- شهدت منظمة أطباء بلا حدود ارتفاعًا هائلًا في أمراض الإسهال وسوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة في غزة.
- من دون دخول مساعدات إنسانية قيّمة، سيستمر وقوع المزيد من الضحايا نتيجة أمراض يمكن تجنّبها.
- تحذر منظمة أطباء بلا حدود من أن التوغل العسكري في رفح سيكون بمثابة كارثة وتدعو إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار.
غزة/القدس/برشلونة – دُمِّر نظام الرعاية الصحية في غزة، حيث يعاني الرجال والنساء والأطفال من الخطر المتعاظم لسوء التغذية الحاد، فضلًا عن التدهور السريع لصحتهم الجسدية والنفسية، وذلك وفقًا لتقرير أصدرته اليوم أطباء بلا حدود تحت عنوان "المقتولون بصمت في غزة: تدمير نظام الرعاية الصحية والمعاناة في سبيل النجاة في رفح".
بعد مرور أكثر من ستة أشهر على الحرب في غزة، فلسطين، لا يزال الدمار يمتد إلى ما هو أبعد بكثير من حصيلة القتلى بسبب القصف والغارات الجوية الإسرائيلية. تصف أطباء بلا حدود المعاناة الهائلة التي يواجهها الفلسطينيون في غزة اليوم للحصول على الرعاية الطبية وتحذّر من أعداد كبيرة من الوفيات التي يمكن تجنبها والناجمة عن انقطاع الرعاية الصحية الحيوية.
وفي هذا الصدد، تتساءل رئيسة برامج الطوارئ في أطباء بلا حدود، ماري كارمن فينيوليس، "كم من الأطفال خسروا حياتهم بسبب الالتهاب الرئوي في المستشفيات المكتظة؟ كم من الرضّع خسروا حياتهم بفعل أمراض يمكن الوقاية منها؟ كم من المرضى الذين يعانون من السكري تُركوا من دون علاج؟ وماذا عن العواقب القاتلة لإغلاق وحدات غسيل الكلى في المستشفيات التي هوجمت؟ هذه هي عمليات القتل بصمت في غزة التي لا يُبلّغ عنها وسط كل هذه الفوضى، والناجمة عن انهيار نظام الرعاية الصحية في جميع أنحاء غزة".
كم من الرضّع خسروا حياتهم بفعل أمراض يمكن الوقاية منها؟ كم من المرضى الذين يعانون من السكري تُركوا من دون علاج؟ماري كارمن فينيوليس، رئيسة برامج الطوارئ في أطباء بلا حدود
أفادت فرق أطباء بلا حدود العاملة في رفح أنّ نظام الرعاية الصحية المتهالك والظروف المعيشية غير الإنسانية تزيد أيضًا من خطر تفشي الأمراض وسوء التغذية والتأثير طويل المدى للصدمات النفسية. وتحذر المنظمة من أنّ التوغل العسكري في رفح، بالإضافة إلى الأزمة الإنسانية الحالية في غزة، سيُشكّل كارثة لا يمكن تصورها، وتدعو إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار.
الظروف المعيشية في رفح تُفاقم المشاكل الصحية
وفقًا لتقرير أطباء بلا حدود واستنادًا إلى البيانات الطبية وشهادات المرضى، فالظروف المعيشية في رفح اليوم لا تسمح بالبقاء على قيد الحياة. فهناك نقص حاد في المياه النظيفة للشرب أو الاستحمام، في حين تتراكم القمامة ومياه الصرف الصحي في الشوارع في هذه القطعة الصغيرة من الأرض التي تضم الآن أكثر من مليون شخص نزحوا قسرًا من شمال غزة.
في مركزَيْن فقط من مراكز الرعاية الصحية الأساسية التي تديرها أطباء بلا حدود في منطقتيّ الشابورة والمواصي، تقدّم فرقنا ما متوسطه خمسة آلاف استشارة طبية كل أسبوع، ويرتبط الكثير منها بالظروف المعيشية المتدنية للناس. وأكثر من 40 في المئة من هذه الاستشارات مخصصة للمرضى الذين يعانون من التهابات الجهاز التنفسي العلوي. وشهدت أطباء بلا حدود أيضًا عددًا متزايدًا من الإصابات المشتبهة بالتهاب الكبد A.
وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023، كانت حالات أمراض الإسهال المبلغ عنها بين الأطفال دون سن الخامسة أعلى بمقدار 25 مرّة عما كانت عليه خلال الفترة نفسها من عام 2022. وفي الفترة الممتدة بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2024، عالجت الفرق 216 طفلاً دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد المتوسط أو الشديد، وهي حالة كانت شبه غائبة بالكامل قبل النزاع الحالي.
