نقدّم لكم في هذا المقال تغطية خاصة حول الإجهاض المسير ذاتيًا باستخدام الأدوية، الذي يوفّر لمحة عن تجربة رئيسة العمل المعني بالإجهاض الآمن في أطباء بلا حدود، د. مانيشا كومار، وتجارب بعض النساء اللوتي خضعن للإجهاض الآمن. كما يمكنكم زيارة مدونة "كيفية استخدام حبوب الإجهاض" التي تحتوي على سلسلة فيديوهات تتوجه إلى الراغبين بالاطلاع على معلومات تتعلق بالإجهاض بالأقراص الدوائية الممكن حتى الأسبوع الثالث عشر من الحمل.
لقد مضى حوالي العشر سنوات منذ أن أصبحت مقدمةً لخدمات الإجهاض. ومنذ ذلك الحين، ساعدت عددًا لا يُحصى من النساء حول العالم ليتمكنّ من الوصول إلى رعاية الإجهاض الآمن. كما شهدت المضاعفات الوخيمة التي يتسبب بها الإجهاض غير الآمن والّذي يعود سببه عادةً إلى تعذّر الحصول على الرعاية الصحية الأساسية. ويشكّل الإجهاض غير الآمن أحد العوامل الأساسية التي تؤدي إلى وفاة الأمهات ومعاناتهنّ في العالم أجمع، علمًا أنّه يمكن تفاديه بالكامل.
ومن شأن الإجهاض بالأقراص الدوائية أن يقلب الموازين. فاتباع نظام بسيط يمتد على 24 ساعة يمكنه أن يحدث ثورة في مجال رعاية الإجهاض الآمن، لا سيما في السياقات الإنسانية محدودة الموارد التي تعمل فيها أطباء بلا حدود. وبما أنّ الملايين من الأشخاص لجأوا إلى هذه الأدوية على مرّ الأعوام الثلاثين الماضية، فإنّ عقودًا من التجارب والبحث العلمي أثبتت فعالية أدوية الإجهاض وسلامة استخدامها.
وقد نجحت هذه الأدوية في إنهاء حمل أكثر من 95 في المئة من النساء في حين لا يتجاوز احتمال وقوع مضاعفات حرجة ومهددة للحياة نسبة 1 في المئة. هذا وتُعتبر أقراص الدواء ميسورة التكلفة وسهلة الاستعمال وموثوقة ويمكن للنساء استخدامها في منازلهن من دون أي مشاكل.
يشكّل الإجهاض غير الآمن أحد العوامل الأساسية التي تؤدي إلى وفاة الأمهات ومعاناتهنّ في العالم أجمع، علمًا أنّه يمكن تفاديه بالكامل.الدكتورة مانيشا كومار، رئيسة فريق العمل المعني برعاية الإجهاض الآمن في أطباء بلا حدود
لكن لسوء الحظ، يُعتبر الإجهاض بالأدوية الطريقة الأقل شيوعًا في العالم، فإنّ عددًا كبيرًا من الأشخاص لم يسمعوا عنها أو لا يعرفون كيف تُتّبع أو لا يثقون بسلامتها. وفي هذا الصدد، تفرض القيود وأشكال الحظر القانونية ووصمة العار الاجتماعية والمتطلبات الطبية غير اللازمة عقبات تحد من الحصول على هذه الرعاية. وتؤثر هذه العوائق بشكل متفاوت على الفئات المهمشة كالأشخاص ذوي البشرة السوداء والملونة والطبقات الاجتماعية المتواضعة والمراهقين والساكنين في مناطق نائية أو الأشخاص الّذين ألمّت بهم الأزمات والنزاعات.
