مأساة إنسانية تكشف فصولها بينما يقف العالم أجمع متفرجاً ولا يحرك ساكناً. فقد مرَّت أشهر من الحصار والقصف العشوائي الذي تقترفه الحكومة السورية وحلفاؤها وتركت السكان في حلب الشرقية في أوضاع كارثية ودمَّرت نظام الرعاية الصحية.
ويقبع 250,000 شخص محاصرين في المدينة دون أي منفذ، بينما لا يمكن للغذاء والمساعدات الطبية الوصول إلى داخلها. وتقدم منظمة أطباء بلا حدود المواد الطبية والأدوية والمستلزمات الجراحية المنقذة للحياة لثمانية مستشفيات في حلب الشرقية منذ عام 2014، حيث ترسلها في شاحنات كل ثلاثة أشهر. وكانت آخر مرة تتمكن فيها كوادرنا من إيصال المواد في شهر أغسطس/آب، وحصل ذلك خلال فترة وجيزة من كسر الحصار على يد قوات المعارضة.
في هذه الأثناء تعرضت جميع المستشفيات الثمانية للقصف، حيث قصف أحدها ست مرات. وبلغ عدد المرات التي قصفت فيها 27 مرة ما تسبب بوقف العمل فيها كلياً لمدة من الزمن. وتبذل الكوادر أقصى جهدها للاستمرار إلا أن الاحتياجات تفوق طاقاتهم، فلم يتبق منهم سوى 32 طبيباً.
يعمل هؤلاء الأطباء على مدار الساعة لتقديم المساعدة. وفي الآونة الأخيرة التي اشتدت فيها الغارات الجوية بين 22 سبتمبر/أيلول و19 أكتوبر/تشرين الأول، أصيب أكثر من 2,100 شخص بينهم 463 طفلاً. وبعض المرضى يموتون لعدم وجود ما يكفي من قاعات العمليات والأطباء.
وغالباً لا يتمكن الجرحى من الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب، فقد تم استهداف ست سيارات إسعاف على الأقل، وبعضها قد دُمِّر، ولا يمكن لقطع الغيار أن تصل إلى المدينة. أضف إلى ذلك أن المواد الطبية والوقود اللازم للمولدات، ومياه الشرب وكل المواد الأساسية الأخرى تشارف على النفاد.
إن العواقب الطبية للعيش في بيئة كهذه صادمة جداً. فالأطباء الذين ندعمهم قلقون حيال إمكانية تفاقم سوء التغذية لدى الأطفال الصغار وتزايد الأمراض المنقولة عبر الماء. بعض الأمهات لا يقوَين على الإرضاع، كما أن نقص حليب الأطفال وغيره من الأساسيات يؤدي إلى حالات وفاة يمكن منعها. توقفت أيضاً عمليات التطعيم الدورية، وكل هذه الأمور مجتمعة تشكل تهديداً كبيراً للفئات الأكثر ضعفاً التي تشمل الأطفال والنساء الحوامل وذوي الأمراض المزمنة.
ما يجب أن يحدث هو توقف جميع الغارات العشوائية على المناطق المدنية واحترام المرافق الطبية والمرضى وإنهاء الحصار الخانق.
ويجب إجلاء الجرحى ذوي الإصابات الخطيرة والمرضى ذوي الوضع الحرج إلى مناطق آمنة للعلاج. وينبغي السماح بدخول المواد الطبية والمساعدات الإنسانية، وإعطاء فترة راحة للمدينة التي تتداعى يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة ودقيقة بعد دقيقة.