ومع اكتظاظ المستشفيات بمن يعانون من الإصابات البالغة، فمن لديهم أنواع أخرى من الاحتياجات الطبية، مثل النساء الحوامل المصابات بمضاعفات والمتعايشون مع أمراض مزمنة، غالبًا ما يكونون غير قادرين على تلقي الرعاية التي يحتاجون إليها. وفي المستشفى الإماراتي، حيث تدعم أطباء بلا حدود قسم ما بعد الولادة، تكافح الفرق الطبية للتعامل مع قرابة مئة ولادة يوميًا، أي خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب.
وفي عيادات أطباء بلا حدود، تتزايد الاستشارات المرتبطة بارتفاع ضغط الدم والسكري والربو والصرع والسرطان، حيث يسعى المرضى للحصول على المراقبة والأدوية. ولكن إذا ساءت حالتهم واحتاجوا إلى أدوية أو معدات متخصصة، والتي يصعب الحصول عليها بشكل متزايد في غزة، فالخيارات الأخرى شبه معدومة، ذلك أنّ الكثير من الإحالات الطبية في غزة اليوم متأخرة أو ببساطة غير ممكنة.
ومن دون وقف فوري ومستدام لإطلاق النار ودخول مساعدات إنسانية لازمة، سنرى المزيد من الوفيات.سيلفان غرول، منسق الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود
من ناحية أخرى، فالصحة النفسية لسكان غزة – بما في ذلك الطواقم الطبية – في حالة يرثى لها. يعاني معظم المرضى الذين يصلون إلى عيادات منظمة أطباء بلا حدود من أعراض مرتبطة بالقلق والتوتر، بما في ذلك الحالات النفسية الجسدية والاكتئاب. وقد لجأ بعض الأشخاص الذين يرعون أفراد أسرهم ممن يعانون من اضطرابات نفسية حادة إلى التخدير المفرط للحفاظ على سلامتهم ومنعهم من إيذاء أنفسهم أو الآخرين، وذلك بسبب انعدام الخدمات المتخصصة الفعّالة في غزة.
يمثل دعم أطباء بلا حدود لنظام الرعاية الصحية المدمّر في غزة مهمة صعبة للغاية بسبب انعدام الأمن. كذلك واجهت المنظمة تحديات كبيرة في إدخال الإمدادات الطبية والمساعدات الإنسانية إلى غزة بسبب التأخير والقيود التي فرضتها السلطات الإسرائيلية، والموصوفة بالتفصيل في ملحق التقرير.
يقول منسق الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود، سيلفان غرول، "باعتبارنا منظمة طبية طارئة دولية، لدينا الخبرة والوسائل اللازمة لبذل المزيد من الجهد وتوسيع نطاق استجابتنا. يتمتع الطاقم الطبي الفلسطيني بمهارات عالية ويحتاج فقط إلى أن يُزوّد بالإمكانيات للعمل في ظروف مقبولة وكريمة لعلاج المرضى وإنقاذ حياة الناس. لكن كل هذا لا يزال اليوم مستحيلًا. ومن دون وقف فوري ومستدام لإطلاق النار ودخول مساعدات إنسانية لازمة، سنرى المزيد من الوفيات".
تعمل أطباء بلا حدود حاليًا في ثلاثة مستشفيات في غزة: مستشفى الأقصى (المنطقة الوسطى) ومستشفى رفح الإندونيسي الميداني والمستشفى الإماراتي للولادة (جنوب غزة) بالإضافة إلى ثلاثة مرافق للرعاية الصحية في منطقتيّ الشابورة والمواصي في رفح.
تقدم الفرق الطبية التابعة لأطباء بلا حدود الدعم الجراحي ورعاية الجروح والعلاج الفيزيائي ورعاية ما بعد الولادة والرعاية الصحية الأساسية والتطعيمات وخدمات الصحة النفسية. إلا أن الحصار الممنهج وأوامر الإخلاء على مختلف المستشفيات تدفع بأنشطتنا نحو منطقة أصغر من أيّ وقت مضى وتحدّ من قدرتنا على الاستجابة لاحتياجات الناس.
كذلك توفر أطباء بلا حدود 300 متر مكعب من المياه النظيفة يوميًا في مواقع مختلفة في رفح وتعمل بشكل مستمر على زيادة هذه الكمية. وفي 28 مارس/آذار، أنشأت منظمة أطباء بلا حدود محطة جديدة لتحلية المياه في منطقة المواصي.