وفي سبيل تسهيل الوصول إلى رعاية الإجهاض الآمن، جددنا بروتوكولات الإجهاض في عام 2017 لتشمل الإجهاض بالأقراص الدوائية، كما لم يعد إجراء الفحوصات الطبية الروتينية كالفحوصات بالموجات فوق الصوتية وفحوصات الدم ضروريًا منذ ذلك التاريخ. وفي مشاريعنا، باتت رعاية الإجهاض الآمن التي نقدمها مجرّد محادثة بين شخصين لتشارك المعلومات الدقيقة المرتبطة بالإجهاض وتأمين الدواء لتناوله في المنزل. ومنذ أن بدأنا بتطبيق نموذج الرعاية هذا، شهدنا ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الأشخاص الّذين قدمنا لهم الرعاية من 781 شخصًا في عام 2016 إلى أكثر من 30,000 شخص في عام 2020.
ونبحث حاليًا عن طرق تمكننا من مساعدة عدد أكبر من الأشخاص والاستمرار في دعم الإجهاض المسير ذاتيًا الّذي يقوم على الحصول على أدوية الإجهاض وتناولها خارج المرافق الطبية. وتشتمل هذه الطرق على مجموعة من الممارسات تختلف درجة ارتباطها بالحاجة إلى المتابعة ضمن نظام الرعاية الصحية.
ويُفضّل الكثير من الأشخاص الإجهاض مسير ذاتيًا على غيره من الطرق لعدة أسباب كالخصوصية والسرية والاستقلالية والقدرة على السيطرة على العملية وسهولة الحصول على الدواء. وعادةً ما يلجأ إليه الأشخاص الّذين يعيشون في مناطق بعيدة عن المرافق التي تقدم هذه الخدمة. والجدير ذكره أننا نشهد تزايدًا في الأدلة التي تثبت فعالية الإجهاض بالأقراص الدوائية وسلامة اللجوء إليه على غرار جميع خدمات الإجهاض التي تُقدّم في المرافق.
إضافة إلى ما سبق، يمكن للمنظمات ومقدمي الرعاية الصحية أن يدعموا الإجهاض المسير ذاتيًا بطرق عديدة. وفي هذا السياق، عملت فرق أطباء بلا حدود مع عاملين صحيين مجتمعيين ومجموعة من المثقفين الأقران لضمان حصول الساكنين في المناطق النائية على رعاية الإجهاض الآمن من دون الحاجة إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى مرافق الرعاية الصحية التي توفر هذه الرعاية. علاوة على ذلك، خصصنا خطًا ساخنًا ما زال قيد التجربة يهدف إلى تقديم الرعاية الصحية عن بعد، ويقدم الطاقم عبر هذا الخط المعلومات الدقيقة التي تتعلق بالإجهاض والدعم اللازم عبر الهاتف.
وقد بينت هذه التجربة أنّ الإجهاض بالأقراص الدوائية لا يحتاج إلى فحوصات سريرية وأدوات طبية أو حتى إلى مرفقٍ صحيٍ لكي يكون آمنًا، بل يحتاج إلى توافر ثلاثة عناصر أساسية، هي المعلومات الدقيقة وجودة الأدوية والاحترام والثقة المتبادلين. وفي هذا الصدد، لابد من تسليط الضوء على المعلومات الدقيقة المرتبطة بالإجهاض لكي تصبح سهلة المنال وفي متناول الجميع. إلا أن ذلك يتنافى مع الواقع، فالمعلومات الخاطئة وغير الدقيقة منتشرة بشكل كبير.
ولسد هذه الفجوة المعرفية ومشاركة معلومات دقيقة تقوم على الأدلة، أعدت أطباء بلا حدود مع مدونة "كيفية استخدام حبوب الإجهاض" سلسلة فيديوهات تتوجه إلى الراغبين بالاطلاع على معلومات تتعلق بالإجهاض بالأقراص الدوائية الممكن حتى الأسبوع الثالث عشر من الحمل.
