مقال بقلم آيتور زبالجوجيازكوا، المدير العام السابق لمنظمة أطباء بلا حدود الذي كان عضوًا في الفريق الذي افتتح مستشفى السلامة في سجو، أعزاز (شمال غرب سوريا) في عام 2012.
"في أواخر صيف 2012، فقدت الحكومة السورية السيطرة على منطقة أعزاز، وذلك بعد أشهر من القتال في المنطقة. كانت منظمة أطباء بلا حدود قد حاولت، دون جدوى، التفاوض مع الحكومة السورية للوصول إلى هذه المناطق وغيرها من أجل تقديم المساعدة للسكان المتضررين من الحرب. ولكن بعد أسابيع قليلة، سمحت لنا الإدارة المؤقتة الجديدة، والمؤلفة من مجلس شيوخ وقادة الجماعات المسلحة في هذه المنطقة الواقعة على الحدود مع تركيا، بالوصول إلى أعزاز لتقييم الاحتياجات الإنسانية.
كان الواقع الذي شهدناه هناك مدمرًا، وبعد بضعة أيام بات تشخيصنا للوضع واضحًا: لقد مرّ وقت طويل منذ أن رأينا مثل هذا المستوى من الدمار في المناطق الحضرية، أو مثل هذه الخسائر الفادحة في الأرواح، أو مثل هذه الاحتياجات الطبية العاجلة التي تُركت دون تلبيتها. كان العنف وحشيًا وعشوائيًا، متزامناً مع القصف اليومي والقصف المدفعي والاشتباكات بين الجماعات المسلحة المختلفة، بينما تستمرّ العائلات بالنزوح ...
كانت الحرب في سوريا بيئة غير مألوفة للعديد من موظفي أطباء بلا حدود، ولم يكن هناك سوى عدد قليل من موظفينا ذوي الخبرة الطويلة ممن شهدوا وضعًا مشابهًا في حروب القوقاز والبلقان في أوائل التسعينيات.
تمثّل التحدي، بالنسبة لأطباء بلا حدود، في إنشاء مستشفى نكون آمنين فيه بما يكفي لعلاج المرضى والجرحى بكفاءة، وفي الوقت ذاته أن نكون قريبين بما يكفي من الخطوط الأمامية التي يفر منها المدنيون لنتمكن من مساعدتهم.
على بعد كيلومترات قليلة من الحدود التركية، وفي بلدة صغيرة تضم حقل نفط صغير وتحيطها حقول القمح وبساتين الزيتون والفستق، توقفنا للحصول على الطعام – الخبز والزيت والطماطم والخيار والدجاج والفستق – وأيضًا المحروقات. وبعد التحدث إلى القادة المحليين لمحاولة إيجاد قاعدة لأنشطتنا، عرضوا علينا مبنى مدرسة القرية التي لم يعد بإمكان الأطفال الذهاب إليها.
اسم تلك البلدة سجو، وهي تقع على الطريق المؤدي إلى معبر حدودي يسمى باب السلامة. كانت المنطقة بأكملها، بما في ذلك سجو نفسها، مليئة بتجمّعات النازحين من المدن المجاورة. بحثنا عن موقع جديد للمدرسة، وفي غضون ثلاثة أسابيع، تحول مبنى المدرسة القديم إلى مستشفى أطلقنا عليه اسم "السلامة"، مستخدمين جذر الكلمة العربية نفسه: "سلام".
تعاونت المدينة بأكملها في المشروع، بما في ذلك الأطفال وكبار السن. التمسنا بين السكان المحليين مشاعر حلوة ومرة تجاه افتتاح المستشفى. فمن ناحية، خاف البعض من خطر تحويل البلدة إلى هدف عسكري لاستضافتها منشأة صحية، ومن ناحية أخرى، شعر الناس بالفخر حيال جعل البلدة نقطة مرجعية لرعاية سكان المنطقة، وحتى أن تكون المكان الذي يتم منه إحالة الحالات الأكثر خطورة والتي لم يتسن علاجها هناك إلى تركيا. هذا المرفق الذي أنشئ كمستشفى مؤقت بقي عاملاً لما يقرب من عقد من الزمن.
