Skip to main content
Battery Park Picture
التقرير الدولي عن أنشطة أطباء بلا حدود لعام 2023

تشخيص السل وعلاجه: إنجازات ثورية بعد رحلة دامت عقدًا من الزمن

الحرب في غزة: اطّلع على استجابتنا
اقرأ المزيد

قاد تضافر الجهود على مدار العقد الماضي إلى إنجازاتٍ ثوريّةٍ في مكافحة السل، شملت خياراتٍ علاجيةٍ أقصر مدّةً وأكثر فعالية وتخفيضاتٍ مهمّة في أسعار الأدوية والاختبارات.

رغم إمكانية الشفاء من السل إلا أنه لا يزال من الأسباب الرئيسية للوفيات حول العالم، إذ يصيب كلّ عام نحو 10.6 ملايين شخص فيما يزيد عدد وفيات السل عن 1.3 مليون مريض سنويًاتقرير السل العالمي لعام 2023 الصادر عن منظمة الصحة العالمية.

وصحيحٌ أن السل مرضٌ معروف منذ آلاف السنين، إلا أن خيارات الوقاية منه وفحوصات الكشف عنه وعلاجاته، ولا سيما الأشكال المقاومة للأدوية منه، ظلّت محدودةً لغاية عام 2010 تقريبًا حين بدأنا نشهد تقدمًا مهمًا تُوّج بإنجازاتٍ ملحوظة تحققت في عام 2023.

تجارب سريرية شكّلت منعطفًا ثوريًا في علاج السل المقاوم للأدوية المتعددة

حين بدأت الإنجازات العلمية تبرز اعتبارًا من عام 2010 ومنها ثلاثةُ أدوية جديدة (بيداكويلين وديلامانيد وبريتومانيد) واختبارٌ تشخيصي جزيئي سريع يدعى جين إكسبرت، كانت أطباء بلا حدود من أوائل من عمل على نشرها. فقد كان المصابون بالسل المقاوم للأدوية المتعددة آنذاك يعانون من برامج علاجية مؤلمة يمتد الواحد منها على مدار سنتين، وكان عليهم تناول 20 حبة دواء يوميًا طيلة تلك الفترة، إضافةً إلى حُقنٍ يومية مؤلمة لمدة تصل إلى ثمانية أشهر.

أدّت تلك العلاجات غالبًا إلى أعراض جانبية شديدة تشمل الذهان وفقدان السمع، ورغم هذا كلّه، لم تكن نسبة الشفاء سوى حوالي 55 في المئة تقريبًا. ولأن أطباء بلا حدود وقفت شاهدًا على تلك الرحلة العلاجية الطويلة والمدمرة التي يخوضها المصابون بالسل المقوم للأدوية المتعددة، فقد بدأت وشركاؤها ثلاث تجارب سريرية مبتكَرة ألا وهي TB-PRACTICALhttps://msf.org.uk/tb-practecal  وendTB وendTB-Qhttps://endtb.org/  بهدف تأمين برامج علاجية أفضل وأكثر سلامةً وأقصر مدة للمصابين.

وقد جاءت تلك التجارب في محاولةٍ لسدّ الفجوة التي خلّفتها شركات الأدوية بعدما طرحت أدويةً جديدةً في السوق لكنها لم تقم بالخطوة الأخيرة المتمثلة في إيجاد التوليفة الأنسب من تلك الأدوية بحيث تتمكّن من شفاء المصابين بالسل المقاوم للأدوية المتعددة.

وفي عام 2023، أثمرت أخيرًا سنوات من الجهود المتفانية التي عادت بالفائدة الملموسة على المصابين بالسل وعلى برامج مكافحة السل الوطنية. وجاء الإنجاز الأول بنشر البرنامج العلاجيبرنامج BPaLM اختصار للأحرف الأولى من العقارات التي يتضمنها: بيداكويلين (B) وبرتومانيد (Pa) ولينيزوليد (L) وموكسيفلوكساسين (M). BPaLM الذي يمتد لستة أشهر ويعتمد على أدوية فموية بالكامل، حيث خضع للدراسة في إطار تجربة TB-PRACTICAL، علمًا أنه يجمع عقاري بيداكويلين وبريتومانيد بأدوية أقدم مثل لينيزوليد وموكسيفلوكساسين، ليحقق نسبة شفاء مذهلة تبلغ 89 في المئة. وإقرارًا بتفوقه من حيث فعاليته الكبيرة وقصر مدّته وخلوّه من الحقن وعدم سميّة أدويته وكونه يناسب الجميع، فقد باتت منظمة الصحة العالمية توصي به من ضمن علاجات الخط الأول المفضّلة للمصابين بالسل المقاوم للأدوية المتعددة الذين تتجاوز أعمارهم 14 عامًا.

