تسبّبت سنوات الحرب في اليمن بانهيار النظام الصحي إلى حد كبير، ودمّر القتال المرافق الصحية، بما فيها تلك التي تديرها أو تدعمها منظّمة أطباء بلا حدود.
عقب اندلاع الحرب، أدّى الحصار المفروض على اليمن من قبل التحالف الذي تقوده السعودية وارتفاع معدلات التضخم، إلى شلّ قدرة اليمنيين على الحصول على الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية.
الحرب والعنف
على الرغم من إعلان هدنة بوساطة من الأمم المتحدة في أبريل/نيسان 2022، وتمديدها لغاية أكتوبر/تشرين الأول 2022، التي ساهمت في تقليص حدة القتال، اندلع قتال كثيف في مدينة عتق التابعة لمحافظة شبوة في أغسطس/آب 2022. وقد أتى القتال إلى تدفق المصابين في المستشفيات التي تدعمها أطباء بلا حدود في المدينة وغيرها من مراكز الرعاية الصحية في المحافظة.
وفي حين شجّعت الهدنة بعض الناس على العودة إلى مناطقهم الأصلية، تأثّر المدنيون الذين يتنقلون في المنطقة المحيطة ببني حسن التابعة لمحافظة حجة بشكل كبير جراء انفجارات الألغام.
بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2022، تصاعد القتال بشكل جذري على العديد من خطوط المواجهة في أنحاء اليمن، ما أثار مخاوف ملحّة على سلامة الناس. وقد عالجت طواقم أطباء بلا حدود وكذلك المرافق التي تدعمها المنظّمة أكثر من 90,000 جريحٍ أُصيبوا جرّاء أعمال العنف في 12 محافظةٍ منذ بداية النزاع في مارس/آذار 2015.
ووفقًا لمشروع بيانات اليمن، قُتل أكثر من 2,500 مدني أو جرحوا جراء أعمال العنف المسلحة في اليمن خلال عام 2021، ما يمثّل ارتفاعًا بنسبة 20 في المئة مقارنة بعام 2020.
احتياجات صحية مهملة
في الكثير من الأحيان، تتعرض الكثير من مستشفيات أطباء بلا حدود إلى ضغط كبير جراء أعداد المرضى الذين تستقبلهم. ولا يعود ذلك إلى ارتفاع الطلب على الرعاية الصحية الذي يفرضه النزاع المطوّل وعدد الجهات الصحية المحدود فحسب، بل يعود ذلك أيضًا إلى اضطرار المرضى الذين يحتاجون إلى تلقي العلاج في مرافق الرعاية الصحية الأساسية إلى التماس الرعاية الصحية المتخصصة نظرًا لغياب خدمات الرعاية الصحية الأساسية عالية الجودة التي يمكن تحمّل تكاليفها.
وفي حين تستمرّ بعض المرافق الطبية في الاضطلاع بمهامها، لا يتمكّن معظم الناس من تحمّل تكاليف التنقّل للوصول إليها. ويحول ذلك بالطبع دون قدرتهم على التماس الرعاية في الوقت المناسب، يؤدي إلى تدهور حالاتهم الصحية التي تكون سهلة العلاج عادة، فتُضحي شديدة الخطورة أو مميتة. وغالبًا ما تلد النساء في المنزل من دون أن يلتمسن الرعاية إلا عند حدوث مضاعفات، في حين مازال معدل سوء التغذية بين الأطفال مرتفعًا ويشكّل مصدر قلق كبير في الأشهر المقبلة في ظل الأحداث الدولية التي تؤثّر على الاقتصاد اليمني.
وعلاوة على ذلك، يؤثّر التمويل غير الكافي وعدم كفاءة الاستجابة الإنسانية على تقديم الرعاية الصحية وجودتها على المدى الطويل نظرًا لتقليص بعض الجهات لأنشطتها وتنفيذ الكثير الأنشطة الإنسانية من دون الحرص على إجراء عملتي المراقبة والتقييم بالشكل المناسب لضمان وصول المساعدات إلى الأشخاص الذين تشتدّ حاجتهم إليها.
الكوليرا والديفتيريا
الكوليرا هي عدوى منقولة بالمياه تنتقل عن طريق الأطعمة أو المياه الملوثة أو الاحتكاك المباشر بالأسطح الملوثة. وفي اليمن، تزيد الحرب من صعوبة الحصول على المياه النظيفة والتخلص من النفايات وتلقي الرعاية الطبية.
من هنا، فإن الأمراض المنقولة بالمياه لا تزال تشكّل خطرًا حقيقيًا وقائمًا حاليًا على الأراضي اليمنية، وطواقم أطباء بلا حدود تمتلك المعرفة اللازمة ومخزونات الطوارئ الجاهزة لأي عملية نشر سريع في حال حدوث حالات تفشٍ جديدة للأمراض المنقولة بالمياه. فسبق وعالجت المنظّمة في عام 2019 حوالى 35,100 شخصٍ مصابٍ بالكوليرا.
