بعد 20 عامًا على قرع طبول ما يُعرف بـ’الحرب على الإرهاب‘<p>الحرب العالمية على الإرهاب هي حملة عسكرية بدأتها الولايات المتحدة الأميركية عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.</p>، بات تقديم الرعاية الطبية غير المتحيزة صعبًا وخطرًا جراء سياسات مكافحة الإرهاب ونتائجها. وعليه، يجب أن يُمنح العاملون في المجال الإنساني إعفاءات من تدابير مكافحة الإرهاب. ويشير التقرير الذي أصدرته أطباء بلا حدود مؤخرًا بعنوان "ذر الملح على الجرح” إلى هذه الضرورة، من خلال تسليط الضوء على تداعيات حروب مكافحة الإرهاب على عاملي المنظمة في الصفوف الأمامية.
وتقول الباحثة الرئيسية التي عملت على التقرير من قسم التحليل في أطباء بلا حدود، لوث سافيدرا، "يتعرض موظفو أطباء بلا حدود الّذين يعملون في الخطوط الأمامية للمضايقة والتخويف والضرب، كما يُتهمون بدعم الإرهاب في حين أنهم يقدمون رعاية صحية غير متحيزة".
ويقوم التقرير على بحث نوعي اشترك فيه طاقم أطباء بلا حدود الّذي يعمل أو كان يعمل في الخطوط الأمامية في أفغانستان ونيجيريا والعراق. ويركز التقرير على العناصر المشتركة بين البلدان الثلاثة. ويصف طاقم المنظمة في روايات متشابهة نزاعات مكافحة الإرهاب بـ’الحروب القذرة‘ التي "لا يسلم منها أحدٌ".
يجب استثناء المنظمات الإنسانية غير المتحيزة ونأيها عن الأنظمة القانونية والتكتيكات العسكرية التي باتت جزءًا لا يتجزأ من الحرب على الإرهاب.فرنسواز سولنييه، مديرة الشؤون القانونية في المكتب الدولي لأطباء بلا حدود
ويشير التقرير إلى الخطر الفعلي والفردي الّذي يتعرض إليه العاملون في المجال الطبي من جراء سياسات مكافحة الإرهاب والممارسات المرتبطة بها. فقد أفاد نحو ثلثي الموظفين الّذين أجابوا على أسئلة الباحثين أنهم شهدوا أو تعرضوا مباشرة للعنف أو التخويف أو اتهموا بدعم ’الإرهاب‘ في الوقت الّذي كانوا يعالجون فيه المرضى على أساس الحاجة فقط. هذا واستعملت القوى المسلحة العنف على أبواب المرافق الصحية وداخل أجنحة المستشفيات وفي سيارات الإسعاف على الطريق لمنع طاقم المنظمة من معالجة المرضى بناءً على احتياجاتهم الطبية ووفقًا للأخلاقيات الطبية.
وبالنسبة للعاملين في الخطوط الأمامية، بات التفريق بين تكتيكات ما يسمى بالإرهابين ومن يتصدى لهم في غاية الصعوبة.
إن الحصول على الرعاية الصحية بات يُعرقَل أو يُمنَع عن مجتمعات بأكملها. وغالبًا ما لا تفرق القوات المسلحة بين السكان والمسلحين وتعتبرهم خصمًا عدائيًا واحدًا. فتحاول أن تبرر تجريد السكان من الحماية الممنوحة لهم بموجب القانون الدولي بوصفهم ’إرهابيين‘ أو ’داعمين للإرهاب‘.
وسلط جميع الموظفين الضوء على الأهمية البالغة للحياد، إذ أنه مبدأ إنساني يقضي بمعالجة المرضى على أساس الحاجة فقط. كما أشاروا إلى ضرورة دعم هذا المبدإ والدفاع عنه في سياقات مكافحة الإرهاب. وفي المقابل، أشار المشاركون في البحث أيضًا كيف يؤدي تمتعهم بالحياد الفعلي إلى تعرضهم لهجوم متواصل بطرق ملموسة وخطيرة جدًا.
