يشهد نظام الرعاية الصحية العامة في ميانمار حالة من التخبّط. فبعد أيام من استيلاء الجيش على السلطة في 1 فبراير/شباط، انسحبت الفرق الطبية من وظائفها وقادت حركة عصيان مدني أضرب خلالها الموظفون الحكوميون من جميع الأطياف.
لم يعد معظم الموظفين للعمل، إذ يواجه الموظفون الذين أضربوا عن العمل والذين يواصلون عملهم في عيادات تحت الأرض خطر الاعتداء والاعتقال من قبل السلطات. وقد قتل 28 متخصّصًا في مجال الرعاية الصحية على الأقل منذ 1 فبراير/شباط، في حين لا يزال 90 آخرون معتقلين.
وسرعان ما تعرّضت المستشفيات لضغط كبير عندما لحقت جائحة كوفيد-19 بنظام الرعاية الصحية العامة المحاصر.
محارق جثث مكتظة ورفوف فارغة
أصبحت الأسرّة في المستشفيات صعبة المنال عندما بلغت إصابات كوفيد-19 ذروتها وبات عدد لا يحصى من الناس يتزاحمون في بلدات وقرى ميانمار بهدف الحصول على إمدادات الأكسجين واستخدامها في المنازل.
وعجزت المحارق على معالجة الجثث بالسرعة الكافية. كما أُلغيت الاستشارات الروتينية والعمليات الجراحية واللقاحات بينما كانت القوى الطبية الأساسية العاملة تستجيب لتفشّي المرض. وفي غضون ذلك، أدت حالة الشراء بدافع الهلع إلى إفراغ الصيدليات من مخزونها.
وقد سجّلت وزارة الصحة في ميانمار نحو 20,000 وفاة جراء كوفيد-19 بحلول نهاية عام 2021، ويعدّ رابع أعلى معدّل وفيات في جنوب شرق آسيا. ولكنّ هذا الرقم مضلّل، إذ لا ياخذ في الاعتبار سوى عدد الأشخاص الذين توفوا في المستشفيات، في حين أنّ عددًا لا يحصى من الناس قد توفوا في منازلهم جراء امتلاء المرافق الصحية.
كيف استجابت أطباء بلا حدود؟
لقد مُنحنا الإذن لافتتاح ثلاثة مراكز علاج كوفيد-19 مستقلّة لعلاج المرضى الذين يعانون من أعراض مرضية متوسطة إلى شديدة في يانغون وهي أكبر مدن ميانمار وبلدتي ميتكيينا وهباكانت في ولاية كاشين.
وفي حين أنّ بعضنا قد أصيب بأعراض خطيرة جراء كوفيد-19، لم يشهد فريقنا أية وفيات بسبب المرض، لكننا فقدنا بعضًا من أفراد عائلاتنا. ورغم ذلك، استجمعنا أنفسنا واعتنينا ببعضنا البعض وعملنا لساعات إضافية من أجل تشغيل المراكز وعلاج الأشخاص الذين كانوا في حاجة ماسة للخدمات الطبية.
وعلى الرغم من أنّنا لم نستطع إنقاذ بعض المرضى الذين كانت حالتهم حرجة، تعافى البعض الآخر بشكل ملحوظ. فعلى سبيل المثال، كانت إحدى النساء المصابات بفيروس نقص المناعة البشري تتنفّس بالكاد عندما وصلت إلى مرفقنا، إلاّ أنّها لم تعد بحاجة إلى الأكسجين بعد مرور خمسة أيام، حين تمكّنت من مغادرة المستشفى وإفساح المجال لمريض آخر.
أمّا البعض الآخر فقد أحرز تقدّمًا بطيئًا وثابتًا. فقد بقيت امرأة بالغة من العمر 64 عامًا في عيادة ميتكيينا لمدة 46 يومًا بينما كانت حالة رئتيها تشهد تحسّنًا بطيئًا حتى أصبحت مستويات الأكسجين لديها جيدة بالشكل الكافي الذي يسمح لها بالعودة إلى المنزل.
غياب الحلول المعقولة
كان من الممكن أن تكون استجابتنا أكبر وهو ما كان ينبغي أن يحصل. وفي حين أنّنا حصلنا على الإذن بإدارة ثلاث استجابات مستقلّة لكوفيد-19 في ثلاثة مواقع، لم تكن جميع السلطات الصحية المحلية على نفس الرأي.
كنا قد بدأنا دعم مرفق صحي في لاشيو عاصمة ولاية شان الشمالية في 11 أغسطس/آب، ولكن أحد الأشخاص في مرفق لاشيو الصحي قد أمرنا بإغلاقه في 15 أغسطس/آب. وبعد استقبال أول المرضى بعدة أيام، أُجبرنا على نقل ستة أشخاص يتلقون العلاج إلى مركز العلاج التابع للحكومة العسكرية، رغم أنّهم كانوا يفضّلون تلقي الرعاية من قبل أطباء بلا حدود.