وفي عام 2017، شهدنا حالات إصابة بالديفتيريا (الخناق)، وهو مرض معدٍ، وضع التلقيح في مرحلة الطفولة حدًا له في معظم البلدان. وكانت حالة الإصابة الأخيرة قد سُجّلت في اليمن في عام 1992، بينما شهد البلد آخر تفشٍ للفيروس في عام 1982. وفي عام 2019، عالجت فرقنا 720 شخصًا مصابًا بالديفتيريا.
الحصبة
أدّى تداعي النظام الصحي اليمني إلى عودة ظهور فاشيات الأمراض التي يمكن الوقاية منها مثل الحصبة، وهي أحد الأسباب الرئيسية للوفاة بين الأطفال الصغار على مستوى العالم. بين أواخر ديسمبر/كانون الأول 2018 وفبراير/شباط 2019، ارتفع عدد حالات الإصابة بشكل ملحوظ، مما دفع السلطات في المحافظات الشمالية لإطلاق حملة تلقيح ضد الحصبة. كما عالجت منظّمة أطباء بلا حدود المصابين بالحصبة في عبس وحيدان وإب وخمر وتعز.
التدخلات الجراحية
أجرت طواقم أطباء بلا حدود 27,100 تدخل جراحي في اليمن خلال عام 2019. واستقبل مستشفى جراحة الطوارئ التابع للمنظّمة في عدن إصابات جماعية في عدة مناسبات.
في الفيديو أدناه، يرافقنا الجراح برنارد لوميناجيه في جولة في مستشفى أطباء بلا حدود الميداني في المخا، والذي أُنشئ خلال معركة الحديدة، وهي مدينة تبعد بضع ساعات بالسيارة عن شمال المخا. في ذلك الوقت، شكّل هذا المستشفى المرفق الجراحي الرئيسي المتواجد بين خط المواجهة والمستشفيات جنوبًا في عدن.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، استهدفت غارة جوية مبانٍ محيطة بالمستشفى، فألحقت به أضرارًا كبيرة. ولكن سرعان ما استؤنفت الأنشطة ويواصل طاقمنا التعامل بانتظام مع تدفق عشرات المصابين بجروح خطيرة في آن معًا.
كما يُجري الطاقم بشكل متزايد عمليات قيصرية طارئة للنساء ذوات الولادات المتعسرة التي تشكّل خطرًا وشيكًا عليهن أو على أطفالهن.
الحصبة
أدّى تداعي النظام الصحي اليمني إلى عودة ظهور فاشيات الأمراض التي يمكن الوقاية منها مثل الحصبة، وهي أحد الأسباب الرئيسية للوفاة بين الأطفال الصغار على مستوى العالم. وفي عام 2021، عالجت أطباء بلا حدود 1,078 شخصًا أُصيب بالحصبة في عبس وحيدان وإب وخمر وتعز.
الهجوم على مرافق الرعاية الصحية
في عامَي 2019 و2020، قتل دخلاء مسلّحون مرضى كانوا يتلقون الرعاية الطبية داخل مستشفى الثورة الذي تدعمه منظّمة أطباء بلا حدود في جنوب غرب اليمن. وتعرّض هذا المستشفى وحده لأكثر من 40 حادثة عنف منذ عام 2019، شملت أعمال القصف.
منذ مارس/آذار 2015، تعرّض المدنيون الطواقم الطبية والمرافق الصحية لهجمات من قبل جميع الأطراف المتحاربة في اليمن. وقد تأثرت سيارات أطباء بلا حدود ومرافقها وطواقمها خلال 7 حوادث تشمل 5 ضربات جوية شنها التحالف الذي تقوده السعودية وعملتي قصف أخريين. وقد تدمّر مستشفى أطباء بلا حدود في مديرية حيدان في محافظة صعدة في أكتوبر/تشرين الأول 2015، وتضرّرت أو دُمرت المرافق الطبية الأخرى التي نديرها أو ندعمها، بما في ذلك في تعز (2015) وعبس (محافظة حجة، 2016 و2018)؛ شعارة (محافظة صعدة، 2016) والمخا (محافظة تعز، 2019).
أجبرتنا كل واحدة من هذه الحوادث على تعليق أنشطتنا وحرمان الناس من الرعاية الطبية بالغة الأهمية. طالبت منظّمة أطباء بلا حدود الأطراف المتحاربة مرارًا وتكرارًا باتّخاذ جميع التدابير اللازمة لاحترام المرافق الصحية والمستشفيات باعتبارها مساحات للأنشطة الإنسانية، وبإنهاء كافة الهجمات العشوائية وغيرها من الانتهاكات التي تهدّد حياة العاملين الصحيين والمرضى ومقدمي الرعاية.