أمستردام/باريس – تمخضت الأيام القليلة الماضية عن واحدة من أكثر حلقات الموت فتكاً في المنطقة الوسطى من البحر المتوسط هذا العام. لقي أكثر من 100 شخص حتفهم في البحر إذ وقعت أربع حوادث غرق سفن منفصلة خلال أقل من 72 ساعة.
وما تزال ست سفن إنقاذ لمنظمات غير حكومية محتَجزة في موانئ من قبل السلطات الإيطالية والأوروبية، بينما ساعدت فرق أطباء بلا حدود في ليبيا ثلاث ناجيات أُنقِذن من قبل صيادين يوم الخميس 12 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد أن انقلب قارب خشبي مخلفاً 20 آخرين في عداد الموتى والمفقودين في البحر.
وتقول مستشارة الشؤون الإنسانية في أطباء بلا حدود، حسيبة حاج صحراوي: "كفى ندباً وعويلاً بدون فعل تجاه إزهاق الأرواح. إن المسؤولية عن هذه الوفيات تقع على عاتق دول الاتحاد الأوروبي، إذ أنها النتيجة الفعلية والحتمية لسياساتهم الدموية المتمثلة بعدم المساعدة ومنع سفن البحث والإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية".
وتضيف حاج صحراوي: "أن تقول الحكومات الأوروبية أو المفوضية الأوروبية أنهم حزينون على هذه الخسارة المريعة في الأرواح، فذلك نفاق في أحسن الأحوال. عليهم أن يتوقفوا عن التحدث بلسانين وأن يعترفوا بمسؤوليتهم: غرق السفن كما حدث هو النتيجة المباشرة لمقاربتهم تجاه الهجرة".
كفى ندباً وعويلاً بدون فعل تجاه إزهاق الأرواح. إن المسؤولية عن هذه الوفيات تقع على عاتق دول الاتحاد الأوروبي.حسيبة حاج صحراوي، مستشارة الشؤون الإنسانية في أطباء بلا حدود
لقد مات نحو 700 شخص أثناء محاولتهم الهرب من ليبيا عبر المنطقة الوسطى من البحر المتوسط في عام 2020 وحده، ووقعت ما لا يقل عن 267 من هذه الوفيات منذ احتجاز سفينة سي-واتش 4 من قبل السلطات الإيطالية في ميناء باليرمو يوم 19 سبتمبر/أيلول. ومع منع ست سفن تابعة لمنظمات غير حكومية من استئناف العمليات المنقذة للحياة تحت ستار الخوف على سلامة الإبحار، تكون سفينة الإنقاذ أوبن آرمز هي السفينة المدنية الوحيدة حالياً القادرة على العمل.
وبدلاً من الوفاء بالتزاماتهم الدولية والبحرية لمساعدة الذين يمرون بمحنة في البحر، اختارت الدول الأوروبية أن تفاقم من إضعاف قدرات البحث والإنقاذ. بل يمارسون تمثيلية الترحيب بقيمة عمل المنظمات غير الحكومية المنقذ للحياة، بينما ينسقون أو يجيزون تجريم عملها ذاك.
زادت عمليات اعتراض القوارب التي يقوم بها خفر السواحل الليبي خلال الأسابيع الأخيرة، وقد أعيد نحو 1,000 شخص قسراً إلى ليبيا بين 3 و 9 نوفمبر/تشرين الثاني، وهذا يدل على العدد المرتفع للذين يحاولون الهروب من ليبيا في الأسابيع الأخيرة.
ويقول مدير برنامج أطباء بلا حدود في ليبيا، وليام هينيكين: "إن الظروف غير الإنسانية داخل مراكز الاحتجاز في ليبيا قد استُنكِرت مرات ومرات. لكن الحجز التعسفي هو جزء صغير فقط من حلقة العنف الفتاكة التي تؤثر حالياً في آلاف الأشخاص الضعفاء. وينبغي على قادة الدول التي تعزز وتدعم عمليات اعتراض القوارب هذه والإعادة القسرية أن يروا نتيجة سياساتهم بأنفسهم".
نعم، يجب مكافحة تهريب البشر لكن ليس على حساب ضحايا التهريب أنفسهم، الذين - بدلاً من أن تُقدَّم لهم المساعدة والحماية - يتم اصطيادهم وإعادتهم إلى حلقة الإساءة والاستغلال، أو يُتركون ليلقوا حتفهم غرقاً.منظمة أطباء بلا حدود
ويتابع هينيكين: "في الأسبوع الماضي لقي صبي إريتري عمره 15 عاماً مصرعه بطلق ناري بعد أن اقتحم مسلحون ملجأً في طرابلس. ومازالت أحداث القتل والخطف والعنف البالغ – ومن ذلك التعذيب بقصد ابتزاز المال من الرهائن وأقاربهم – تشكل تهديدات يومية ستواصل دفع هؤلاء المستضعفين لعبور البحر هرباً من هذه الإساءات في ظل غياب أي سبل آمنة أخرى لفعل ذلك".
يوم الأربعاء الواقع فيه 11 نوفمبر/تشرين الثاني، صرحت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) أنهم "ملتزمون بإنقاذ حياة الناس في البحر بالتعاون الوثيق مع جميع الجهات الفاعلة". لكن هذا القول يخفي واقع أنهم يواصلون عدم مشاركة المعلومات المتعلقة بالقوارب التي تمر بمحنة مع سفن الإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية، بينما يرسلون إحداثيات المواقع لخفر السواحل الليبي كي يمسكوا بالقوارب ويعيدوها قسراً إلى ليبيا.
على الدول الأوروبية أن تكف عن إلقاء اللوم في حوادث الموت هذه على قساوة المهربين. عليهم بدلاً من ذلك أن يقروا بأن الموت الجماعي في هذه الحوادث هو الضرر الناجم عن قراراتهم السياسية والمحسوبة. نعم، يجب مكافحة تهريب البشر لكن ليس على حساب ضحايا التهريب أنفسهم، الذين - بدلاً من أن تُقدَّم لهم المساعدة والحماية - يتم اصطيادهم وإعادتهم إلى حلقة الإساءة والاستغلال، أو يُتركون ليلقوا حتفهم غرقاً.