Skip to main content
Houssam

شجاعة الأطفال في التعايش مع مرض السكري النوع الأول

"شعرنا بالخوف عندما سمعنا بالخبر. لم نكن نعلم أن هذا المرض يصيب الأطفال. كانت لدينا أفكار خاطئة عنه وعن طريقة التعامل معه".

هذا ما يقوله محمد، والد حسام عند سؤاله عن ردّة فعلهم يوم عرفوا أنّ ابنهم الأصغر يعاني من مرض السكري - النوع الأول.

فيديو

التعايش مع مرض السكري في سنّ صغير

جرى تشخيص حسام (12 سنة) بمرض السكري - النوع الأول منذ عام واحد تقريبًا، بعدما تعرّض لعارضٍ صحيّ تطلّب دخول المستشفى. ومنذ ذلك الوقت، يحصل حسام على رعاية طبيّة شاملة في عيادة منظمة أطباء بلا حدود في عرسال، تتضمّن الاستشارات الطبيّة والعلاج والدعم والتثقيف الصحّي، وتوفير كافّة الأدوات الخاصّة بقياس مستوى السكر وحقن الأنسولين. ومنذ حوالي الأربعة أشهر، تطوّر أسلوب العلاج الذي يحصل عليه. 

يصيب مرض السكري النوع الأول الأطفال والمراهقين، وهو مرضٍ مزمنٍ سيرافقهم مدى الحياة، وغالبًا ما يواجهون صعوبات للتعايش معه. ومن الصعوبات التي قد ترافق هذا المرض هي قدرة الأطفال وذويهم على تقبّل أنّ العلاج يعتمد بشكل كبير على حقن الأنسولين، ولا يمكن استبداله بأي دواء آخر. فالمصابون بهذا المرض يعانون من خلل في البنكرياس يحول دون إنتاج كميّة كافية من هرمون الأنسولين المطلوب للسماح للسكر (الغلوكوز) بالدخول إلى الخلايا لإنتاج الطاقة، لذاك فإن وحقن الأنسولين ضروري جدّاً.

كما يتطلّب المرض متابعة دورية لمستوى السكر في الدم، خصوصاً أن مرضى السكري النوع الأول من الأطفال أكثر عرضة لاختلالات مفاجئة قد تعرّضهم لمضاعفات خطيرة، وآثار جانبيّة على المدى البعيد. وهذا ما دفع منظّمة أطباء بلا حدود إلى إيلاء أهميّة خاصّة لهذه الفئة من المرضى، وتطوير برامجها لخدمتهم بشكل أفضل.

Houssam
حسام يستخدم نظام مراقبة الجلوكوز المستمرة والذي حصل عليه من عيادة أطباء بلا حدود في عرسال في البقاع اللبناني.
Jinane Saad/MSF

فقد حسام وعيه يوماً ودخل في غيبوبة. كانت لحظة مأساوية لعائلته. حينها، علم والديه أن حسام يعاني من مضاعفات مرض السكري النوع الأول. نظرًا لعدم تمكن والديه من تحمل تكاليف علاجه، نُقل حسام إلى قسم طب الأطفال الذي تديره منظمة أطباء بلا حدود في مستشفى الياس الهراوي الحكومي في زحلة للعلاج. بعد استقرار حالته، أُحيل إلى عيادة المنظمة في عرسال لتلقي رعاية منتظمة لمرض السكري. التحق حسام مؤخّرًا ببرنامج نظام مراقبة الجلوكوز المستمرة. 

يقول والده محمد: "كان لدينا الكثير من المخاوف بشأن مرض السكري النوع الأول. قيل لنا أن لمرض السكري مضاعفات خطيرة وطويلة الأجل. لقد تحدثت مع الطبيب في العيادة عن هذه المخاوف، وطمأنني أنه طالما تمسك حسام بالعلاج واتّبع أسلوب حياة صحي، فلن يعاني من مضاعفات وسيعيش حياة طبيعية. وأولويتي الآن أن نبذل قصارى جهدنا لإبقاء حالة حسام مستقرّة".