نتائج التجربة السريرية EndTB
د. راميا تعاين مريضة مصابة بالسل المقاوم للأدوية خلال زيارة متابعة في عيادة السل المقاوم للأدوية. بيون، الهند، في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
Siddhesh Gunandekar/MSF

وقد شهد العام أيضًا صدور النتائج الرائدة التي حققتها تجربة endTB التي نفذتها أطباء بلا حدود وشملت ثلاث برامج علاجية إضافية تعتمد على أدوية فموية بالكامل ومدة الواحد منها تسعة أشهر، إذ تستخدم فيها دواء بيداكويلين و/أو ديلامانيد. وقد كشفت النتائج مدى نجاعتها وسلامتها بالنسبة للمصابين بالسل المقاوم للأدوية المتعددة. وتقدّم برامج endTB خيارات علاجية جديدة للمصابين ومنهم الأشخاص الّذين لا يناسبهم عقار بريتومانيد كالأطفال والنساء الحوامل. كما أظهر برنامج رابع ضمن تجارب endTB نتائج جيدة ويمكن اعتماده للتخفيف من البرامج الطويلة لمن لا يناسبه دواء بيداكويلين و/أو لينيزوليد بسبب مقاومتهما أو عدم قدرة المرضى على تحملهما.

وانتهت في أوائل عام 2023 مرحلة إدراج المرضى في تجربة endTB-Q السريرية التي تقيّم برامج علاجية تستهدف الأشكال الأكثر شدّةً من السل والمعروفة بمصطلح السل شديد المقاومة للأدوية، ويتوقع صدور النتائج في أوائل عام 2025.

يشار إلى أن كلّ هذه التجارب جعلت من البرامج العلاجية الأقصر أمدًا والأكثر سلامة وفعالية حقيقةً واقعة للسل المقاوم للأدوية المتعددة، ممّا أدى إلى تحسنٍ هائلة في مستوى تحمل العلاج بين المصابين به. كما تُخفّفُ هذه الأنظمة العلاجية الجديدة من التحديات التي تواجه برامج مكافحة السل والأطباء في تقديم العلاج.

إنجازات كبرى تذلّل عقبات التشخيص والعلاج

لن يضمن الجميع حصولهم على هذه العلاجات الأقصر أمدًا والأكثر سلامة للأسف. فهناك عقبات كثيرة منها أن الأدوية الجديدة المعتمدة في هذه البرامج باهظة الثمن، وهذا يعود بشكل رئيسي إلى براءات الاختراع التي تحميها شركات الأدوية. لكن عام 2023 شهد إحراز تقدمٍ مهم بعد أكثر من عقد من أنشطة المناصرة والضغوط المتواصلة التي مارستها حملة توفير الأدوية الأساسية التابعة لأطباء بلا حدود والناشطون في مكافحة السل حول العالم.