هل استجبنا في الوقت المناسب؟
بحلول موعد افتتاح المركز العلاجي الأول في أغسطس/آب، كانت جائحة كوفيد-19 قد دمرت البلاد. هل كنا لنستطيع الإستجابة بشكل أسرع وإنقاذ أشخاص أكثر لو كنا جاهزين بشكل أفضل؟ للأسف، جواب هذا السؤال هو نعم.
لقد شكّل المتحوّر دلتا عبئًا كبيرًا على الهند وبنغلاديش، البلدان اللذان يشتركان في الحدود التي يبلغ طولها 2,000 كيلومتر مع ميانمار، خلال الأشهر التي سبقت ذلك. وكان قدومه محتّمًا. كان بوسعنا الاستفادة من ذلك الوقت لتجهيز أنفسنا والإستعداد وأخذ العبرة من التحديات التي واجهها زملاؤنا في الهند بأنّ الحصول على الأكسجين هو من أبرز المشاكل المفروضة.
كانت قد مرّت ستة أشهر على استيلاء الجيش على ميانمار عندما ضربت الموجة الثالثة البلاد. وكان الفريق يعمل بكامل طاقته أساسًا للحفاظ على الأنشطة القائمة وسدّ الثغرات المتبقية في نظام الرعاية الصحية العامة الذي كان يكافح أصلًا، وخصوصًا من أجل التعامل مع آلاف المرضى المصابين بفيروس نقص المناعة البشري ضمن برنامج الإيدز الوطني في الولاية. ومع بداية استجابتنا في منتصف يوليو/تموز، كنّا نواجه وضعًا صعبًا للغاية.
هل كنا لنستطيع الإستجابة بشكل أسرع وإنقاذ أشخاص أكثر لو كنا جاهزين بشكل أفضل؟ للأسف، جواب هذا السؤال هو نعم.فريق أطباء بلا حدود في ميانمار
لم نفهم الأمور بالشكل الصحيح دائمًا
كان هناك اعتقاد سائد بأنّه يمكننا علاج المرضى بالأكسجين وإنقاذهم، لكنّ علاج مرضى كوفيد-19 لا يعدّ بهذه السهولة. فغالبًا ما يعاني المرضى الذين تظهر عليهم أعراض مرضية شديدة من حالات كامنة تفاقم أعراضهم وتعقّد علاجهم.
كنا بحاجة إلى الأدوية الأساسية كالإنسولين وأدوية القلب والأوعية الدموية الأساسية، لكنّها لم تكن موجودة في مستودعنا ولم نكن قادرين على استيرادها بسبب الإجراءات الداخلية المعقدة وصعوبة الحصول على تصاريح الإستيراد. كانت بحوزتنا سلل طوارئ لكوفيد-19 ولكنها لم تكن تحتوي على الأدوية الضرورية لعلاج جلطات الدم كما نفدت الإمدادات الأخرى التي كانت تحتوي عليها بشكل سريع.
ملتزمون وجاهزون
على الرغم من العوائق الداخلية والخارجية والتحديات التي واجهناها، تعدّ مرافقنا المعنية بعلاج كوفيد-19 الآن أكثر من مجرد عيادات ميدانية، فهي مستشفيات ممتازة قد أنقذت حياة الناس وستواصل إنقاذ المزيد من المرضى في المستقبل.
تلقّى نحو 13 مليون شخص فقط في ميانمار اللقاح بالكامل أي ما يقارب ربع السكان. لذلك، قد يواجه نظام الرعاية الصحية العامة عبئًا كبيرًا من جديد في حال انتشار موجة جديدة من العدوى. وبالتالي، فقد وضعنا ذلك في الاعتبار، فحافظنا على البنية التحتية المخصّصة لعلاج كوفيد-19 وأبقينا الطاقم الطبي في حالة تأهّب تحسّبًا لأي تفشّ جديد.
وعلى الرغم من إحراز تقدّم في إمدادات الأدوية الأساسية، مازالت عملية الإستيراد تشكل تحديًا، إذ تخضع التصاريح حاليًا للمزيد من التدقيق مقارنة بالفترة السابقة لاستيلاء الجيش على البلاد، ويؤدي ذلك إلى تأخير عملية الشحن. علاوة على ذلك، لم تتكيّف إجراءات وسياسات أطباء بلا حدود الداخلية المتعلّقة بعملية شراء الأدوية على المستوى المحلي والإقليمي بشكل جيد مع أزمة الإمدادات العالمية وقد أعاق ذلك عمليات الشراء الطارئة في أغلب الأحيان.
لقد تعلّمنا دروسًا كثيرة من التحدّيات التي واجهناها ومازلنا ملتزمين وجاهزين للاستجابة للتحديات الجديدة وغير المتوقّعة في المستقبل.