Skip to main content
Thalassemia in Zahleh

إنقاذ حياة الأطفال المصابين بالتلاسيميا في لبنان

تعالج فرق أطباء بلا حدود في لبنان الأطفال المصابين بمرض التلاسيميا منذ عام 2018، وهو اضطراب جيني في الدم، ويحتاج هذا المرض في أشكاله الشديدة لعلاج مركَّز تقدمه أطباء بلا حدود في مستشفى الأطفال بمدينة زحلة الواقعة شرقي البلاد في وادي البقاع. 

التلاسيميا مرض وراثي ناجم عن تغيِّر في الجينات اللازمة لتركيب خضاب الدم، في الجزيء المسؤول عن حمل الأوكسجين في الدم. وإذا لم يعالج المريض فقد يصبح متوسط عمره المتوقع أقصر بكثير. ويتطلب العلاج نقل الدم، لكن هذا يسبب زيادة حِمل الحديد في الدم، ما يؤدي إلى أمراض في القلب والكبد وغيرها، لذلك يحتاج مرضى التلاسيميا إلى خالبات الحديد. 

تقدم وحدة التلاسيميا التابعة لأطباء بلا حدود في مستشفى إلياس الهراوي رعاية شاملة متعددة التخصصات تشمل التشخيص ونقل الدم والأدوية الخالبة للحديد والدعم النفسي الاجتماعي والاستشارات.

توفير علاج التلاسيميا في البقاع اللبناني للسوريين واللبنانيين
أطفال يتلقون نقلاً للدم في جناح رعاية التلاسيميا الذي تديره أطباء بلا حدود في مستشفى الياس الهراوي في زحلة. لبنان، أكتوبر/تشرين الأول 2020
Mohammad Ghannam/MSF

توفير علاج التلاسيميا المجانيّ للاجئين السوريين والمجتمع اللبناني

برنامج أطباء بلا حدود هو البرنامج الوحيد في البلد الذي يقدم رعاية شاملة مجانية للأطفال المصابين بالتلاسيميا، بدون تمييز على أساس الجنسية. معظم الأطفال المرضى اليوم هم لاجئون سوريون، وبعضهم من الأسر اللبنانية الفقيرة. 

مع الانهيار الاقتصادي في لبنان والأثر الاقتصادي لجائحة كوفيد-19 الذي أصاب الأسر الضعيفة أكثر من غيرها، فإن الحاجة لبرنامج يواصل تقديم الرعاية المنقذة للحياة لهؤلاء الأطفال لازمة أكثر من أي وقت مضى. 

التلاسيميا مرض يصعب على أي طفل التعايش معه، ويحتاج إلى دخول المستشفى بشكل متكرر، أحياناً ثلاث مرات في الشهر، ووخزات إبر متكررة، وتناول أدوية كل يوم طيلة حياتهم والعيش مع مضاعفات المرض. على الأطفال المصابين بالتلاسيميا التعامل مع ضغط الحياة المختلفة بطرق عديدة عن حياة أقرانهم، وتعلُّم التعامل مع حالة مزمنة. 

لكن العيش مع التلاسيميا يصبح أصعب بالنسبة للأطفال اللاجئين في لبنان، حيث أن الوصول إلى الرعاية الصحية العامة محدود للغاية للسوريين، مثل الطفلين والأخوين عباس ويوسف.

توفير علاج التلاسيميا في البقاع اللبناني للسوريين واللبنانيين
تم تشخيص عباس (5 أعوام) بالتلاسيميا عندما كان يبلغ من العمر ستة أشهر فقط. يتلقى عباس نقلاً للدم كلّ أسبوعين في جناح رعاية التلاسيميا الذي تديره أطباء بلا حدود في مستشفى الياس الهراوي في زحلة. لبنان، أكتوبر/تشرين الأول 2020
Mohammad Ghannam/MSF

التعايش مع التلاسيميا في سوريا التي مزّقتها الحرب

تتذكر أمونة، أم الطفلين عباس ويوسف، الأسباب التي جعلتها هي وزوجها يقرران أخذ أولادهما إلى لبنان. فقد عانوا لسنوات من القصف عندما استولت جماعة الدولة الإسلامية على بلدة منبج التي كانوا يقطنونها ذلك الوقت. لم تسمح الجماعة للمدنيين بمغادرة البلدة – ولم تعد أمونة قادرة على السفر إلى ثاني أكبر مدينة سورية، مدينة حلب، لشراء الدواء الذي يحتاجه ولداها للحفاظ على معدل الحديد في دمهما منخفضاً.

