صدر مقال الرأي هذا في الأصل باللغة الفرنسية في صحيفة "ليبراسيون" بتاريخ 26 تموز/ يوليو 2015.
منذ بدء القتال في نهاية آذار/مارس بين المتمردين الحوثيين وقوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، قدمت منظمة أطباء بلا حدود المساعدة الطبية إلى نحو 7000 ضحية حرب.
شهدت فرق منظمة أطباء بلا حدود التي تعمل في اليمن النساء الحوامل والأطفال يفارقون الحياة بسبب تأخرهم في الوصول إلى المركز الصحي لعدم توفر الوقود، أو لأنهم اضطروا الى الاختباء لأيام متتالية من القتال المحتدم بانتظار هدوء مؤقت. وقد توفي أيضاً أشخاص محتاجون للعلاج الطبي الطارئ بعد احتجازهم على حواجز يحرسها محاربون.
قدمت منظمة أطباء بلا حدود الرعاية الطبية إلى ضحايا قصف قوات التحالف في نهاية آذار/ مارس عند قصف مخيم المزرعة للنازحين في محافظة حجة، وإصابة 34 شخصاً على الأقل توفي منهم 29 شخصاً قبل وصولهم إلى المستشفى. كذلك في نهاية أيار/مايو عندما قُصفت ناقلة وقود في مدينة تعز وأصيب من جراء ذلك 184 شخصاً بحروق بالغة، وفي 4 تموز/ يوليو قامت فرق أطباء بلا حدود بمعالجة حوالى 70 إصابة في بني حسان شمال غرب اليمن بعد ان استهدفت الغارات الجوية السوق المزدحم في موعد الإفطار خلال شهر رمضان.
وبموازاة ذلك القصف كان الحوثيون يقصفون المناطق السكنية المكتظة بالسكان في عدن عشوائياً على مدى أسابيع. وفي 19 تموز/يوليو، عندما كانت قوات المقاومة الجنوبية تحارب لاستعادة السيطرة على المدينة، قاموا بقصف منطقة مكتظة بالسكان. وفي غضون ساعات، وصل إلى مستشفى منظمة أطباء بلا حدود 150 مصاباً من بينهم نساء وأطفال وشيوخ. توفي منهم 42 شخص عند وصولهم وبقيت عشرات الجثث في الخارج لعدم توفر أماكن كافية في المستشفى.
تجدر الإشارة هنا الى أن السكان في جميع أنحاء البلاد يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية والوقود التي بدأت تشح وتهدد بقاء الفئات الأكثر عوزاً. وبسبب نقص الوقود للمولدات ومحطات الضخ، لم تعد بعض المستشفيات قادرة على العمل كما أصبح الحصول على المياه النظيفة مشكلة تتفاقم مع مرور الوقت. يصطف الناس لساعات أو حتى لأيام للحصول على الوقود، أملاً في التمكن من الهرب من منطقة القتال أو نقل مصاب أو مريض إلى أقرب مستشفى.
هذا وقد بدأ موسم الملاريا وازدادت الحالات المشتبه بكونها الحمى النزفية الفيروسية. وفي حين تمكنت منظمة أطباء بلا حدود من الحصول على التراخيص الضرورية لإدخال أكثر من 100 طن من الأدوية والإمدادات الطبية إلى البلاد، فإن المنشآت التابعة لوزارة الصحة العامة والعيادات الخاصة لم تتمكن من الحصول على أي نوع من الإمدادات. وكما في عدن، ارتفع سعر الدقيق بمعدل 70% في بعض المناطق واللحم لم يعد متوفراً أبداً. تشير البيانات التي جمعتها منظمة أطباء بلا حدود في خمير وصعدة إلى أن 15% من الأطفال يعانون من سوء التغذية.
يتعرض السكان لمعاناة مضاعفة بسبب جرائم الحرب والنقص الحاد في الموارد. ويعود السبب بذلك الى أطراف النزاع المختلفة والقرار 2216 (2015) الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيسان /أبريل. وكان الأردن قد طرح مشروع القرار الذي لاقى دعم كل من الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا. وفي حين أن الهدف المعلن للقرار بموجب الفصل السابع هو وضع حد لأعمال العنف في اليمن من خلال فرض حظر على توريد الأسلحة للحوثيين، من بين أمور أخرى، الى أنه أعطى التحالف العسكري الضوء الأخضر لقصف جميع البنى التحتية مثل الطرق والمطارات والموانئ ومحطات البنزين التي يمكن أن تُعتبر ميزة عسكرية للمتمردين وفرض الحظر على حركة الملاحة الجوية والبحرية ما أدى بسرعة إلى عزل البلد بأكمله عن العالم الخارجي.
من الواضح تماماً أن القرار اختار الأهداف الخطأ فهو بعيد كل البعد عن "وضع حد لأعمال العنف"، بل قام بتغذية شهية المتحاربين من مختلف أطراف النزاع وشدد الخناق على السكان. ناهيك عن أن الأمم المتحدة التي لم ترسل إلا عدداً قليلاً من قوافل المساعدات - والتي لم تتوقف أبداً عن التعبير عن قلقها البالغ إزاء الوضع الإنساني – أخفقت بفتح أي خط إمداد لتسهيل نقل الضروريات الأساسية مثل الأدوية والمواد الغذائية والوقود.
في ضوء ما نشهده في عدن، نخشى أن تساهم الهجمات التي يقودها التحالف لاستعادة الأراضي من الحوثيين، وعلى المدى القصير، في إلحاق المزيد من العنف بالمدنيين المحاصرين بين الأطراف المتحاربة وتعريضهم للأعمال الانتقامية المسلحة. كما نخشى أيضا أن تنظر البلدان الداعمة للتحالف في مسعاه لـ "تحرير" اليمن، مهما كان الثمن، للعنف والمعاناة على أنها أضرار جانبية مقبولة. فالأضرار الجانبية ليست ذات أهمية كبيرة بالنسبة للحكومات – وهو ما تبين لنا بوضوح خلال الأشهر الماضية أثناء محاولاتنا حشد الدبلوماسيين في باريس وجنيف وواشنطن بهدف ضرورة ممارسة الضغط على الأطراف المتحاربة حفاظا على أرواح المدنيين.
ومع ذلك، لا يزال هناك وقت أمام تلك الدول المسؤولة عن التكلفة البشرية في هذا النزاع لتبذل كل في وسعها لتقليل هذه التكلفة من خلال فرض عقوبات عند ارتكاب جرائم حرب من قبل أي من الأطراف والسماح مجدداً وبشكل عاجل بحصول السكان على الخدمات الأساسية.