Skip to main content
Gaza North Feb 2025
الشوارع والمباني المدمرة في بيت لاهيا، شمال غزة.
© Nour Alsaqqa/MSF

"أشعر بقلق كبير مما سيحدث لصحة الناس النفسية في غزة. من الضروري أن يصمد وقف إطلاق النار"

الشوارع والمباني المدمرة في بيت لاهيا، شمال غزة.
© Nour Alsaqqa/MSF

عادت كاترين غلاتز بروباك من مهمتها الثانية في قطاع غزة بفلسطين حيث عملت كمعالجة نفسية للأطفال ومديرة لأنشطة الصحة النفسية مع أطباء بلا حدود. وفي هذا المقابلة، تجيب على ثلاثة أسئلة حول الوضع النفسي للأهالي في غزة وضرورة صمود وقف إطلاق النار.

1. زرتِ غزة مرتين، الأولى بين أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2024، ثم مرة أخرى بين يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2025. ما الذي يمكنكِ أن تخبرينا به عن الوضع النفسي للناس مع الإعلان عن وقف إطلاق النار؟ 

عندما بدأ سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تنفس الناس الصعداء أخيرًا. فبعدما كان البقاء على قيد الحياة كلّ همّهم على مدى أكثر من خمسة عشر شهرًا، صار بإمكانهم العيش بلا خوف من أن تسقط القنابل على خيمهم في الليل، أو أن يُقتل أطفالهم وهم يخرجون لجلب الخبز أو الماء. بدأ الأمل يتسلل إليهم مجددًا لعلّ الحياة تعود إلى شيء من طبيعتها.

لكن سرعان ما بدأ قلقهم من المستقبل يطغى عليهم. فإلى متى سيستمر وقف إطلاق النار؟ وهل سيتمكنون من العودة إلى منازلهم؟ وكم ستستغرق عودة أطفالهم إلى المدرسة، وهل سيجدون أي شكل من أشكال الحياة الطبيعية مرة أخرى في غزة وسط هذا الدمار الهائل؟

ما شهدته كان أشبه بـ "حداد السلام". خلال الحرب، كان البقاء على قيد الحياة الشغل الشاغل للجميع، ولكن مع وقف إطلاق النار، بدأ حداد الناس على كل ما فقدوه: من منازلهم وحياتهم الطبيعية وأفراد عائلاتهم ولا يزال بعضهم تحت الأنقاض حتى تعليم أطفالهم وإحساسهم بالأمان والرغد وأملهم بالمستقبل. ورغم أن القنابل لم تعد تتساقط عليهم، ظل القلق حاضرًا بقوة.

كاترين غلاتز بروباك، معالجة نفسية للأطفال ومديرة أنشطة الصحة النفسية ما شهدته كان أشبه بـ "حداد السلام". خلال الحرب، كان البقاء على قيد الحياة الشغل الشاغل للجميع، ولكن مع وقف إطلاق النار، بدأ حداد الناس على كل ما فقدوه...
كاترين غلاتز بروباك
كاترين غلاتز بروباك، مديرة أنشطة الصحة النفسية في فلسطين. غزة، فبراير/ شباط 2025.
© MSF

تمسّك الناس بأمل العودة إلى حياتهم طالما استمر وقف إطلاق النار. يقول لي أحد زملائي، "حجم الدمار لا يشكل فارقًا، لا يهم أننا فقدنا كل شيء، طالما أنهم لا يقتلوننا". أشعر بقلق كبير مما سيحدث لصحة الناس النفسية في غزة. من الضروري أن يصمد وقف إطلاق النار. فقد كان الأطفال يتطلّعون للعودة إلى غرفهم ولرؤية أصدقائهم والذهاب إلى المدرسة من جديد. إذا لم يستمر وقف إطلاق النار، فسيتبدّد هذا الأمل تمامًا، وسيكون لذلك أثر مدمر على الناس في غزة.
 

2. لقد عملتِ في مستشفى ناصر في خان يونس، وكذلك في المستشفى الميداني المتنقل في دير البلح. ماذا يمكنكِ أن تخبرينا عن المرضى الذين عالجتِهم هناك؟

تأثرت الصحة النفسية بشكل بالغ لدى الأطفال والكبار في غزة. فقد مروا بصدمات هائلة، وأمضوا أكثر من عام وهم في خوف على حياتهم. نرى أعراض الاكتئاب لدى البالغين والأطفال على حد سواء، فبعضهم ينتف شعره أو يعض نفسه أو يعاني من عدم استقرار مستمر، بينما ينعزل آخرون عن هذا العالم لأنهم لم يعودوا قادرين على التحمل.

نرى أعراض الاكتئاب لدى البالغين والأطفال على حد سواء، فبعضهم ينتف شعره أو يعض نفسه أو يعاني من عدم استقرار مستمر، بينما ينعزل آخرون عن هذا العالم لأنهم لم يعودوا قادرين على التحمل. كاترين غلاتز بروباك، معالجة نفسية للأطفال ومديرة أنشطة الصحة النفسية

التقيت بطفلة في غزة كان يُطلق عليها اسم "الكوالا الصغيرة". هكذا تسميها والدتها لأنها لا تفارقها أبدًا. طفلة جميلة، في الثالثة من عمرها، بشعر مجعد وعينين فضوليتين، ولكن بمجرد أن تقترب منها، تتراجع بخوف وتتشبث بوالدتها أكثر. كانت تعيش مع عائلتها في شمال غزة. فتعرض منزلهم للقصف وأصيبت من جراء ذلك، ثم عانوا من نقص في الغذاء حتى فقدت شقيقتها الصغرى التي كانت تبلغ من العمر عامًا وشهرين فقط بسبب الجوع. ومنذ ذلك الحين بدأت الطفلة بالتعلّق بوالدتها كل الوقت.

لا تفارق أمها أبدًا، نائمة أكانت أو مستيقظة، وحتى عندما يثير أمرٌ ما فضولها، تحرص دائمًا على البقاء قريبة منها. هذا هو أثر الحرب على الأطفال. يقضون كل وقتهم في خوف مستمر، ويعيشون حياة مليئة بانعدام اليقين ويتساءلون إن كانوا سيواجهون المصير الأسوأ. لا يعيشون طفولتهم كما ينبغي باللعب والتعلّم والاستكشاف وتكوين الصداقات.

تُنتزع منهم كل هذه العناصر الأساسية لنمو الإنسان بشكل صحي. ستستمر هذه الحرب في نفوس هؤلاء الأطفال لسنوات طويلة قادمة.

3. ما أهمية استمرار وقف إطلاق النار؟

يجب أن يستمر وقف إطلاق النار، فمن دونه، سيعود هؤلاء الأطفال ليكون البقاء على قيد الحياة كلّ همّهم، حيث تتحوّل كل لحظة إلى دوامة للنجاة. يجب أن يستمر وقف إطلاق النار، لأن مستقبلهم يُسلب منهم يومًا بعد يوم. يجب أن يستمر لأن سكان غزة تحملوا الكثير، جسديًا ونفسيًا، بسبب هذه الحرب، ولم يعودوا قادرين على التحمّل. لم يعودوا قادرين على العيش في خوف دائم من أن يُقتلوا أو في رحلة يومية لإبقاء أطفالهم على قيد الحياة. يجب أن يستمر وقف إطلاق النار في غزة، لأن حالة عدم اليقين والخوف والصدمات النفسية قد طالت أكثر مما يمكن لأي إنسان أن يحتمل.

المقال التالي
حرب غزة وإسرائيل
تقارير 6 فبراير/شباط 2025