في صباح مشرق ومشمس، زار هاشم عبد الله عيادة منظمة أطباء بلا حدود في الحويجة لإجراء فحصه الطبي الأخير قبل نقل رعايته الطبية من منظمة أطباء بلا حدود إلى المركز الصحي الأساسي العام. اعتاد هاشم القدوم إلى العيادة منذ عام 2018 لتلقي العلاج اللازم لمرضه المزمن.
ويقول هاشم، "كنت أتوجه إلى منظمة أطباء بلا حدود منذ عودتي من المخيم. عندما عدنا من النزوح، كنا قد فقدنا كل ممتلكاتنا. ولم تكن هناك أي خدمات صحية فعّالة. ساعدتني خدمات المنظمة المجانية وساعدت عديدًا من الأشخاص في المنطقة على تلقي العلاج السليم بينما نعيد بناء حياتنا ومنازلنا".
بحلول نهاية شهر فبراير/شباط 2024، ومع استمرار تعافي النظام الصحي في الحويجة، قامت أطباء بلا حدود بتسليم جميع أنشطتها في منطقة الحويجة ومنطقة العباسي في محافظة كركوك إلى دائرة الصحة بعد ثمان سنوات من تقديم الرعاية الطبية.
الأزمة المتكشفة والاحتياجات الماسة والاستجابة الطارئة
تقع منطقة الحويجة في الطرف الغربي من محافظة كركوك، وكانت جزءًا من الثلث الواقع تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014. ولثلاث سنوات من بعدها، هاجر الآلاف من سكانها من منازلهم، تاركين كل شيء خلفهم. واشتد النزوح عندما بدأت المعارك المسلحة لاستعادة السيطرة على المنطقة في عام 2017. نزح حينها مئات الآلاف من الحويجة إلى المخيمات في كركوك ومحافظات أخرى. وتعرّضت البنية التحتية الصحية للمنطقة لأضرار كبيرة؛ ليس فقط بسبب المعارك المسلحة، ولكن أيضًا بسبب نفاد الموارد والخدمات خلال عزل المنطقة عن بقية البلاد لثلاث سنوات.
بينما كان الناس يفرون من منازلهم، أنشأت أطباء بلا حدود عيادتين متنقلتين في دبس ومكتب خالد حيث وصل النازحون بعد عناء طويل للهروب من منطقة الحويجة. أنشأت المنظمة كذلك مركزًا للرعاية الصحية الأساسية في مخيم داقوق، حيث استقر معظم السكان النازحين في النهاية.
أطباء بلا حدود في الحويجة والعباسي خلال ثمان سنوات
18,137
18,137
161
161
101,126
101,126
144,562
144,562
6,568
6,568
10,443
10,443
انضم أسو خليل من كركوك للعمل كممرض مع المنظمة في المخيم في يناير/كانون الثاني 2017. ويشاركنا ذكرياته عن تلك الفترة قائلًا، "وصل الناس في حالة صعبة جسديًا ونفسيًا. تأثر الأطفال وكبار السن بشكل كبير بفعل نقص الرعاية الطبية والغذاء قبل أن يتمكنوا من الهروب".
اضطُر عمر علي، أحد العاملين لدى أطباء بلا حدود ومن سكّان الحويجة، إلى ترك منزله بحثًا عن الأمان، وتعرّف إلى أطباء بلا حدود كمراجع في المخيم قبل أن ينضم إلى الفريق كعامل في مجال التوعية الصحية. وفي هذا الصدد يخبرنا، "شهدت أطباء بلا حدود كل شيء. فقد استقبلت الناس حين نزحوا بحثًا عن الأمان وحين عاشوا في المخيمات. وعندما عدنا إلى ديارنا بعد انتهاء المعارك، وجدنا أطباء بلا حدود قد سبقتنا لتوفير الخدمات الطبية التي كانت تفتقدها المدينة".
عند انتهاء المعارك، كانت الخدمات الصحية الأساسية غير متوفرة في جميع أنحاء الحويجة. ولمساعدة الناجين وتحسبًا لموجة العائدين الكبيرة، وصلت أطباء بلا حدود إلى منطقة العباسي.
وفي هذا الصدد، تقول نائبة رئيس بعثة أطباء بلا حدود في كركوك، سيلاه مورا، "وصلت فرقنا الى بلدة العباسي أولًا، وأنشأنا مركزًا مؤقتًا للرعاية الأساسية بعد تضرر المركز الصحي العام نتيجة القتال. وبعد فترة وجيزة، وسّعنا أنشطتنا لنبدأ العمل في مركز الرعاية الصحية الأساسية في مدينة الحويجة".
