في أغسطس/آب 2011، افتتحنا مستشفى للإصابات البالغة في قندوز الواقعة في شمال أفغانستان. قدّم المستشفى رعاية جراحية عالية الجودة ومجانية إلى المرضى الذين يعانون من كافة أشكال الإصابات البالغة.
تمثّلت البداية بتقديم الرعاية ضمن حاويات الشاحنات، بعدها انتقل المستشفى إلى بناء داخل مركز المدينة. وعند وقوع الضربة الجوية في أكتوبر/تشرين الأول 2015، كان المستشفى مجهزاً باثنين وتسعين سريراً وغرفة إسعاف وغرفتين للعمليات ووحدة للعناية المركزة وقسم للمرضى الخارجيين وجناحين للصحة النفسية والعلاج الفيزيائي، بالإضافة إلى تجهيزات للأشعة السينية ومخبر طبي.
وقد استثمرت فرقنا بشكل كبير في توظيف وتدريب الطاقم الطبي المحلي.
حبل نجاة للسكان
كان مستشفى قندوز هو المرفق الوحيد من نوعه في شمال شرق أفغانستان، إذ كان على ذوي الإصابات الخطيرة قبل افتتاحه تحمّل رحلة طويلة وخطرة إلى العاصمة كابول أو إلى باكستان لتلقي العلاج الضروري.
منذ افتتاح المستشفى في عام 2011، أُجريت أكثر من 15 ألف عملية جراحية وتم تقديم العلاج إلى أكثر من 68 ألف مريض.
وخلال فترة بضع سنوات فقط، أصبح المستشفى حبل نجاة للأشخاص في قندوز والمحافظات المجاورة.
المستشفى على خط الجبهة
خلال سبتمبر/أيلول عام 2015، اشتد القتال بين قوات الحكومة والمعارضة وانتقل إلى مدينة قندوز نفسها.
وفي 28 سبتمبر/أيلول 2015، أصبح المستشفى الخاص بنا فجأة وسط خط جبهة متنقل بسرعة عندما حاولت المعارضة المسلحة السيطرة على مدينة قندوز.
انهمك فريقنا بالعمل مع وصول مئات الجرحى. وفي الأيام الخمسة التي سبقت الهجوم، كانت فرقنا قد عالجت 376 مريضاً في غرفة الإسعاف.
وعشية الهجوم، استقبل المستشفى 105 مرضى وتواجد فيه أيضاً 140 فرداً من طاقمنا الدولي والمحلي، من بينهم 80 شخصاً مناوباً في تلك الليلة.
الهجوم من الجو
في الساعة 2:08 من صباح السبت في 3 أكتوبر/تشرين الأول، شرعت طائرة حربية أمريكية من طراز AC-130 بإطلاق 211 قذيفة على مبنى المستشفى الرئيسي حيث كان المرضى نائمين في أسرتهم أو يخضعون إلى عملية في غرفة العمليات.
قُتل اثنان وأربعون شخصاً على الأقل، بما في ذلك أربعة وعشرون مريضاً وأربعة عشر فرداً من الطاقم وأربعة أشخاص من مقدمي الرعاية للمرضى، بينما أصيب سبعة وثلاثون شخصاً آخرين.
احترق المرضى في أسرّتهم، أما أفراد الطاقم الطبي فقد انفصلت رؤوسهم عن أجسادهم أو فقدوا أطرافاً لهم، بينما تم إطلاق النار من الهواء على أشخاص الآخرين وهم يهربون من المبنى المحترق.
استمر الهجوم من الجو حوالي الساعة. تعرّض بناء المستشفى الرئيسي إلى ضربات دقيقة ومتكررة، في حين بقيت الأبنية المحيطة سليمة بشكل كامل تقريباً.
طوال فترة الضربات الجوية، اتصلت فرقنا دون جدوى مع السلطات العسكرية من أجل إيقاف الهجوم.
