50 عاماً مرت على إطلاق منظمة أطباء بلا حدود عملها الإنساني الطبي، و20 عاماً على بدء "الحرب العالمية على الإرهاب". خلال تلك السنوات العشرين، لم تعد مكافحة الإرهاب تقتصر على العمليات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة رداً على هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001. فقد ساهمت "حرب الولايات المتحدة على الإرهاب" في تعبيد الطريق أمام العديد من الدول الأخرى، وحثّها على القيام بمعاركها الخاصة ضد الأعداء المحليين والعابرين للحدود، من دون الخضوع إلى القيود التي عادةً ما تنطوي عليها النزاعات المسلحة القائمة بين الدول.
قد لا يفرض هذا الواقع تغييراً جذرياً في طبيعة الحروب، لكنه غيَّر في الحُجج المستخدمة لتبريرها. واليوم، تُعرَّف النزاعات القائمة في إثيوبيا، واليمن، وسوريا، والعراق؛ ونيجيريا، وموزمبيق، ومالي، وأماكن أخرى تُحصى، على أنها "معارك ضد الإرهاب". ويبدو أن هذا التوجّه مرشّحٌ للاستمرار. فالدول المعنية قد تجد في محاربة عدو مصنّف على أنه "إرهابي" ما يبيح لها ممارسة فائضٍ من قوتها في تلك النزاعات.
أصدرت أطباء بلا حدود تقريرًا جديدًا، "ذر الملح على الجرح"، الذي يسلّط الضوء على تداعيات حروب مكافحة الإرهاب على العاملين في الخطوط الأمامية في المنظمة.
منهجية البحث العلمي
لا يهدف المشروع البحثي الذي عُرضت نتائجه هنا إلى تتبّع الجهود التي بذلتها منظمة أطباء بلا حدود على مدى سنوات عديدة للتعامل مع بيئات مكافحة الإرهاب فحسب، بل يرمي أيضاً إلى السماح لعاملي منظمة أطباء بلا حدود في الخطوط الأمامية مشاركة خبراتهم في بعض البلدان الأكثر تأثراً بعمليات مكافحة الإرهاب، أي أفغانستان والعراق ونيجيريا . سعى الباحثون إلى تحديد الإجراءات التي ثبتت فعاليتها عند توفير الرعاية الصحية في هذه البيئات، وبالتالي إلى معالجة أوجه القصور التي تشوب المعرفة العامة الحالية.
تهدف المنهجية المتّبعة في إجراء هذا البحث إلى فهم مدى تأثير عمليات مكافحة الإرهاب على إمكانية توفير رعاية صحية إنسانية محايدة، وذلك استناداً إلى التجارب المباشرة للعاملين مع منظمة أطباء بلا حدود في الخطوط الأمامية. تقوم هذه المنهجية على مراجعة واسعة النطاق للمؤلفات والمقابلات مع المخبرين الرئيسيين. وقد تمت مراجعة 111 وثيقة خارجية (إلى جانب حجم مماثل من وثائق منظمة أطباء بلا حدود الداخلية) رُمِّزت حسب الموضوع لأغراض المقارنة. بالإضافة إلى ذلك، أُجريت حوالي 44 مقابلة مع المخبرين الرئيسيين (حوالي 50 في المائة منهم من طاقم منظمة أطباء بلا حدود) حملت ترميزاً مواضيعياً حسب المواضيع والأنماط الناشئة.
بعد ذلك، جُمعت البيانات النوعية من خلال مقابلات متعمقة حيّة أو عبر الإنترنت مع 26 موظفاً من موظفي منظمة أطباء بلا حدود المعيّنين محلياً في ثلاثة بلدان. عمل هؤلاء الموظفين البالغ عددهم 26 بشكل مباشر في بيئات تعرضوا فيها لتدابير مكافحة الإرهاب وعملياته. في جميع الأحوال، ارتبطت موافقتهم على المشاركة في البحث بالحفاظ على السرية التامة لما تنطوي عليه هذه المشاركة من مخاطر.
لاختيار البلدان، قمنا بتحليل مجموعة من 42 بلداً تعمل فيها منظمة أطباء بلا حدود حالياً، وهي من البلدان التي يحتمل أن تتأثر بعمليات مكافحة الإرهاب. ولاحظنا أن ثمانية من هذه البلدان اتخذت تدابير وأنظمة لمكافحة الإرهاب بالشكل الأكثر وضوحاً ودلالةً. من بين تلك البلدان الثمانية، تعد أفغانستان والعراق ونيجيريا حتى الآن أكثر البلدان تضرراً من التهديد المتصور للإرهاب، وأكثرها تأثراً بانعكاس تداعيات هذا التهديد على التطورات التشريعية والعمليات العسكرية . يتركز قدر كبير من الحجم التشغيلي لمنظمة أطباء بلا حدود في هذه البلدان الثلاثة الممتدّة عبر ثلاث مناطق جيوسياسية، الأمر الذي يتيح التمثيل التشغيلي والجغرافي.
شملت المعايير المتّبعة لاختيار المشاركين ما يلي: العمل مع منظمة أطباء بلا حدود في الخطوط الأمامية لإحدى البلدان الثلاثة المذكورة أعلاه؛ وتولّي مهمات قد تتأثر بشكل مباشر بممارسات مكافحة الإرهاب ، والاستعداد للمشاركة في البحث عبر التصريح عن موافقة مستنيرة.
تفسير النتائج وتحليلها: نُسِخَت 26 مقابلة متعمقة (استمرت أكثر من 17 ساعة في المجموع) (224 صفحة من النصوص)، ورُمِّزت حسب الموضوع. بعدها، تم تحليل هذه الرموز، ومقارنة النتائج بين البلدان الثلاثة، وبين ردود الطاقم الطبي وغير الطبي، مع مراجعة المؤلفات ومقابلات المخبرين الرئيسيين المُرمَّزة سابقًا حسب الموضوع.
نال بروتوكول البحث موافقة بعد مراجعة دقيقة من مجلس المراجعة الأخلاقية.