ففي أغسطس/آب 2023 وفي خطوةٍ تاريخية، خفّضت شركة الأدوية الأمريكية جونسون آند جونسون سعر عقار بيداكويلين بنسبة 50 في المئة، لتصير تكلفة العلاج به لمدة ستة أشهر 130 دولارًا أمريكيًاStopTB, https://www.stoptb.org/news/stop-tbs-global-drug-facility-announces-historic-price-reductions-to-55-bedaquiline-life-saving،  وهي الكمية المطلوبة لإتمام دورة علاجية كاملة وفق برنامج BPaLM. جاءت هذه الخطوة بعدما نجحت ناجيتان من السل، ألا وهما نانديتا فينكاتيسان وبوميزا تيسيل، في إحباط محاولة الشركة تمديد احتكارها لبراءة اختراع بيداكويلين في الهند في شهر مارس/آذار. وعندها أعلنت جونسون آند جونسون سحبها براءات الاختراع الثانوية من كافة البلدان التي تعاني من عبء السل، لتسمح بإنتاج أدوية جنيسة أرخص ثمنًا. وسيؤدي خفض السعر هذا إلى توفير 26 مليون دولار أمريكي للصندوق العالمي على مدار الأعوام الثلاثة المقبلة تقديم بريندا وانينغ، رئيسة مرفق الأدوية العالمي، خلال ندوة على الإنترنت بعنوان ’غرفة عمليات السل‘ التي نظمتها شراكة القضاء على السل والصندوق العالمي ومنظمة الصحة العالمية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومؤسسة بيل ومليندا غيتس في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023.،  وبالتالي سيسمح لهذه البلدان بشراء ما يكفي من عقار بيداكويلين لتنفيذ 450,000 برنامج علاجي إضافي مدة الواحد منها ستة أشهر.

ضغوط الرأي العام التي مارستها حملة Time for $5... آتت بثمارها في سبتمبر/أيلول عندما أعلنت شركة الأدوات والاختبارات التشخيصية الأمريكية سيفيد، وشركتها الأم داناهر، عن خفض بمعدل 20 في المئة في سعر اختبار جين إكسبرت المستخدم في تشخيص السل.
فني المختبر يقوم بتركيب الخراطيش في جهاز GeneXpert

سجّل عام 2023 نصرًا آخر غير مسبوق على صعيد أدوات تشخيص السل. فضغوط الرأي العام التي مارستها حملة Time for $5 التي أطلقتها حملة توفير الأدوية الأساسية في عام 2019 بمشاركة أكثر من 150 منظمة مجتمع مدني، آتت بثمارها في سبتمبر/أيلول عندما أعلنت شركة الأدوات والاختبارات التشخيصية الأمريكية سيفيد، وشركتها الأم داناهر، عن خفض بمعدل 20 في المئة في سعر اختبار جين إكسبرت المستخدم في تشخيص السل، ليهبط من 9.98 إلى 7.97 دولارًا أمريكيًا. وسيفضي هذا إلى وفورات قدرها 32 مليون دولار أمريكي سنويًا على مستوى الصندوق العالمي، أي 3.6 مليون اختبار إضافي يمكن للبلدان شراؤها كل عام، مما يعود بالفائدة المباشرة على المصابين بالسل، إذ يمكن تشخيص مرضهم بدقة وفي الوقت المناسب. وتتوقع أطباء بلا حدود توفير 150,000 دولار أمريكي سنويًا، ممّا يحرر موارد يمكن توجيهها لبرامج أخرى تشمل العلاج والدعم النفسي الاجتماعي.

الأطفال يستفيدون أيضًا

شهد العام أيضًا زيادةً في عدد الأطفال الذين شُخّصت إصابتهم بالسل في مواقع تجريبية تطبّق توصيات منظمة الصحة العالمية الجديدة، كما شهد انطلاقة بحث عملياتي متعدد المواقع ودراسة استقصائية للسياسات في عددٍ من البلدان. تمثل هذه المبادرات جزءًا من مشروع متعدد الأقسام يجري في بلدان متعددة بعنوان تكتيك TACTiC (اختصار لجملة "Test, Avoid, Cure Tuberculosis in Children" التي تعني بالعربية "لنفحص ونتجنب ونشفي السل لدى الأطفال")، وهو برنامج اعتُمِد في عام 2023.

هذا ولا يزال المصابون بالسل وفرق أطباء بلا حدود يواجهون تحديات في إدارة السل كل يوم. ونعمل في عام 2024 على تحسين فرص تأمين البرامج العلاجية والأدوات التشخيصية الجديدة في مشاريعنا وخارجها، وسنضاعف مرّة أخرى جهودنا على صعيد المناصرة لنعزّز وفرتها ونخفّض تكاليفها. ويكشف التقدم المذهل الذي حققته أطباء بلا حدود وشركاؤها عام 2023 كيف أن الجهود الموحّدة والمتواصلة تؤدي بمرور الوقت إلى تغييرات جوهرية في حياة المصابين بالسل.

المقال التالي
أطباء بلا حدود