. وتقدم فرقنا في مستشفى عبس وعيادة الصحة النفسية التي نديرها في مدينة حجة خدمات الرعاية الطبية النفسية والإرشاد النفسي والعلاج النفسي. كما ندير في مدينة حجة مركزًا نهاريًا يقدم خدمات الرعاية النفسية وبرنامجًا لإعادة تأهيل المرضى الذين يعانون من مشاكل نفسية مزمنة.