ثم حين استولت قوات سورية الديمقراطية الكردية على المنطقة، أصبح السفر ممكناً من جديد، لكن خدمات نقل الدم كانت شبه متوقفة. وتقول أمونة: "لمدة ثلاث سنوات كنت أرتب عملية نقل الدم في البيت". وتضيف أنها كانت تطلب من الناس في الحي التبرع بالدم. "لقد كانت فترة صعبة جداً".

لقد زدنا عدد الأطفال الذين نعالجهم من 74 إلى 96 طفلاً. نتمنى لو كان بإمكاننا فعل المزيد لنستجيب للاحتياجات، إلا أننا محدودون بأسعار أدوية التلاسيميا المرتفعة. د. ليلى عيسى، مديرة الأنشطة الطبية في برنامج أطباء بلا حدود

تمكنت أمونة وزوجها من أخذ أولادهما إلى لبنان آملين أن تكون الحياة هناك أسهل. لكنهم سرعان ما اكتشفوا التكاليف الباهظة للرعاية الصحية في العيادات الخاصة بلبنان. كانوا على وشك الاستسلام والعودة إلى سوريا عندما علموا عن برنامج أطباء بلا حدود في مستشفى إلياس الهراوي في زحلة الذي يقدم رعاية شاملة مجانية لمرضى التلاسيميا أياً كانت جنسيتهم. 

وتضيف أمونة التي تعمل في مزرعة محلية بأجر يومي، وزوجها يعمل نجاراً: "هنا في المستشفى يتلقى ولداي نقل الدم والدواء الذي يحتاجون. ونحن نأتي هنا منذ نحو ثلاث سنوات". 

يقدم البرنامج الذي تديره أطباء بلا حدود في مستشفى إلياس الهراوي في قلب زحلة حالياً العلاج ل96 طفلاً لديهم تلاسيميا. وتقول د. ليلى عيسى، مديرة الأنشطة الطبية في برنامج أطباء بلا حدود: "لقد زدنا عدد الأطفال الذين نعالجهم من 74 إلى 96 طفلاً في نوفمبر/تشرين الثاني". وتتابع: "نتمنى لو كان بإمكاننا فعل المزيد لنستجيب للاحتياجات، إلا أننا محدودون بأسعار أدوية التلاسيميا المرتفعة".


بناء رابط أقوى مع الأطفال وأسرهم

عباس ويوسف هم من بين الأطفال الذين يحضرون إلى المستشفى دورياً . يعرف أفراد الطاقم مدى أهمية رفع معنويات الأطفال عندما يأتون لنقل الدم كل أسبوعين أو أربعة أسابيع.

وتقول د. ليلى أن المستشفى قد أصبح مع الوقت "المكان الآمن، ومكان اللعب" لمرضى التلاسيميا.

هو أكثر من مجرد مركز طبي – هنا تتعلم الأسر عن المرض، كيف ينتقل وكيف يمكن الوقاية منه، وأهم من كل ذلك أن حياة أولادهم المصابين بالتلاسيميا يمكن إنقاذها.

بالنسبة لها، أحد أهداف المشروع هو أن يرى الأطفال "أنهم ليسوا وحدهم، أنه يمكنهم الذهاب إلى المدرسة وأن يكبروا ويذهبوا للجامعة، ويستطيعوا الزواج وإنجاب أطفال أصحاء".

يُعد بناء رابط قوي مع أسر الأطفال المصابين بالتلاسيميا أمراً مهماً بشكل خاص لأن المرض مرهق للغاية من الناحية العاطفية لكل من المرضى الصغار وأهاليهم.