في أعقاب الهجوم
عقب الهجوم، شرع فريقنا بنقل الجرحى والمرضى إلى منطقة آمنة. حاولوا إنقاذ حياة الجرحى من زملائنا ومرضانا بعد إقامة غرفة عمليات مؤقتة في إحدى الغرف التي لم تتضرر.
وفي الأيام التي تلت الهجوم، أعلن الجيش الأمريكي مسؤوليته عن الضربة الجوية معلناً أنها كانت حادثاً غير مقصود.
زعم الجيش الأمريكي بأنه تلقى تقاريراً عن وجود نشط لأحد ميليشيات طالبان. إلا أن طاقمنا ذكر عدم وجود مقاتلين مسلحين أو أي عمليات قتالية قبل حصول الضربة الجوية.
وكما هو الحال في كافة مشاريعنا، عالجت فرقنا المرضى وفقاً لاحتياجاتهم الطبية ودون أي تمييز يستند إلى عرق المريض أو معتقداته الدينية أو انتمائه السياسي أو طرف النزاع الذي ينتمي إليه.
عندما وقعت الضربات، كان هناك عدد صغير من جرحى ميليشيا طالبان، وبالتالي لم يكونوا من المقاتلين، يتلقون العلاج في المستشفى، كما تواجد عدد من أفراد القوات الحكومية.
الوضع من داخل المستشفى يبدي أن هذا الجهوم وقع بهدف القتل والتدمير. ولكننا لا نعلم لماذا.كريستوفر ستوكس، المدير العام لمنظمة أطباء بلا حدود
تحقيق مستقل
وقع الهجوم على الرغم من أننا قدمنا إحداثيات (موقع) مستشفى علاج الإصابات البالغة التابع لنا إلى كل من وزارة الدفاع الأمريكية ووزارتي الداخلية والدفاع الأفغانية والجيش الأمريكي في كابول، وذلك منذ يوم الثلاثاء في 29 سبتمبر/أيلول.
وفي حين أجرى كل من الجيشين الأمريكي والأفغاني تحقيقاً خاصاً بهما وأصدرا نتائج التحقيق، فإننا غير راضين عن عدم إجراء تحقيق مستقل ونزيه من قبل الأطراف المعنية.
وبالنظر إلى كل هذا، وإضافة إلى عدم توفر تفاصيل ومعلومات في الفترة التي سبقت الضربات الجوية أو فيما يخصها، فقد طالبنا بإجراء تحقيق مستقل حول الهجوم.
طلبنا من اللجنة الدولية الإنسانية لتقصي الحقائق أن تتحقق من معطيات هذا الحدث. أُنشئت هذه اللجنة في عام 1991 وفقاً لمعاهدة جنيف التي تحكم قواعد الحرب، وهي لا تعد هيئة من هيئات الأمم المتحدة. وقد أُنشئت اللجنة الدولية الإنسانية لتقصي الحقائق تحديداً من أجل أن تحقق بشكل مستقل في انتهاكات القانون الإنساني الدولي، مثل الهجوم على المستشفيات والتي يجب أن تكون محمية في مناطق النزاعات.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أصدرنا تقييماً داخلياً خاصاً بنا حول الهجوم.
دمّر الهجوم قدرتنا على معالجة المرضى في وقت هم في أمس الحاجة إليها. لا يمكن لمستشفى عامل يُقدِّم الرعاية للمرضى أن يفقد حصانته ويتعرض للهجوم.الدكتورة جوان ليو، الرئيسة الدولية لمنظمة أطباء بلا حدود
الحصول على الرعاية في قندوز في هذه الأيام
بعد مرور ما يناهز أربعة أعوام على تدمير مركز علاج الإصابات البالغة في قندوز، فإن الحاجة إلى تقديم الرعاية للإصابات البالغة المنقذة للحياة مرتفعة للغاية في ظل غياب الرعاية الطبية المجانية.
ما يزال الوضع الأمني في المنطقة متقلباً وستستمر الاحتياجات الطبية بالازدياد.
