Skip to main content
MSF Trauma Center - Taiz

مرافق الرعاية الطبية مستهدفة براً وجواً

نشرت على موقع "إنديبيندينت" الإيرلنديّ في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2018. 

قبل بضعة أيام، بينما كنت أستعد للذهاب للعمل هنا في صنعاء، كنت أستمع لصوت الطائرات الحربية التابعة للتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، تحلق في سماء المنطقة. فبينما أكون أنا مشغولًا بإعداد قهوتي والتخطيط لبرنامج عملي اليومي، يكون الطيارون مشغولين بروتينهم الصباحي وهو أن يجوبوا السماء فوقي، وغالبًا ما يقومون بإسقاط قنابل تهز الأرض تحت أقدامي.


منذ ازدياد حدة النزاع الحالي في 2015، تعرضت المرافق الطبية التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود لعدة ضربات جوية. كان بعضها قاتلاً وأدّت آثارها لتغيير حياة مرضانا والمجتمعات التي تعتمد على خدماتنا. كما وتعرض بعض موظفي المنظمة للاعتقال وتم إطلاق النار عليهم،  ووضعت  إحدى العبوات الناسفة في أحد مستشفياتنا. وفي أحد أكثر الهجمات فظاعة، دخل رجال مسلحون إلى مستشفى تدعمه منظمة أطباء بلا حدود وأطلقوا النار على أحد المرضى بينما هو ممدّد على طاولة العمليات في غرفة الجراحة. وقد نجا هذا المريض بأعجوبة.


اتخذنا مؤخرًا، قرارًا صعبًا بإغلاق أحد مشاريعنا في محافظة الضالع، الواقعة جنوب اليمن. وقد تم اتخاذ القرار بعد سلسلة من  الأحداث الأمنية، والتي بلغت ذروتها في هجوم استهدف سكن موظفينا والهجوم الذي طال المستشفى الذي تدعمه منظمتنا بعد ذلك ببضعة أيام.


وبعيدًا عن كون هذه الحوادث فريدة من نوعها، فإنها تعتبر مجرد أمثلة إضافية تساهم في حرمان المحتاجين لهذه الخدمات، من الحصول عليها.


الاحتياجات الطبية في كافة أنحاء اليمن


عملت منظمة أطباء بلا حدود على زيادة أنشطتها في اليمن بشكل كبير مع تصاعد أعمال النزاع. وحتى اليوم، تمكنا من علاج 110 آلاف مريض من الكوليرا وقدمنا خدمات التوليد  لنحو 60 ألف طفل والرعاية الطبية لأكثر من 800 ألف مريض بغرفة الطوارئ. وقد استجبنا لاحتياجات السكان بأفضل ما نستطيع ولكن الفجوة الحاصلة في الخدمات الطبية الإنسانية المقدّمة في البلاد، هائلة- حتى بالمقارنة مع أماكن نزاع أخرى نعمل فيها.


ومن خلال العمل بشكل مباشر في كافة أرجاء الدولة – وعلى كلا الجبهتين – تأتي تأثيرات هذه المخاوف الطبية التي نشهدها إما كنتيجة مباشرة، أو كعواقب، لهذا النزاع الوحشي الذي لا يلقى التغطية الكافية.


ومنذ بدء القتال، انهار نظام الصحة العامة في اليمن، حيث لا تتوفر لدى المرافق الطبية العامة سوى إمدادات محدودة جدًا من الأدوية، كما أنه لم يتم دفع رواتب العاملين في مجال الرعاية الصحية منذ أغسطس / آب 2016. ومن الصعب فهم حجم ونطاق الأزمة الموجودة، ولكن يمكنك تصور أن الهيئة التنفيذية للخدمات الصحية غير قادرة على دفع رواتب موظفيها لما يقرب من ثلاث سنوات، ويمكنك أن تتخيل أكثر الوضع الحالي لخدمات الرعاية الطبية في اليمن. والرعاية الطبية ليست سوى أحد الخدمات الأساسية التي  يعتمد عليها السكان للبقاء على قيد الحياة والتي تدهورت نتيجة النزاع. 

