في 25 من شهر يوليو/تموز، وقعت فاجعة أخرى في المتوسطّ.
غرق نحو 150 شخصًا في عرض البحر أثناء محاولتهم الفرار من ليبيا، ما رفع حصيلة الذين قضوا غرقًا في وسط البحر الأبيض المتوسّط في عام 2019 حتى اليوم إلى 576 شخصًا على الأقل. تكشف خسارة الأرواح هذه التي كان بالإمكان تفاديها عن شبه انعدام الجهود المخصّصة للبحث والانقاذ، وتثبت أنّ أولئك الذين يفرون من ليبيا يواجهون ظروفًا مروعة.
شهدت منظّمة أطباء بلا حدود بنفسها مباشرة على نتائج سياسات اعتراض واحتجاز المهاجرين واللاجئين التي تودي بحياة الكثيرين. بدخولنا إلى مراكز الاحتجاز في ليبيا نشهد معاناة إنسانية تطال عددًا هائلًا من المحتجزين.
بالنسبة للكثير من الناجين من الكارثة التي وقعت في 25 يوليو/تموز، ما من بصيص أمل يلوح في الأفق مشيرًا إلى احتمال خروجهم من الحلقة المفرغة من الاحتجاز التعسفي والعنف والاستغلال.
ما زال هناك أشخاص محتجزين في تاجوراء في مركز الاحتجاز نفسه الذي استهدفته غارة جوية منذ شهر. أسفرت هذه الغارة عن مقتل 53 شخصًا وإصابة 70 أخرين.
ويقول طبيب عامل لدى أطباء بلا حدود زار موقع الحادثة، "رأيت جثثًا في كل مكان وأشلاء ظاهرة من بين الأنقاض. مشهد ملطّخ بالدماء. اضطررت إلى التوقف في مكاني في مرحلة ما لأنّ الجثث سدّت الطريق. كنت أعرف الكثيرين من بين الذين لقوا مصرعهم بالأسماء وأعرف قصصهم أيضًا".
يبدو أنّه من المقبول لدى القادة الأوروبيين أن يغرق الناس في عرض البحر مقابل وقف وصول المهاجرين واللاجئين إلى قارتهم.
إنّ الوفيات التي وقعت في تاجوراء كانت متوقعة، وكان بالمقدور تفادي وقوعها، تماماً كما يمكننا تفادي غرق الناس في البحر. وسيستمر عدد الوفيات بالارتفاع طالما يتم تجاهل النداءات التي تدعو إلى إجلاء المحتجزين. لا شيء يحمي الناس في الوقت الحالي من الوقوع ضحية إما الغارات الجوية أو المزيد من العنف الذي ترتكبه الميليشيات في ليبيا.
إنّ إجبار الناس على العودة إلى مراكز الاحتجاز يعدّ بالنسبة للكثيرين حكمًا بالإعدام.
إنّ المأساة الإنسانية التي يعاني منها العالقون في ليبيا هي من صنع الإنسان. عندما توقفت "عملية صوفيا" عن الإبحار، لم يعد بمقدور القادة الأوروبيين التظاهر بأنّهم يبادرون إلى إنقاذ حياة الناس في البحر المتوسّط.
بات أمام الذين يحاولون الفرار من ليبيا إما البقاء قيد الاحتجاز أو تعريض حياتهم للخطر في البحر. يبدو أنّه من المقبول لدى القادة الأوروبيين أن يغرق الناس في عرض البحر مقابل وقف وصول المهاجرين واللاجئين إلى قارتهم. ما من مبرّر للاحتجاز الذي يقبع قيده الناس في ليبيا أو للموت الذي يُتركون لمواجهته في البحر على عتبة القارة الأوروبية.
في الأسابيع الأخيرة، دعا عدد من القادة الأوروبيين إلى وضع حلول مستدامة لمسألة البحث والانقاذ وإلى وضع حد للاحتجاز التعسفي في ليبيا. في الواقع، لا تحتمل المسألة الانتظار، ويجب عليهم ترجمة أقوالهم إلى أفعال في أقرب وقت ممكن. ينبغي السماح للاجئين والمحتجزين في ليبيا بالهرب إلى مكان آمن، كما يجب التوقّف عن إعادتهم قسرًا إلى المكان الذي يفرّون منه.
إنّ نطاق المساعدة التي يمكن للمنظّمات غير الحكومية والمنظّمات الإنسانية تقديمها إلى المحتجزين في ليبيا وفي البحر محدود للغاية. وحدكم أنتم أيها القادة الأوروبيون لديكم القدرة على كسر حلقة الاحتجاز والمعاناة والموت.
على القادة الأوروبيين السماح بإجلاء جميع المحتجزين تعسفياً. تبيّن أنّ الأمر ليس مستحيلًا وذلك منذ فترة قصيرة فقط. ومع ذلك، مقابل كل شخص يتم إجلاؤه أو إعادة توطينه، يجبر ثلاثة آخرون على العودة إلى ليبيا على يد خفر السواحل الليبي، علمًا بأنّه يتلقى الدعم من الاتحاد الأوروبي من خلال الحصول على مراكب إضافية.
إذا أراد القادة حقًا العمل وفق ما يصرّحون به أمام الرأي العام، لا بد من وضع حدّ لهذه الأعمال التي تتناقض مع أقوالهم.
في 25 يوليو/تموز، توجّهت فرق منظّمة أطباء بلا حدود إلى موقع الحادثة لتقديم الرعاية لـ135 شخصًا من بين الناجين، لكن اللوم ألقي علينا أيضًا لموت من قضوا.
هذا وأعلنت أطباء بلا حدود إلى جانب منظمة "أس أو أس ميديتيراني" عن استئناف عمليات البحث والإنقاذ الضرورية لإنقاذ الأرواح في وسط البحر الأبيض المتوسط. وها نحن نُتّهم من جديد بأنّنا نشكّل أحد "عوامل الجذب" التي تشجّع الناس على الفرار من ليبيا.
لكنّ الحقائق تثبت أنّ هذه الادعاءات عارية من الصحة. إنّ الأشخاص المحاصرين الذين يواجهون العنف في ليبيا ويحرمون من حقوقهم الإنسانية الأساسية سيستمرون في الفرار من أجل الحفاظ على حياتهم. غريزة البقاء هي غريزة إنسانية فطرية تدفع بالناس إلى الفرار سواء كانت أو لم تكن سفن المنظمات غير الحكومية تدير عمليات البحث والإنقاذ.
ما لا شك فيه أنّ المأساة الإنسانية التي تواجه اللاجئين والمهاجرين في ليبيا مسألة يمكن تفاديها بشكل كامل. ينبغي اعتماد إجراءات واضحة وملموسة تتضمّن إعادة إطلاق عمليات البحث والإنقاذ على نطاق واسع. ينبغي أيضًا وضع آليات واضحة يتم العمل بها لإنزال الركاب في موانئ آمنة. كما ينبغي إجلاء آلاف اللاجئين والمهاجرين العالقين في مراكز الاحتجاز من ليبيا على وجه السرعة.
إنّ نطاق المساعدة التي يمكن للمنظّمات غير الحكومية والمنظّمات الإنسانية تقديمها إلى المحتجزين في ليبيا وفي البحر محدود للغاية. نحن لا نقوى على تغيير الوضع بأنفسنا.
وحدكم أنتم أيها القادة الأوروبيون لديكم القدرة على كسر حلقة الاحتجاز والمعاناة والموت.
يعتمد مصير آلاف الأشخاص على قراراتكم. لم يعد بوسعهم الانتظار أكثر من ذلك.