Skip to main content

"غالبية مرضانا عانوا من إصابات حرب"

مارجي قابلة أسترالية خبيرة تعمل منذ مدة طويلة مع أطباء بلا حدود في بعض من المواقع الأكثر صعوبة في السنوات الأخيرة. لقد عادت للتو من اليمن حيث أمضت ستة أسابيع في قسم الأمومة بمستشفى صعدة. وها هي تعيد سرد الصعوبات التي يواجهها الشعب اليمني.

"في أحد الصباحات كنت في جناح النساء حين جاء أحمد، 13 عاماً، جاء ليرى أخته عائشة، 11 عاماًتم تغيير كلا الاسمين والعمرين للحفاظ على السرية. لقد هربا من الموت منذ عدة أيام مضت ولم يريا بعضهما منذ ذلك الحين. ارتميا في أحضان بعضهما وأخذا بالبكاء. كما أتذكر أن الطاقم بكامله وكل النساء الحاضرات لم يستطعن حبس دموعهن. عرفنا قصتهما وكانت رهيبة.

منزلهما قصف في غارة جوية منذ يومين. وأحد إخوتهما مات أثناء القصف، بعد أن سحق بالسقف والجدران التي سقطت عليهم. أما أمهما فماتت بعد دقائق من وصولهم إلى غرفة الطوارئ. والأخوان كانا الناجيين الوحيدين، بعد خسارتهما لأبيهما منذ عدة سنوات. أصيبا بجروح في الرأس والظهر والساق. كانا مصدومين، ولا مكان لديهما ليمكثا فيه وخائفين من ترك المستشفى التي بقيا فيها معنا لأسبوع حتى جاء أحد أقاربهما ليعتني بهما.

الغارات الجوية تضرب المناطق المكتظة بالسكان

ضربت غارتان جويتان مناطق مكتظة بالسكان حيث كان يعيش المدنيون أثناء فترة وجودي. حين حصلت الكارثة كنت أساعد الطوارئ وقسم النساء.

بعد ترددي على عائشة، بعد يومين، أدركت أنها لم تستحم حتى. التراب ما زال عليها من منزلهم السابق وترتدي الملابس ذاتها التي كانت ترتديها. أردت أن أحصل لها على الصابون والشامبو ووجد أحدهم فستاناً نظيفاً لها حيث يمكنها استرجاع بعض الثقة والكرامة. إننا لا نعالج المرضى فقط، إنما نتعامل مع كائنات بشرية.

عملت أطباء بلا حدود في المستشفى الحكومي في صعدة منذ أيار/مايو 2015. كان المستشفى بناءً جيد التجهيز نوعاً ما لكن النزاع تسبب بالكثير من المصاعب في توفير الرعاية للمرضى. البعض من الطاقم اليمني غادر، وأحياناً نواجه انقطاعات في الكهرباء أو الوقود أو الماء واحتياجات أخرى أساسية كالأوكسجين، ذلك أن المعمل قد لا يستطيع أن يعمل أو أن يوصله.

الأمهات المستقبليات واجهن الكثير من المصاعب

كان القسم النسائي مشغولاً رغم أن الأمهات واجهن الكثير من المصاعب للوصول إلى المستشفى. ساعدنا في 40 إلى 60 ولادة في الأسبوع. وتم تحويل بعض الحالات المعقدة إلى مستشفى آخر في المدينة ولم يكن لدينا طبيب توليد ليتولى الولادات القيصرية أو غيرها من الجراحات التوليدية/ النسائية.

وشكل النقل مشكلة للنساء. لم ترد الأمهات البقاء لوقتٍ طويل، بل أردن أن يعدن إلى منازلهن مع عائلاتهن. كن قلقاتٍ أن تتأذى عائلاتهن بسبب القصف في طريقهن إلى المستشفى أو وجودهن بعيدات عن منازلهن وعائلاتهن حين تضرب غارة  جوية الحي. والصباحات كانت مليئة بالتوتر بسبب خوف الأمهات من القدوم ليلاً. النساء عادةً يلدن في المنزل (أو فور وصولهن!) ويأتين إلى المستشفى بعد ذلك حين يواجهن، أو يواجه مواليدهن، مشاكل صحية.

ومعظم الأمهات اللواتي استقبلناهن لم يحصلن على أي رعاية ما قبل الولادة. إن الذهاب إلى قسم التوليد أو لقاء طبيب كان ببساطة إما بعيداً أو مكلفاً أو خطراً. والرعاية الروتينية مهملة عادةً. إن أتين فذلك فقط لأنهن يواجهن مشكلة ما.

بعد ستة أشهر من الحرب، كان الغذاء على وشك أن يصبح مشكلة، الندرة في الحصول على التطعيمات كانت أيضاً باعثةً على القلق، خصوصاً في المناطق المجاورة.

فريقنا رائع وملهم

لحسن الحظ لدينا فريقٌ رائع حقاً. فالطاقم الوطني الذي عملنا معه كان رائعاً. أمرٌ ملهمٌ أن تراهم يعملون مكرسين أنفسهم بشدة في قلب حياةٍ صادمة كهذه. إننا نمر هنا مؤقتاً، ولكنهم يعيشون هناك ولا يستطيعون المغادرة. الجراحون يمنيون وبارعون جداً في أعمالهم. كما كان لدينا فريقاً دولياً لدعم الأنشطة، بما في ذلك طبيب طوارئ وممرض طوارئ، وممرض غرفة عمليات، ولوجستيون وقادة الفرق، جميعاً معي في بعثة قصيرة المدة لمساعدة الفريق اليمني الطبي. قدومنا إلى هنا كان رحلة طويلة ومرهقة. فقد ذهبنا من جيبوتي إلى صنعاء، ثم من صنعاء إلى صعدة. في البداية كنا نعيش ونعمل في المستشفى على مدار الساعة. لحسن الحظ الآن، الفريق وجد منزلاً قريباً لمبنى المستشفى.

وكان من المثير للاهتمام العمل في منطقة مؤلفة بالكامل من الإناث، رغم كونه محبطٌ أحياناً. الثقافة تقليديةٌ جداً في هذا الإقليم وفور وصول رجلٍ ما تضع جميع النساء الحجاب. بسبب كونهن جميعاً مغطيات، لم أستطع أن أميز أحياناً من المريضة ومن الزائرة. ولكن هذا في الوقت نفسه ساعد ذلك على تشكيل بيئة آمنة، محافظة ومفصولة للنساء، وكان لي شرف استراق نظرة على حياة نساءٍ في هذا الوضع القاسي. كانت تلك الفسحة التي يمكن النفاذ منها إلى حياة هذا البلد مع هؤلاء النساء، سواء من الطاقم أو المرضى أو عائلاتهم. وقد ساعدتني مترجمة في فهم الكثير. العلاقات بنيت مع الطاقم، عادة أثناء تناولنا وجباتنا سوياً، جالسين على الأرض في مكتبٍ صغير في القسم. كانوا أناساً مضيافين ودائماً ينوون مشاركة أي شيءٍ يملكونه.

لدي ذكرى شديدة الحضور في قسم الأمومة عن امرأة أتت لتلد ابنها السابع. كانت على وشك الولادة حين بدأ قصف قريبٌ بما يكفي ليهز الأبنية. كنا جميعاً قلقين، عليها، وعلى حياتنا أيضاً. ثم بعد عدة دقائق وُلد الطفل، معافىً وكل شيء كان على ما يرام في النهاية، ولكن يا لها من طريقة صعبة بشكل رائع أن تضطري لولادة طفلكِ ولحياةٍ جديدة أن تأتي إلى العالم.