الحمى الصفراء هي مرض فيروسي نزفي حاد ينتقل عبر البعوض ولا يوجد علاج له، وينتشر بشكل رئيسي في إفريقيا جنوب الصحراء. في عامي 2015-2016 وأثناء أكبر تفشٍ للمرض منذ 30 عاماً، لقحت فرقنا أكثر من مليون شخص في جمهورية الكونغو الديمقراطية ضمن حملة تلقيح شاملة.
يمكن للإصابة بفيروس الحمى الصفراء أن تكون عديمة الأعراض أو أن تسبب أعراضاً معتدلة. معظم الناس يبدأون بالتعافي بعد بضعة أيام، لكن نسبة صغيرة من الناس تدخل في مرحلة أكثر سميّة من المرض. وبعد أن يبدو وكأنهم يتماثلون للشفاء تعود إليهم الحمى المرتفعة من جديد. وقد تشمل الأعراض الأخرى اليرقان (وهو اصفرار في الجلد والعينين – ومن هنا جاء اسم المرض الحمى الصفراء) وألم في البطن وتقيؤ.
قد يحدث لدى البعض نزيف من الفم أو العينين أو الأنف أو المعدة. وفي الحالات الأكثر خطورة، يتوقف الكبد والكليتان عن العمل. ونحو نصف المرضى الذين يدخلون هذه المرحلة من الحمى الصفراء يموتون خلال بضعة أيام.
انخفاض مستوى التحصين باللقاح
تنتقل الحمى الصفراء عبر اللسعة النهارية لأنثى البعوضة الزاعجة الموبوءة.
تقع تفشيات كبيرة في المناطق التي لا توجد فيها تحصين كاف عبر التلقيح، وهي غالباً ما تدل على ضعف المنظومة الصحية. ويعتبر خطر التفشي مرتفعاً بشكل خاص عندما ينتقل المصابون بالمرض إلى مناطق كثيفة السكان وفيها الكثير من البعوض ويكون المرض شائعاً. وقد تناقصت أنشطة اللقاح المنتظمة (التي من شأنها أن تمنع أو تحد من تفشيات الحمى الصفراء) بشكل حاد في بعض الدول الإفريقية ما أدى إلى حدوث تفشيات في أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2016.
وهناك عوامل يحتمل أن تسهم في زيادة ظهور الحمى الصفراء والتفشيات الكبيرة، كحركة السكان وتزايد العمران في المناطق الفقيرة بدون توفر نظم المياه والصرف الصحي المناسبة.
الوقاية من العدوى والسيطرة عليها
اللقاح هو الطريقة الأنسب لمنع العدوى ووقف التفشيات. فجرعة واحدة من لقاح الحمى الصفراء تمنح وقاية مدى الحياة. يمكن للناس أيضاً أن يقوا أنفسهم ضد لسعات البعوض عبر ارتداء ملابس طويلة واستخدام المواد الطاردة للحشرات والناموسيات المعالجة بمبيدات الحشرات إن توفرت. وعلى مستوى المجتمع، تشمل تدابير السيطرة إزالة المياه الآسنة حيث يتكاثر البعوض ورش المبيدات الحشرية.
استجابت أطباء بلا حدود لعدة تفشيات للحمى الصفراء منذ عام 2000 في جمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا والسودان وسيراليون وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد ودول أخرى.
نهدف إلى السيطرة على التفشيات من خلال حملات التلقيح الشاملة ورش المبيدات الحشرية في كل التجمعات السكنية وتقديم الرعاية لذوي الحالات الشديدة. كما نعمل على تحسين وصول واستخدام مخزون محدود من اللقاح (انظر أدناه "دعم التقدم في تطوير اللقاحات").
تلقيح الملايين
بدأ أكبر تفش للحمى الصفراء خلال الثلاثين سنة الماضية في أنغولا في ديسمبر/كانون الأول 2015 وانتشر إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة. شاركنا في الاستجابة الطارئة في كلا البلدين، وقد نتج عن الجهود المشتركة لجميع الشركاء لدعم وزارات الصحة تلقيح أكثر من 30 مليون شخص.
شاركنا في جمهورية الكونغو الديمقراطية في حملة تلقيح واسعة النطاق تم خلالها تحصين أكثر من ثمانية ملايين شخص في أقل من أسبوعين.
أرقام من استجابة أطباء بلا حدود لتفشي الحمى الصفراء في جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2016:
760,000
760,
370,000
370,
4,000
4,
وقد حشدنا 100 فريق يضم كل منها 160 شخصاً من 20 بلداً واستخدمنا أسطولاً من 65 مركبة. وصلت الفرق في كينشاسا عاصمة الكونغو إلى 760,000 شخص – أي عُشر السكان المستهدفين في المدينة. كما لقحت فرق أطباء بلا حدود سكان ماتادي البالغ عددهم 370,000 شخص، بالقرب من الحدود مع أنغولا.
يرافق مثل هذه الحملات السريعة واسعة النطاق الكثير من التحديات اللوجستية، من أبرزها ضمان الحفاظ على اللقاحات مبرَّدة. وخلال استجابتنا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، احتاجت فرقنا لإعادة تعبئة 4,000 عبوة ثلج ومبردات كل يوم في مواقع مختلفة.