ومن خلال كلا المرفقين، قدمت أطباء بلا حدود الرعاية الطبية للأشخاص المصابين بالأمراض غير المعدية وقدمت خدمات رعاية الصحة الجنسية والإنجابية والرعاية النفسية وخدمات التوعية الصحية.
رحلة الصمود والتعافي
شهد قضاء الحويجة خلال السنوات الثمانية الماضية انتعاشًا واضحًا في كافة نواحي الحياة. اختار أحمد صديق، أحد أهالي الحويجة، أن يبقى في منزله خوفًا من انقطاع السبل ومواجهة ظروف معيشية أسوأ في مخيمات النزوح.
ويصف أحمد التغييرات في الحويجة قائلًا، "كانت الحويجة منطقة منكوبة في عام 2017، وخصوصًا بعد الانفجار الهائل في المنطقة الصناعية بفعل غارة جوية. بالكاد كان لدينا ما يكفي من الطعام للبقاء على قيد الحياة. ارتفعت أسعار المواد الأساسية حتى وصل سعر كيلوغرام واحد من السكر إلى مئة دولار أمريكي، ولم يكن لأحد أي مدخول مادي. لا تكفي الكلمات لوصف تلك الأيام. لكننا اليوم في حالٍ أفضل بكثير. والحمد لله بأن جميع جوانب الحياة عادت إلى طبيعتها".
عندما جئت لأول مرة إلى الحويجة والعباسي بعد الحرب، شعرت وكأنهما مدينتا أشباح. عادت اليوم المدارس ومرافق الرعاية الصحية والأسواق والحياة إلى طبيعتها بشكل عام.نرمين عباس، مديرة التوعية الصحية في أطباء بلا حدود
تنبض أسواق الحويجة ومزارعها الشهيرة بالحياة من جديد اليوم، وأمست البنى التحتية للمنطقة في حال أفضل بكثير. شهد نظام الرعاية الصحية في المنطقة بعض التعافي؛ حيث عاد مستشفى الحويجة العام ومركز الرعاية الصحية الأساسية التابع له إلى العمل مرة أخرى، كما أعيد بناء مركز الرعاية الصحية الأساسية في العباسي وتشغيله أيضًا.
وفي هذا الصدد، تقول مديرة التوعية الصحية في منظمة أطباء بلا حدود، نرمين عباس، "عندما جئت لأول مرة إلى الحويجة والعباسي بعد الحرب، شعرت وكأنهما مدينتا أشباح. عادت اليوم المدارس ومرافق الرعاية الصحية والأسواق والحياة إلى طبيعتها بشكل عام، وهذا أمر مفرح للغاية".
تركزت أنشطة أطباء بلا حدود في الحويجة على اتباع نهج شامل لعلاج الأمراض المزمنة، مع منح الأولوية للرعاية النفسية والتوعية الصحية والتشجيع على الحد من عوامل الخطر في نمط الحياة مع تحسين جودة الصحة النفسية. وفي منطقة يندر فيها خبراء الصحة النفسية، كان هذا يعني الاستثمار في تطوير القدرات وتدريبها لتقديم هذه الخدمات إلى مجتمع خارج من أزمة.
القدرة على المتابعة والروابط طويلة الأمد
خلال السنوات الثمانية الماضية، عملت أطباء بلا حدود بشكل وثيق مع سلطات الرعاية الصحية للمساعدة في استعادة الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية. فبالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية، دعمت أطباء بلا حدود مديرية الصحة في جوانب أخرى، بما في ذلك إعادة تأهيل البنية التحتية لمستشفى الحويجة العام وتوفير التدريب الأساسي والتوجيه لمقدمي الرعاية الصحية.
وفي هذا الصدد، تقول مورا، "على الرغم من أن الوقت قد حان لإنهاء أنشطتنا بصفتنا منظمة طبية للطوارئ، فإننا نعتقد أن هذه ليست النهاية. لم يكن عملنا هنا ممكنًا من دون الجهود القيمة التي بذلها أعضاء فريقنا من كركوك أو الحويجة نفسها. وبينما نغادر، نضع ثقتنا بالخبرات والمهارات التي ستبقى هنا داخل ضمن المجتمع ونظام الرعاية الصحية. سيستمر الجميع بمشاركة مهاراتهم وعملهم الجاد مع مجتمعاتهم حتى بعد مغادرتنا".
ويضيف أسو، "أنا فخور بالعمل الذي قمت به مع أطباء بلا حدود، وأشعر بالامتنان لهذه الفرصة التي مثلت يد العون للأشخاص الذين عانوا من ظروف قاسية. بنيت علاقات قوية وطويلة الأمد مع الزملاء الذين التقيت بهم هنا. وأنا أعرف بثقة أن هذه الروابط ستستمر بيننا. لقد تشاركنا لحظات حزينة وسعيدة معًا ونحن اليوم راضون عما فعلناه هنا".