في عام 2023، هزّت العالم مرةً أخرى كوارث طبيعية وحروبٌ ضروس، فواصلت أطباء بلا حدود عملها في دعم الناس الذين يحتاجون إلى الرعاية الطبية والخدمات الأساسية.
فنفذنا أنشطتنا المعتادة، كما بدأنا عمليات طوارئ استجابةً لزلازل قوية ضربت تركيا وسوريا والمغرب وأفغانستان. وقدمنا الدعم للمجتمعات العالقة وسط الحروب في السودان وفلسطين، وفي نزاعات أخرى حول العالم.
واجهتنا تحدياتٌ جمّة في إيصال المساعدات لم تقتصر على إمكانية الوصول إلى المرضى بل تعدتها إلى صعوبات تأمين سلامة فرقنا في خضمّ ظروفٍ تفتقر للأمن.
فبعد أن اندلعت الحرب في السودان في أبريل/نيسان وأدت إلى وقوع عشرات آلاف الضحايا ونزوح نحو 8.5 ملايين شخص عن ديارهم
غير أننا بعملنا في 11 ولاية و30 مرفقًا صحيًا واجهنا تحدياتٍ شديدةً نظرًا لغياب الأمن المزمن ومنع الأطراف المتحاربة وصولنا إلى الناس وإيصال المساعدات، كلّ هذا وسط ضآلة الاهتمام العالمي.
ومع ذلك، فإن دلّت الرعاية الطبية التي نجحنا في توفيرها على شيء فإنّما على إمكانية العمل في السودان. لكننا غالبًا ما نجد أنفسنا المنظمة الإنسانية الوحيدة في المناطق التي نعمل فيها. لذلك وفي ضوء الاحتياجات الهائلة، تبرز ضرورة ملحة وعاجلة للارتقاء بالاستجابة الإنسانية بشكل كبير.
غلَبَنا الرعب ككثيرين غيرنا في السابع من أكتوبر/تشرين الأول على وقع المجزرة التي ارتكبتها حماس في إسرائيل، كما غلبنا الرعب عندما ردت إسرائيل عليها، إذ أننا نحسّ بمعاناة الأسر التي أُخذ أحباؤها رهائن في ذلك اليوم، كما نشعر بمعاناة أسر المحتجزين قسرًا من غزة والضفة الغربية.
وفي فلسطين، حين شنّت السلطات الإسرائيلية هجومها بمنأى عن أي عقاب، اضطرت فرقنا إلى إعادة تنظيم عملها في ظروفٍ صعبةٍ للغاية، فكانت تتنقل في الغالب من مستشفى إلى آخر تحت وقع القصف، مُعرّضةً حياة أفرادها للخطر أملًا بتوفير الرعاية التي من شأنها إنقاذ حياة الناس. إلا أنّ العاملين في الفريق مرهقون والكثير من أفراده في حالة صدمة تامّة. كما أفجعنا مقتلُ ستة من أفراد فرقنا ويؤلمنا فقدانهم. لكننا نواصل عملنا في غزة تحت هذه الظروف الخطيرة أينما وكيفما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.
وقد واصلنا خلال العام جهود النقد الذاتي، حرصًا على تأمين بيئة عملٍ لا مكان فيها للتحرش والإساءة، لا بحقّ أفراد الطاقم ولا بحقّ المرضى. وإننا نلتزم التزامًا لا لبس فيه بتعزيز آليات وإجراءات الوقاية من الإساءة والتحرش والاستغلال ومعالجتها ضمن أطباء بلا حدود، ويشمل هذا إرشاداتٍ توجيهيةً بخصوص الآليات والخطوات المعتَمَدة للتبليغ عن الحالات.
كما أعددنا في عام 2023 ميثاقًا للمرضى يحرص على الكفاءة والسلامة والإنصاف للرعاية الصحية في مشاريعنا. يقوم الميثاق على سبعة مبادئ تهدف إلى طمأنة المرضى بأننا لن نلحق بهم الأذى ونحن نقدم خدمات الرعاية الصحية. تتنوع مبادئ الميثاق، من مثلٍ عُليا عامة وشاملة إلى ممارساتٍ يمكن اعتمادها وتعديلها وفقًا لسياق مشاريعنا والثقافة السائدة فيها.
هذا وقد وضعنا أنفسنا في موضع المساءلة بشأن واجبنا للإدلاء بالشهادة على ما نراه، حرصًا منا على أن نكون أخلاقيين في ذلك وألا نقصّر في احترام مرضانا. وقد التزمنا بإحداث تغييرات بعد أن كنا قد نشرنا بعض الصور الحساسة والإشكالية التي التقطناها في مرافقنا على مرّ تاريخ أطباء بلا حدود. فقد شكّلنا مجموعةً استشاريّةً قوامها خبراء داخليون وخارجيون وأوكلنا إليها مهمة مراجعة محتوى قاعدة بيانات أطباء بلا حدود من الصور وتقديم المشورة في هذا الخصوص. وقد استدعت النتائج التي توصلت إليها إجراء نقاشاتٍ وتأملاتٍ معمّقةً حول الأعراف والمعايير التي تتبعها أطباء بلا حدود في موادها البصرية، كما قدمت اللجنة مقترحاتٍ وحلولًا عملية تضمن كرامة مرضانا وسلامتهم وحرمتهم.
يهدف عملنا الإنساني إلى توفير الدعم والرعاية لمن هم في حاجةٍ إليها. وقد نجحنا في عام 2023 بإدارة مجموعةٍ من برامج الرعاية الصحية الحيوية في أكثر من 70 بلدًا بفضل تفاني فرقنا وسخاء مانحينا. فدعمهم المخلص لنا يمنحنا الشجاعة كي نواصل عملنا رغم المصاعب التي تعترضنا وتفاقم استقطاب الآراء الذي يشهده عالم اليوم. لكم منا خالص الشكر على إيمانكم بعملنا الإنساني.