القضاء على مواقع تكاثر البعوض
عندما نستجيب لتفش وبائي يقوم أخصائيو الحشرات لدينا بتحديد مواقع تكاثر البعوض. ويتضمن هذا عادة زيارة منازل الناس ومحيطها لمعرفة المناطق التي تتجمع فيها المياه الآسنة.
ترشُّ فرقنا البيوت وتبخرها لقتل البعوض البالغ والقضاء على مواقع التكاثر. وتتم هذه الأنشطة في الأماكن التي تأكَّد فيها وقوع حالات مرضية وفي المواقع الأكثر عرضة من غيرها للمرض كالمستشفيات والمدارس والأسواق.
تقديم الرعاية الداعمة للمرضى: التشخيص والعلاج
الحمى الصفراء مرض صعب التشخيص لأن الكثير من أعراضه المعتدلة المشابهة لأعراض بداية الإنفلونزا تشبه أعراض الكثير من أنواع العدوى الأخرى.
كما قد يختلط الأمر بينها وبين الحالات الشديدة من الملاريا أو التسمم أو التهاب الكبد الفيروسي أو أمراض فيروسية معينة أخرى. ويساعد اصفرار العينين بسبب اليرقان الأطباءَ على تشخيص المرحلة المتأخرة من المرض.
ويتطلب التشخيص الطبيّ فحص عينات من الدم في مختبرات متخصصة وهي عادة ما تُجرى فقط في حالة الشك في تفشٍ جديد. وحالما تتأكد أول حالة كحمى صفراء، يمكن الإبلاغ عن وقوع تفشٍ.
خلال وقوع التفشيات تعالج فرقنا المرضى، حيث تقدم لهم الرعاية للتعامل مع الأعراض. وندعم كذلك إدارات الصحة الوطنية و/أو المحلية من خلال إعداد مستشفيات مختارة لتتعامل مع المرضى ومن خلال تدريب طواقم الصحة.
لا يوجد دواء مضاد فيروسي خاص بالحمى الصفراء. وعندما تعالج فرقنا المرضى الذين تكون حالتهم أكثر شدة، فيقتصر الدواء على مكافحة الأعراض كالحمى واليرقان والنزيف. ويمكن للرعاية الداعمة في المستشفى أن تنقذ حياة بعض المرضى.
دعم التقدم في تطوير اللقاحات
أصبح النقص في إمدادات لقاح الحمى الصفراء حاداً بشكل خاص خلال التفشي الكبير بين عامي 2015 – 2016. وسعياً لإيجاد طرق لزيادة عدد الأشخاص الذين يمكن تلقيحهم أثناء التفشيات الكبرى، أجرت منظمة الصحة العالمية مع شركائها، ومنهم مركز إبيسنتر للدراسات الوبائية التابع لأطباء بلا حدود، دراسة أظهرت أن اللقاح فعال حتى استخدام جزء صغير من الجرعة المعتادة (تقريباً خُمس الجرعة).
وبناءً على هذا البحث، استخدمت طواقمنا جرعات صغيرة من لقاح الحمى الصفراء لتحصين أكبر عدد من الناس المعرضين لخطر الإصابة بالفيروس.
وقد اعتَمد الدليل الذي استُخدم للتوصية بإعطاء جرعات صغيرة على عدد محدود من الحالات السريرية.
واستجاب مركز إبيسنتر للدعوة التي وجهتها منظمة الصحة العالمية لإجراء المزيد من البحوث من خلال القيام بتجارب سريرية على سلامة واستمناع (أي قدرة المادة على تحفيز استجابة مناعية) استخدام جرعات صغيرة. وتضمنت التجارب جمع بيانات حول استمرار تحييد الأجسام المضادة وأداء الجرعة الجزئية لدى الأطفال الصغار والسكان في إفريقيا، بمن فيهم المصابين بفيروس نقص المناعة البشري. وفي الدراسة الأولى من نوعها، جرت تجربة لقاحات الحمى الصفراء الأربعة التي وافقت عليها واعتمدتها منظمة الصحة العالمية، والتي تصنّعها شركات مختلفة.
وفي يناير/كانون الثاني 2021، نشرت مجلة "ذا لانست" العلمية نتائج دراسة مركز إبيسنتر التي أظهرت فعالية استخدام خُمس جرعة أيٍّ من اللقاحات الأربعة، ما يعني أنّ تقسيم الجرعات المتوفرة يحقّق حماية الناس من الحمى الصفراء.
ويجب أن تمكن هذه النتائجُ منظمةَ الصحة العالمية من القيام بتوصيات حاسمة حول استخدام الجرعات الصغيرة من لقاح الحمى الصفراء استجابة لاحتياجات الحملات الكبرى. وستكون هذه خطوة مهمة لأطباء بلا حدود ومنظمات غير حكومية أخرى تعمل مع وزارات الصحة، إذ سيصبح من الممكن حماية المزيد من الناس ووقف انتشار الحمى الصفراء بالاستخدام الأمثل للقاحات المتوفرة.