بالنظر إلى وضع الأسرة المالي،  يعرب محمد عن امتنانه للخدمات التي تقدمها منظمة أطباء بلا حدود مجانًا. بالرّغم من ذلك، فلا يمكن للعائلة دائمًا توفير طعام صحي لحسام. يضيف محمد: "لو لم نحصل على الحزمة الكاملة من عيادة أطباء بلا حدود، فسنكون ملزمين بشراء الأنسولين حتى لو اقترضنا أموالًا، لكننا لن نكون قادرين على شراء الشرائح لجهاز قياس سكر الدم (جهاز الجلوكوميتر) على سبيل المثال. وهذا سيؤثر بالتأكيد على قدرتنا على توفير طعام صحي. لا يمكننا شراء الأدوية والأغذية الصحية".

اليوم، يشعر حسام براحة أكثر في التعامل مع مرض السكري. هو يرغب في السفر للدراسة في الخارج ويحلم أن يصبح طبيباً، وهو لا يتردد في ممارسة هواياته. 

كجزء من نمط الحياة الصحي الذي يوصي به الفريق الطبي، طُلب من حسام ممارسة الرياضة، وخصوصاً عندما يتعرّض لارتفاع في معدل السكر في الدم. والرياضة المفضلة لدى حسام هي كرة القدم، وهو غالباً ما يلعب مع أخيه في محيط خيمتهما في عرسال.

لكن التنعّم بحياة سليمة ممكن، إذ أن حسن إدارة المرض من قبل الطفل وذويه، بالإضافة إلى الحصول على الرعاية الطبيّة الدوريّة، هي عوامل كفيلة بأن يعش الطفل حياة صحيّة، ويحلم بمستقبل مشرق. وهذا ما يؤكّده حسام:" أنا أحلم أن أسافر إلى السويد لأدرس وأصبح طبيباً."

ويضيف مبتسماً: "أنا تأقلمت مع مرضي، وأصبحت قادراً أن أتعامل معه، بمساعدة أهلي، ودعم الفريق الطبّي. وأصعب ما فيه أنني لا أستطيع تناول البطاطا المقليّة كلّما أردت، وأنني مضطر إلى أخذ جرعات الأنسولين عن طريق الوخز بالإبر." إلا أن حسام لا يعتمد على الوخز لقياس مستوى السكر في الدم، كما هو الحال عند استخدام جهاز القياس التقليدي،  فقد بدأ باستخدام نظام مراقبة الجلوكوز المستمرة، الذي توفّره منظّمة أطباء بلا حدود ل80 طفلاً في لبنان وذلك في إطار برنامج رعاية الأمراض المزمنة، الخاص بمرضى السكري النوع الأول ما دون سن ال15.

Sidra
سيدرا فتاة تتعايش مع السكري النوع الأول، خلال استشارة حول النظام الصحي السليم في عيادة أطباء بلا حدود في مخيم شاتيلا جنوب بيروت في لبنان.
Jinane Saad/MSF

بغية تحسين نوعية حياة مرضى السكري - النوع الأول، وتمكينهم، ورفع مستوى الالتزام والتقيّد بالعلاج، بدأت منظمة أطباء بلا حدود باستخدام نظام مراقبة الجلوكوز المستمرة في عياداتها في البقاع وفي شمال لبنان منذ منتصف العام 2019. ويقوم هذا النظام على تركيب جهاز استشعار على الذراع  يرصد مستوى السكر في الدم لدى المرضى. ويكفي أن يتم مسح الجهاز ضوئيّاً في أوقات محدّدة من النهار والليل، ليحفظ البيانات ويعرضها على شكل رسم بياني مما يمكّن المريض وأهله من اتخاذ تدابير سريعة لمعالجة حالات انخفاض أو ارتفاع السكر المفاجئ، كما يمكّن الفريق الطبّي، عند المعاينة الطبيّة، من تعديل البرنامج العلاجي وفقاً لمعطيات دقيقة.

سيدرا (12 سنة) تشارك حسام معاناته مع مرض السكري، وكذلك صعوبة الالتزام بنظام غذائي صحّي، لأنها غالباً ما ترغب بأن تشارك أخواتها وأصدقائها في أكل السكاكر. لكنها تستخدم تقنيّة أخرى خاصّة بمرضى السكري: تعتمد سيدرا على قلم الأنسولين لحقن الجرعات المطلوبة من الأنسولين. وتوفّر منظّمة أطباء بلا حدود قلم الأنسولين لأكثر من 100 طفل عبر عيادتها في مخيم شاتيلا في جنوب بيروت.