يتضاعف مدى تأثير تبعات النزاع في اليمن بسبب التجاهل العملي للقانون الدولي الإنساني من قبل جميع الأطراف في اليمن. أليكس دون، مسؤول الشؤون الإنسانية في منظمة أطباء بلا حدود في اليمن

لهذا الانهيار التصاعدي في نظام الرعاية الصحية تأثير مدمّر على صحة السكان البالغ عددهم 27 مليون نسمة، وهو نتيجة للنزاع المستمر في اليمن وللحظر والهجمات على المرافق الطبية، إضافة للاقتصاد الذي انهار بالكامل – حسب مصادر داخلية وخارجية على حد سواء.


ونتيجة لذلك، فإن التبعات الطبية للنزاع التي نشهدها في مستشفياتنا ليست عادية – إلا أن ذلك أمر مُتوقع في حالة مثل اليمن. إذ أننا نشهد عودة للأمراض المميتة التي يمكن الوقاية منها باللقاحات (الكوليرا والحصبة والدفتيريا)، ونشهد أيضاً الفجوة الهائلة في رعاية الأم والطفل، والجوع الحاد، والحاجة الملحة إلى زيادة خدمات الرعاية المقدمة لجرحى الحرب. 


هذا من دون الأخذ في الاعتبار حتى عدم القدرة على علاج الأمراض المزمنة وغير السارية التي تتطلب العلاج المتواصل مثل السرطان والسكري وغسيل الكلى. وتقتصر إمكانيات منظمة أطباء بلا حدود على مراقبة هذه الأمراض وعلاجها بحسب ما نقدر عليه في جميع أنحاء البلاد.


وعلى الرغم من إمكانية مقارنة تبعات النزاع مع ما نشهده في مناطق النزاع الأخرى، إلا أن مدى تأثيرها يتضاعف بسبب التجاهل العملي للقانون الدولي الإنساني من قبل جميع الأطراف في اليمن.


الحاجة إلى توسيع هائل لنطاق المساعدات الإنسانية


يجب أن يكون هناك زيادة كبيرة في الرعاية الصحية الأولية المستقلة وذات الجودة في اليمن. وقد واظبنا على الدعوة إلى هذا الأمر خلال السنوات الثلاث الماضية، ومع ذلك لم نشهد تحسناً مناسباً على أرض الواقع.


ما نراه هو أن الجهات الإنسانية الفاعلة كثيرًا ما تواجه عواقبَ في عملها من قبل كافة الأطراف وعلى كافة الصُعد. كما أن المنظمات العاملة في اليمن مقيدة بسبب العقبات الإدارية المتعلقة بتقييم المواقع وتوفير المساعدات في أجزاء كثيرة من اليمن. وينتج عن ذلك عدم القدرة على رصد وتقييم تأثير برامجها على نحو ملائم في جميع أنحاء البلاد.
إن منظمة أطباء بلا حدود تواجه كل يوم تحديات في استيراد الأدوية التي تنقذ الأرواح، وتأمين تأشيرات الدخول والعودة وضمان التحركات الآمنة لموظفينا العاملين في مجال الرعاية الطبية الإنسانية. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه المخاطر، فإننا نبذل قصارى جهدنا لتوفير خدمات الرعاية الطبية التي تنقذ الأرواح في اليمن.


المعضلة الإنسانية


من بين المعضلات الأخرى التي تواجه اليمن أن الأطراف الرئيسية في النزاع، وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وهي أيضاً الجهات المانحة الرئيسية للمساعدات الإنسانية من خلال الأمم المتحدة – حيث قدمت نحو 71٪ من مساعدات الإغاثة في عام 2018. وهو ما يضع قصف المستشفيات بيد وتوقيع شيك لإعادة بناءها باليد الأخرى، ويعمل على تشويه مفهوم – وأمن – منظمات الإغاثة والمنظمات الإنسانية المستقلة مثلنا في اليمن. ولذلك يجب على الدول غير المرتبطة بهذا النزاع زيادة تمويلها الإنساني لمواجهة هذه الأزمة.

المقال التالي
اليمن
تحديث حول مشروع 31 مايو/أيار 2019