وتُبيّن هذه الفيديوهات الأشخاص المؤهلين لاستعمال الأقراص الدوائية لإنهاء الحمل وعن طرق استعمالها والحالات التي تستوجب اللجوء إلى رعاية إضافية والعلامات التي تشير إلى نجاح العملية. وتتوجه هذه المقاطع إلى الأشخاص الّذين يبحثون عن الإرشاد حول ممارسة الإجهاض المسير ذاتيًا بشكل آمن، والذين يفكرون في الحصول على الرعاية في المرافق الصحية أو الّذين يريدون فهم العملية بكل بساطة وإلى أي شخص آخر يثير الموضوع اهتمامه. تتوفر هذه الفيديوهات بـ 27 لغة ومشاهدتها مفتوحة للجميع ومجانية، كما لا تحتوي على أي مصطلحات طبية صعبة أو معقدة، وذلك لضمان استفادة أكبر عدد ممكن من الأشخاص من هذه المعلومات.
أما العنصر الثاني المرتبط بجودة الأدوية، فيصعب ضمان توفره لأسباب متعلقة بالأعراف الاجتماعية والسياسة أكثر منه بسلامة المريض أو صحته. ورغم أن أدوية الإجهاض مدرجة ضمن لائحة الأدوية الضرورية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، إلا أنّ جودتها وتكلفتها وتوافرها يختلف بشكل ملحوظ من مكان إلى آخر. وتتوفر بعض الموارد المتاحة على الانترنت لتساعد الناس على العثور عليها. لكن مما لا شك فيه أن الأقراص الدوائية تستعمل على نطاق واسع وتحظى بأهمية كبيرة وتتميز بسهولة الاستعمال، بالتالي، يجب تسهيل الحصول عليها على غرار جميع الأدوية التي تباع في الصيدليات من دون وصفة طبية.
أما بالنسبة إلى الثقة والاحترام المتبادلين، فقد يكون هذا العنصر المثير الجدل من أهم العناصر رغم أنّه بعيد المنال. فلا يمكن تحقيقه من دون محاربة افتراضات الإجهاض المعقدة والعمل على تعزيز الشعور بالراحة والثقة بالنساء الحوامل لاتخاذ القرارات وتحديد أشكال الرعاية التي يحتجن إليها وكيف يرغبن في الحصول عليها.
وفي سبيل تبديد وصمة العار المرتبطة بالإجهاض ورفع أصوات الأشخاص الّذين خضعوا للإجهاض وتسليط الضوء على احتياجاتهم وتجاربهم، سننشر في اليوم العالمي للإجهاض الآمن في 28 سبتمبر/أيلول تجارب شخصية بلسان هؤلاء الاشخاص من الأماكن التي نعمل فيها. إننا نستمع إلى قصص إجهاض يرويها أشخاص ينحدرون من جميع أنحاء العالم من كولومبيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية واليونان والهند وينتمون إلى مختلف الأديان، منهم من أنجب أطفالًا ومنهم من ليس لديه أطفال.
تدحض هذه القصص النزعة إلى اختزال تجارب الإجهاض في إطار وحيد يسعى إلى تنميط النساء اللواتي خضعن إلى الإجهاض ولومهنّ ووصمهنّ. عندما نصغي إلى قصص نساء خضعن للإجهاض في مختلف أنحاء العالم، نزداد يقينًا بأن الوصول إلى رعاية الإجهاض الآمن ضروري ومنقذ للحياة إلى حد بعيد. كما تسلط هذه القصص الضوء على تسيير النساء للإجهاض بأنفسهنّ إلى حد ما.
إنّ دورنا كمقدمي رعاية صحية يتبلور في توفير رعاية إجهاض آمن تعزز الشعور بالراحة وتحفظ كرامة الجميع. وينعكس ذلك في مساعدة الأشخاص على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، لا سيما في ما يتعلق بطريقة الإجهاض وزمانه ومكانه والداعمين له، إذ لا نعتبر أنفسنا المشرفين الوحيدين على هذا النوع من الرعاية الصحية الأساسية. إنّ طرحنا للإجهاض المسير ذاتيًا لا يهدف فقط إلى تعزيز قدرة الوصول إليه، بل يسعى أيضًا إلى حماية استقلالية الأشخاص وضمان قدرتهم على اختيار أشكال الرعاية التي يرغبون فيها بأنفسهم.
لا بد من توفير رعاية الإجهاض الآمن لجميع الأشخاص أينما كانوا في العالم.