وتضيف د. ليلى: "لقد حقق المشروع دون شك فارقاً كبيراً في حياة هذه الأسر".

ويؤكد د. علاء أبو فرح، طبيب الأطفال العامل مع أطباء بلا حدود: "التلاسيميا بشكل عام حالة صعبة جداً على الأهل والأطفال". ويقول أن بعض الأسر تضطر للسفر مسافات طويلة للوصول إلى المستشفى من أجل نقل الدم المنتظم والمتابعة.

ويقول د. علاء: "يواجهون مصاعب نفسية وعندنا مرشد نفسي يزورهم ليدعمهم". ويساعد قسم الأنشطة الخارجية في أطباء بلا حدود الأهالي على تسجيل أولادهم في المدرسة.

توفير علاج التلاسيميا في البقاع اللبناني للسوريين واللبنانيين

كوفيد-19 وانفجار بيروت يضيفان إلى تحديات الحصول على الرعاية

وفقاً للأمم المتحدة، هناك نحو 880,000 لاجئ سوري في لبنان. نحو 40 في المئة منهم يعيشون في وادي البقاع حيث يوجد مشروع التلاسيميا التابع لأطباء بلا حدود.

إن انهيار الاقتصاد اللبناني وأثر جائحة كوفيد-19 قد صعّبا على الأسر السورية اللاجئة الوصول إلى خدمات الصحة العامة المثقلة مسبقاً. الكثير من السوريين يعيشون كمهاجرين غير مسجلين في لبنان، لا سيما الذين يعيشون في المخيمات المرتجلة المنتشرة في وادي البقاع. ويعد إيجاد عمل كريم أمراً صعباً بدون إقامة قانونية ومعارف، ما يترك الكثير من السوريين في دائرة من الفقر. 

لقد أثرت جائحة كوفيد-19 على أسر الأطفال المصابين بالتلاسيميا من عدة نواحٍ. ويقول عامل الصحة المجتمعية سامي موسى أن الأثر الأكبر هو الصعوبات المتزايدة في تأمين تبرعات الدم التي تنقذ حياة مرضى التلاسيميا. وفي ظل قيود جائحة كوفيد-19، غالباً ما تكون الطرق المؤدية إلى البلدات مغلقة والتجمعات العامة محظورة.

ويقول موسى: "نحاول جهدنا أن نحث الناس الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين حولنا على التبرع بالدم، لكن هناك صعوبة في ذلك لأن الناس يتجنبون التعامل مع الطواقم الطبية إلا إذا كانت لديهم ضرورة طبية. هم خائفون منا بسبب عملنا، ويعتقد بعض الناس أننا نشكل خطر عدوى كوفيد-19". 

زاد الانفجار الذي ضرب مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس/آب 2020 من صعوبة الوضع. عندما كان موسى وفريقه يتحدثون للناس على أمل أن يتبرعوا بالدم عقب الانفجار، كان الكثيرون يجيبون أنهم تبرعوا للجرحى.وتشكل قلة المتبرعين خطراً أكبر على ذوي زمر الدم النادرة كزمرة الدم (O سلبي) أو (AB سلبي). 

ويضيف موسى: "نقوم بتوسيع المناطق التي نستهدفها لإيجاد متبرعين. سنواصل السعي والكفاح. هذه هي الطريقة الوحيدة". 

وتقول غرام غانم، مشرفة العلاقات الخارجية في أطباء بلا حدود لبرنامج زحلة، أن أحد الطرق التي تحرص هي وزملائها من خلالها على توفُّر ما يكفي من تبرعات الدم هي توفير المواصلات للمتبرعين إلى مراكز الصليب الأحمر اللبناني التي تعمل مع أطباء بلا حدود. 

وتقول غرام: "نقل الدم الذي يتم في المستشفيات مكلف جداً". وتضيف أن الأسر اللاجئة والأسر الأخرى الضعيفة تواجه بالفعل صعوبة في تأمين طعامها، ناهيك عن التكاليف الطبية.

المقال التالي
لبنان
تحديث حول مشروع 8 يناير/كانون الثاني 2021