Skip to main content

كل ما كنت لا تريد أن تعرفه عن التعذيب

خلال عملي رأيت نفس المرضى مرارا وتكرارا لأسابيع. كنت أذهب إلى قسم الجراحة وأرى نفس الوجوه نفس التي تصطف للحصول على المساعدة. كانوا يشتكون من الصداع، آلام في كامل الجسد ومشاكل في النوم. كنت أصف لهم العلاج ولكن دون نتيجة. بدلا من ذلك، يعودون في الأسبوع التالي مع مشاكل مماثلة.

كان الأمر على هذه الشاكلة حتى أخبرني الاخصائي  النفسي  أن مرضاي كانوا يتعرضون إلى التعذيب وهي نقطة غابت عني تماما. كان مرضاي يستجدون المساعدة بالكلمات الوحيدة التي يمكن أن يجدوها ولكن حتى مع كل ما قرأته من قبل عن التعذيب، لم أتمكن من رؤية العواقب الوخيمة له أمامي عند فحص المرضى. خجلت من نفسي وشعرت بعدم قدرتي على تلبية احتياجات مرضاي.

وفي عام 2017، لا يزال التعذيب يُستخدم في عديد  البلدان في جميع أنحاء العالم، إلا أن المجتمع الطبي حول العالم لا يزال غير مستعد إلى حد كبير للتعرف على  ضحايا التعذيب من بين المرضى، ولا يزال التعذيب غائبا تماما تقريبا عن المناهج الدراسيّة في كليات الطب. وبالمثل، فإن المجتمع ككل لا يعرف إلا ما يظهر في الأفلام والتلفزيون، حيث كثيرا ما يصور التعذيب كأداة مشروعة لابتزاز المعلومات، على الرغم من أن الدراسات تبين أنها أداة غير فعالة للحصول على معلومات موثوقة.

المعلوم اليوم أن التعذيب يُستخدم على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. ويهدف التعذيب إلى تحطيم الفرد، جسديا ونفسيا، وتدمير  ثقة الإنسان في الإنسانية، وتعطيل جميع علاقاته بالمجتمع: أقطاب كهربائية تطبق على أصابع الأيدي و الأقدام والأعضاء التناسليّة، وضع الجسم في وضعيات غير مريحة لتمزيق المفاصل، الضرب، العنف الجنسي المتكرر، الحرمان من الضوء، التعريض لأصوات عالية بصفة مستمرة، الحرق، عمليات إعدام وهمية، الايهام بالغرق والقائمة طويلة حيث يتم إنشاء أساليب جديدة للتعذيب  باستمرار.

في كثير من الأحيان، لا يترك التعذيب أي آثار جسديّة، إلا أن الجسم يصبح حاوية لشخصيّة منكسرة وروح تحمل ندبات عميقة وعديدة. قد يكون  الجسم من الخارج في شكل عادي لكن يحمله داخله عديد الانكسارات. يجد ضحايا التعذيب الذين يبقون على قيد الحياة أنفسهم غريبين عن كل شيء وكل شخص يعرفونه.

بالنسبة لهؤلاء الرجال والنساء والأطفال، فإن وصف عدم ما تعرض له من لا إنسانيّة ليس صعبا فحسب، بل قد يكون أيضا مؤلما خصوصا إذا كان الشخص الذي يتحدثون معه غير متفهمًا ولا يمكن الثقة فيه أو لا يرغب في تقاسم عبء المعاناة. لا يوجد شيء أكثر قسوة وألما من أن تعطي ثقتك لشخص وتروي له قصتك ثم تجابه باللامبالاة.

After a rescue, MV Aquarius - June 2016

قابلنا في أطباء بلا حدود ضحايا التعذيب في غرف انتظار المستشفيات لأكثر من 40 عاما ونواصل القيام بذلك اليوم. يأتي معظمهم في مناطق النزاع ولكن هناك آخرون. تعاملنا فقط مع ندوبهم البدنية دون معرفة ما مروا به من تجربة نفسيّة قاسية. ولكن ومنذ ثلاث سنوات، تدير منظمة أطباء بلا حدود مراكز متخصصة لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب على مدى طرق الهجرة الرئيسية.

يتم حاليًا الترحيب واستقبال المرضى في بيئة آمنة من قبل فرق متعددة الاختصاصات من اخصائي الصحة النفسيّة والأطباء والأخصائيين الاجتماعيين اضافة الى أخصائي العلاج الطبيعي والوسطاء الثقافيين. الطريق إلى إعادة التأهيل طويل وصعب ولكنه يعيد ببطء ثقة الشخص في الآخرين ويساعد على شفاء الجسم و الروح.

لا يمثل عمل منظمة أطباء بلا حدود أكثر من قطرة في محيط. ففي سنة 2016، وفرت أطباء بلا حدود رعاية متخصصة لأكثر من 1,400 ضحية للتعذيب ورغم ذلك هنالك الآلاف من الضحايا الذين لم نتمكن من الوصول اليهم. تشير التقديرات أن  من بين الأشخاص الذين يتم انقاذهم في البحر الأبيض المتوسط  أن 30 في المائة منهم تعرضوا للتعذيب وغيره من أشكال المعاملة السيئة، مع تعرض العديد من النساء، وكذلك الرجال، الى الاغتصاب.

بالنسبة لمعظم هؤلاء الأشخاص، لا تتوفر أي خدمات إعادة التأهيل، حيث أن هذه الخدمات شحيحة وليست لديها القدرة على تلبية الاحتياجات الصحيّة و النفسيّة اضافة إلى أن احتياجاتهم غالبا لا يتم الاعتراف بها ولا تلبيتها.  

نقوم في منظمة أطباء بلا حدود باستقبال ضحايا التعذيب كل يوم. حيث قررنا الوقوف إلى جانبهم ومساندتهم.