وفي هذه الصدد، تقول سافيدرا، "من المشين أن تتوقع الدول من العاملين في المجال الصحي أن يرفضوا تقديم العلاج للمرضى بناءً على اعتبارات سياسية وعسكرية. تصنّف الأطراف التي تخوض حروب مكافحة الإرهاب فرقنا على أنّها جزء من استراتيجيتها العسكرية؛ فيرحّب بنا عندما نعود عليها بالمنفعة ويُرفض وجودنا عندما ترى أننا لا نخدم أهدافها السياسية والعسكرية".
وتضيف سافيدرا، " إنه أمر لا يمكن القبول به، إذ يمنعنا من معالجة المرضى ويتعارض مع كل ما ترمز إليه الإنسانية".
وأشار المشاركون في البحث إلى اعتقاد المجموعات المسلّحة المعارضة أنّ المجموعات الإنسانية عادة ما تكون قريبة من الدول التي تخوض حروب مكافحة الإرهاب، ما يثير شكوكًا في صفوفها وغالبًا ما ترفض التعامل مع أطباء بلا حدود والمنظمات الإنسانية الأخرى. وفي الوقت الراهن، تجد أطباء بلا حدود نفسها غالبًا محصورة في جانب واحد من خط المواجهة بصحبة قوة مكافِحة للإرهاب تسعى إلى الاستفادة، مقابل معارضة عدائية أو رافضة للتحدث معها.
وتوفر نتائج البحث رؤية فريدة عن واقع العمل في بيئة تدور فيها مكافحة الإرهاب. فلا يخفى على العاملين في الخطوط الأمامية صعوبة العمل في مناطق النزاع؛ ويقولون أنّ قوانين مكافحة الإرهاب والممارسات المرتبطة بها تزيد الوضع سوءًا وتذر "الملح على الجرح". ومع ذلك، نادرًا ما يؤخذ منظور العاملين في الخطوط الأمامية بعين الاعتبار عند مناقشة السياسات المرتبطة بمكافحة الإرهاب.
من المشين أن تتوقع الدول من العاملين في المجال الصحي أن يرفضوا تقديم العلاج للمرضى بناءً على اعتبارات سياسية وعسكرية.لوث سافيدرا، باحثة في قسم التحليل في أطباء بلا حدود
وتقول مديرة الشؤون القانونية في المكتب الدولي لأطباء بلا حدود، فرنسواز سولنييه، "لسوء الحظ، لم تفاجئنا نتائج البحث هذه، فالحرب على الإرهاب قوضت حماية البعثات الطبية عبر إعطاء الأولوية لقوانين مكافحة الإرهاب المحلية على حساب القانون الإنساني الدولي. وغالبًا ما يترك هذا الوضع فرقنا رهينة لتفسير الدول للقوانين ولدور الرعاية الصحية".
يجب أن يُتاح لنا توفير العلاج على أساس الاحتياجات الطبية فقط. ويجب أن نتمكن من التحدث مع جميع المجموعات التي تتحكم بقدرتنا على الوصول إلى المجتمعات وتستطيع إلحاق الضرر بفرقنا. هذا ويجب أن تبقى مرافقنا الصحية بمنأى عن أي نوع من العمليات العسكرية أو الأمنية.
ولتحقيق هذا الهدف، تدعو أطباء بلا حدود من جديد إلى استثناءات إنسانية في سياقات مكافحة الإرهاب.
وفي هذا الصدد، تقول سولنييه، "يجب استثناء المنظمات الإنسانية غير المتحيزة ونأيها عن الأنظمة القانونية والتكتيكات العسكرية التي باتت جزءًا لا يتجزأ من الحرب على الإرهاب. فلا يمكن معاقبة التماس الرعاية الصحية الضرورية أو تقديمها بحجة ’محاربة الإرهاب‘".