Sidra
سيدرا، 12 عامًا، تعاني من مرض السكري النوع الأول تتابع علاجها في عيادة منظمة أطباء بلا حدود في مخيم شاتيلا.
Jinane Saad/MSF

سيدرا، 12 عامًا، تعاني من مرض السكري النوع الأول تتابع علاجها في عيادة منظمة أطباء بلا حدود في مخيم شاتيلا منذ سنة تقريبًا.

تلتزم جيدًا بعلاجها، لكن التحدي الرئيسي الذي يواجهها هو اتباع نظام غذائي صحّي وسليم. تقول زينب، وهي مسؤولة التثقيف الصّحي في العيادة: " نعزز التثقيف حول النظام الغذائي الصّحي لسيدرا ووالدتها. ونتّبع طرق مختلفة لجعلها تلتزم بنظام غذائي أفضل". وتضيف زينب: "مؤخّرًا، وعدناها بأنها إذا أظهرت تحسنًا، فستقدّم هي جلسة التثقيف الصحّي القادمة للأطفال المصابين بمرض السكري في العيادة، وقد أبدت اهتمامها بالفكرة".

تعتمد منظمة أطباء بلا حدود قلم الأنسولين لمرضى السكري النوع الأول من الأطفال والمراهقين الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا في عيادتها في مخيم شاتيلا في جنوب بيروت لتمكين الأطفال من السيطرة على مرضهم وتخفيف من حدة المضاعفات التي قد تحصل إليهم. توفّر المنظمة قلم الأنسولين لأكثر من 100 طفل عبر عيادتها في مخيم شاتيلا. سيدرا واحدة منهم.

تقول الطبيبة لورا رينشي، المرجع الطبي لمشروع أطباء بلا حدود في جنوب بيروت: "نعتمد قلم الأنسولين لمرضى السكري النوع الأول من الأطفال والمراهقين، وذلك لأنّ استعماله أسهل بالنسبة لهم، حيث يمكن للطفل أو أهله ضبط الجرعات بدقّة أكبر، كما أنّه سريع المفعول."

وتضيف: "الهدف من استخدام هذه التقنيّة هو تمكين الأطفال من السيطرة على مرضهم وإدارة أوضاعهم الصحية بأنفسهم، فهذه الخطوة الأولى في مشوار التعايش والتأقلم مع مرض السكري. ويقوم فريق التثقيف والإرشاد الصحّي في منظّمة أطباء بلا حدود بتوفير أقصى درجات الدعم للأطفال، وتزويدهم وأهاليهم بكافّة المعلومات التي تمكنهم من التعاون في سبيل تأمين حياة سليمة لأطفالهم."

سيحصل حسام قريباً على قلم الأنسولين الذي سيجنّبه وخز الإبر وفقاً لمخطّط المنظمة لإدراج هذه التقنيّة في عياداتها في البقاع. إلا أنه، لو لم تتوفر خدمات منظّمة أطباء بلا حدود، لكان ذلك سيؤثّر على إمكانيّة ضمان استمرارية حصول حسام وسيدرا على هذا المستوى من الرعاية الصحيّة. فوالدة سيدرا تؤكّد أن العائلة تعاني ظروفاً اقتصادية صعبة في ظل اللجوء، وهي غير قادرة أبداً على تحمّل تكاليف العلاج والأدوات التي تحتاجها سيدرا، إذ أن سعر الأنسولين، وجهاز المراقبة، والشرائح وأقلام الأنسولين قد يبلغ 100 دولار أمريكي شهرياً، وهو مبلغ يتعذّر توفيره. وتقول: "حتّى الأكل الصحّي الذي يُنصح به لابنتي، أحياناً أعجز عن تأمينه لها، فما بالكم بالأدويةّ! هذا مصدر قلق بالنسبة لي." 

ورغم أن مرض السكري - النوع الأول قد يشكّل صدمة للأطفال وأهاليهم عند اكتشافه، ومصدر قلق بسبب تكاليف العلاج والرعاية المطلوبة، إلا أن فرقنا الطبيّة تشهد على شجاعة هؤلاء الأطفال، وتطوّر وعي أهاليهم حول كيفيّة التعايش مع هذا المرض وحماية أطفالهم من تداعياته النفسيّة والجسديّة، ولذا نراهم مقبلين على الحياة بابتسامة تملأها براءة الطفولة وعزم الشباب.