عقب الهجوم، شاركنا بنقاشات مع كافة أطراف النزاع على مدى عام ونصف وخلصنا إلى التزامات رسمية تتيح لنا البدء بتقديم الرعاية الطبية في قندوز بشكل تدريجي.
حصلنا على التزامات صريحة بأن طاقمنا ومرضانا ومستشفياتنا لن تتعرض للهجوم وبأننا نستطيع معالجة أي شخص يحتاج إلى الرعاية الطبية، بغض النظر عن العرق أو الانتماء السياسي أو طرف النزاع الذي ينتمي إليه.
ندرك بأن ليس ثمة ضمانات كاملة عند العمل في نزاع قائم، ولكننا نؤمن بأن عملية المفاوضات والالتزامات التي حصلنا عليها يتيحان لنا المضي قدماً والعمل مرة أخرى في قندوز، وذلك مع إدارة المخاطر التي ترافق تقديم رعاية الإصابات البالغة في هذا السياق.
إن إعادة إطلاق أنشطتنا في قندوز عملية تتم خطوة بخطوة – وكخطوة أولى، وفي يوليو/تموز عام 2017، افتتحنا عيادة خارجية للأشخاص الذين يعانون من إصابات وجروح طفيفة.
هذا وبدأنا ببناء مستشفى جديد لعلاج الإصابات البالغة في قندوز، سيصبح جاهزاً للافتتاح بحلول نهاية عام 2019.
تخليداً لذكراهم
ما نزال نشعر بالحزن والأسى لفقدان زملائنا ومرضانا. نفتقد بشدّة زملاءنا الأربعة عشر الذين قضوا في الهجوم ولن ننساهم أبداً. أسماؤهم مخلّدة في ذاكرة المنظّمة، وهم:
-
عبد المقصود: توفي بعمر 22 عاماً، وكان مسؤولاً عن تنسيق معلومات المرضى.
- عبد الناصر: توفي بعمر 22 عاماً، وكان عامل نظافة.
- عبد السلام: كان ودوداً ويسيراً، توفي بعمر 29 عاماً وعمل كممرض في غرفة العمليات.
- عبد الستار ظهير: توفي بعمر 47 عاماً، كان طبيباً وعمل كنائب المدير الطبي في مركز علاج الإصابات البالغة في قندوز.
- أمين الله باجوري: كان أباً عمره 32 عاماً وطبيباً في غرفة الطوارئ.
- لال محمد: توفي بعمر 28 عاماً، وكان بمثابة المرشد للممرضين الأصغر سناً.
- محمد إحسان عثماني: توفي بعمر 32 عاماً، وكان طبيباً شاباً في وحدة العناية المركزة يمتلك حماساً والتزاماً كبيرين تجاه مرضاه.
- محب الله: كان عمره 38 وأباً ملتزماً وممرضاً متمرساً في غرفة الطوارئ، انضم إلى فريق عمل مركز علاج الإصابات البالغة في قندوز قبل ثلاثة أعوام من الهجوم.
- نجيب الله: كان أباً عمره 27 عاماً، عمل مع منظمة أطباء بلا حدود منذ أغسطس/آب من عام 2011 كعامل نظافة في غرفة الطوارئ.
- نصير أحمد: توفي بعمر 23 عاماً وعمل كممرض في وحدة العناية المركزة. انضم إلى منظمة أطباء بلا حدود في يونيو/حزيران عام 2014.
- شفيق الله: كان يبلغ 39 عاماً من العمر وعمل كحارس منذ فبراير/شباط عام 2015.
- تحصيل: كان أباً يبلغ عمره 35 عاماً وعضواً محبوباً في فريق الصيدلية في مركز علاج الإصابات البالغة في قندوز منذ افتتاح المشروع.
- ذبيح الله: كان عمره 29 عاماً ومتزوجاً وعمل كحارس في المستشفى منذ فبراير/شباط 2015.
- زياور رحمن: كان يبلغ 23 عاماً من العمر وممرضاً في وحدة العناية المركز بدأ عمله مع منظمة أطباء بلا حدود في ديسمبر/كانون الأول من عام 2013.