يعمل الأسترالي روبرت أونوس منسقاً ميدانياً في مشروع منظّمة أطبّاء بلا حدود في أبو غريب في بغداد. ومع استمرار احتدام الصراع في بغداد، يشرح أونوس عن الوضع الذي يواجهه الشعب العراقي ويفسّر عن برنامج المنظّمة الرامي إلى تلبية احتياجات النازحين الطبية في منطقة أبو غريب في بغداد.
"تقدّم منظمة أطباء بلا حدود الرعاية الطبية للسكان النازحين والمهملين في بغداد منذ فبراير شباط عام 2015. وهذا العام، افتتحنا مركز رعاية طبّية رئيسي في أبو غريب، في القسم الغربي من المدينة. وتاريخ منطقة أبو غريب حافل باستقبال النازحين، ومنذ العام 2014، التمس ما يزيد عن 20,000 عائلة نازحة من الأنبار اللجوء إلى هنا. ويوفر المركز الصحي التابع لمنظّمة أطبّاء بلا حدود استشارات مجانية في العيادات الخارجية وحول الصحة الإنجابية للنازحين بالإضافة إلى السكان الذين يعانون من نقص في الخدمات نتيجة النزاع.
كما وندير عيادات متنقلة في مناطق يصعب الوصول إليها على مشارف بغداد، حيث الوصول إلى الرعاية الطبية محظور. وتهدف هذه العيادات توفير الخدمات الطبّية للأفراد الذين غادروا مؤخرًا مناطق نزاع أو الذين يعيشون في مناطق حيث حال القتال دون وصول الخدمات الأساسية.
600,000 شخص نازح في منطقة بغداد
في السنة الفائتة، قدّمنا ما يزيد عن 20,000 استشارة سواء من خلال العيادات المتنقلة أو المركز الطبّي، والأمر مجرّد غيض من فيض حاجات السكّان في المنطقة. فهنالك ما يزيد عن 3.3 مليون عراقي نازح داخل بلدهم وتستضيف بغداد وحدها ما يزيد عن 600,000 نازح. فهذه العائلات التي كانت تعيش في بلداتها وقراها الخاصة خسرت اليوم كل ما تملك.
ويعيش عدد كبير من النازحين داخل مبانٍ غير مكتملة، ومدارس، ومساجد أو داخل مستوطنات مؤقتة، وسط ظروف صعبة للغاية في كثير من الأحيان. وفي أبو غريب خصوصًا، نشهد على معاناة الناس جرّاء الوصول المحدود إلى المياه، وانعدام النظافة، والمساكن المكتظّة. وتتفاقم هذه الظروف مع حلول الصيف حين تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية.
إضافة إلى الأوضاع المعيشية السيئة والوصول المحدود إلى الرعاية الصحية، نشهد على ظهور العديد من الأمراض التي يمكن الوقاية منها مثل الالتهابات التنفسية والتهابات الجلد، كما نرى أيضًا مرضى يعانون من أمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم، والسكري، وأمراض القلب، إنّما يعجزون عن الوصول إلى أطبائهم أو الحصول على أدويتهم.
ففي الظروف العادية، كان هؤلاء سينجحون بتدبّر مشاكلهم الصحّية بفضل النظام الصحي الوطني، ولكنّ النزاع لم يدفع بالناس خارج من منازلهم وحسب، بل تسبّب أيضًا بتضرّر الكثير من المرافق الطبّية أو تدميرها، أو جعلها بكل بساطة تعاني من نقص في الموظفين.
وأحد أهمّ التحديات هو النقص في الجهات الفاعلة في المجال الإنساني في بغداد والمناطق المجاورة. فمعظم المنظّمات الدولية تصبّ تركيزها على القسم الشمالي من البلاد حيث الوضع أكثر استقرارًا وأمانًا. ولذلك، انخراط جهات فاعلة إنسانية إضافية في المجالات المختلفة، وليس فقط مجال الرعاية الصحية، هو أمر أساسي لتلبية الاحتياجات الأساسية الخاصة بالشعب هنا.
ويقوم دوري كمنسّق ميداني على ضمان تمكّن فرقنا الطبية، من أطباء، وممرضين، وصيادلة، والمرشدين الصحيين، من معالجة المرضى مع أدنى حدّ من الحواجز. ويعني ذلك أن أمضي الكثير من الوقت في عقد الاجتماعات مع ناس من مختلف شرائح المجتمع والتفاوض معهم: كالسلطات الحكومية، وضباط الأمن، وقادة المجتمع المحلي والديني. يجدر بنا أن نضمن أن يفهموا من نحن، والسبب الكامن خلف وجودنا هنا، وما الذي نفعله.
وفي هذا السياق، أن نضمن فهم الشعب لاستقلالنا وحيادنا أمر بغاية الأهمية. نعالج كل فرد يقصد عياداتنا بغضّ النظر عن المكان الذي يأتي منه أو عن معتقداته. وبالطبع، لا أنجز هذه المهام بمفردي، فيضمّ فريقنا في بغداد ما يزيد عن 50 شخصاً، ويعمل الكثير منهم خلف الكواليس ليضمن أن تتمكن الفرق الطبية من قضاء أكبر قدر ممكن من الوقت مع المرضى.
قدرة خارقة على التغلّب على المشاكل
تتأثّر بغداد بشكل حادّ بهذا النزاع. فالتفجيرات وإطلاق النار باتت حوادث يومية، وبطريقة أو بأخرى، وبعد كل هذه الفترة، أصبح الناس هنا غير مبالين للعنف. ومع ذلك، من جهة أخرى، وبالرغم من المأساة التي تحيط بنا، ما زال الناس يؤمنون بالمدينة ويتمسكون بآمالهم المرتبطة بالمستقبل. يملك الناس قدرة خارقة على التغلّب على المشاكل هنا.
يصعب تخيّل الآلاف، إن لم تكن الملايين، من القصص المأساوية إنّما الملهمة أيضًا التي يسردها الناس. وعدد كبير من موظفينا نزح من منازله وغالبًا ما أتمنى أن أحظى بالوقت اللازم للاستماع مباشرةً للقصص المتعدّدة... سيبدأ شهر رمضان في غضون بضعة أيام، وآمل أن أحظى بالفرصة للانضمام إلى زملائي لنستريح لبعض الوقت وننعم ببعض السلام والسعادة.