اسم مستشفى السلامة، والذي يعني لنا السلام، لم يحرر المدينة أو المستشفى نفسه من القصف ونيران القصف المدفعي، ما أجبرنا على بناء حصن حول المدرسة. رفعنا الجدران بارتفاع أربعة أمتار وسماكة متر، وبنينا الملاجئ لتوفير الحماية لجميع مَن في المرفق من القنابل. أصبح هذا المستشفى ودفاعاته نهجًا ومعيارًا في حرب لا تزال مستمرة وأصبح فيها العاملون في المجال الصحي والمرافق الصحية أهدافًا لهجمات إجرامية وممنهجة من قبل مختلف أطراف النزاع.
على مدار ثماني سنوات، اعتنى مستشفى السلامة وموظفوه البالغ عددهم مئة شخص بمئات الآلاف من الأشخاص في غرف الدراسة الصغيرة التي تم تحويلها إلى غرف عمليات أو غرف ولادة أو غرف طوارئ. مرّت علينا العديد من الأيام الصعبة والمرهقة والمروعة، مع سقوط عشرات الضحايا في بضع دقائق، والنقص في الإمدادات، والنقص في الطواقم المؤهلة ... أضف لذلك حيرة السوريين حول كيفية سقوطهم عن غير قصد في هاوية هذه الحرب.
اضطررنا في بعض الأحيان إلى إيقاف خدماتنا بسبب الهجمات، ففي بعض الحالات كان يقترب فيها القتال إلى مسافة كيلومتر واحد فقط في بعض الأحيان، ولكننا كنّا دائمًا ما نعود لتقديم الخدمات والرعاية لمن يحتاجون إليها.
مُنع موظفو منظمة أطباء بلا حدود الدوليين من عبور الحدود التركية إلى سوريا اعتبارًا من عام 2015، ما أدّى إلى مرور المستشفى في أصعب المواقف، ومع مرور كل فصيل يمكن تخيله عبر المدينة، كان يقابل شتى الصعوبات التزام وتفاني زملائنا السوريين بالعمل، الذين ظلّوا في المستشفى لمساعدة جيرانهم على الرغم من توفّر سبل الرحيل أمامهم كالمغادرة إلى تركيا أو أوروبا أو دول الخليج العربي.
مِن بين زملائنا مَن دفعوا أرواحهم ثمنًا لاختيارهم مساعدة الآخرين، سواء كان ذلك جرّاء انفجار عندما كانوا يشترون البرتقال في السوق أو لأنه تم تمييزهم كما حدث لمحمد، وهو جراح شغوف من حلب، والذي انتهى به الأمر ليتم تعذيبه وقتله بدم بارد. لا يمكننا أبدًا أن نعبّر عن امتناننا بما فيه الكفاية لما قدموه من التزام واحترافية ومشاركتهم معنا الخبز والأوقات الصعبة وصداقتهم.
باتت منطقة سجو أكثر هدوءًا الآن. عادت درجة من الحياة الطبيعية إلى المنطقة المليئة بالنازحين الذين لحسن الحظ، بسبب عزلتهم، لم يتأثروا بشكل كبير بتفشي مرض كوفيد-19. لقد فقد المستشفى جزئيًا أهميته الخاصة، لذا قررنا إيقاف دعمنا للمنطقة.
الأطفال الذين كان من المفترض أن يلتحقوا بالمدرسة هم الآن مراهقون وبالغون لم يروا في حياتهم شيئًا سوى الحرب. نأمل أن تفسح هذه المرحلة الجديدة من مستشفى السلام الطريق لحياة أفضل، على الرغم من أن السلام قد لا يزال بعيدًا جدًا".