أجرت أطباء بلا حدود خمس عمليات إنقاذ خلال مدة تقلّ عن يومين، أنقذت أثناءها نحو 400 شخص ونقلتهم إلى سفينة البحث والإنقاذ في وسط البحر الأبيض المتوسط جيو بارنتس. وكان من بين الناجين الكثير من القاصرين غير المصحوبين بذويهم والأطفال الصغار. لذلك، ندعو إيطاليا إلى توفير مكان آمن لهؤلاء الأشخاص المعرضين للخطر في أسرع وقت ممكن نظرًا للأحوال الجوية الخطيرة التي تلوح في الأفق.
وقد أجرت فرقنا خمس عمليات إنقاذ شاقة في خضمّ الظروف الجوية القاسية. ويعاني الكثير من الناجين من انخفاض درجة حرارة الجسم بعد تعرضهم للعوامل الجوية القاسية لفترات طويلة أو سقوطهم في البحر. كما يعاني الناجون من دوار البحر والتجفاف وفقدان الشهية واستنشاق الوقود. ومن بين 367 شخصًا على متن السفينة، يبلغ عدد القاصرين 172 قاصرًا، 134 منهم غير مصحوبين بذويهم.
وتقول منسقة مشروع أطباء بلا حدود على متن جيو بارنتس، كارولين ويلمان، "تخيّل أنّك على متن قارب مكتظ بدون سترة نجاة، وتخيّل أنّك محاط بأمواج يصل ارتفاعها لغاية 3 أمتار، بينما تلبس ثيابًا مبللة وتعاني من استنشاق الوقود".
وتضيف، "تخيّل نفاد الطعام والماء لديك مع مرور الوقت وأنّه لا يمكنك وقاية نفسك من الشمس والرياح والأمطار. تخيّل أنّك تطلب المساعدة ولا أحد يستجيب. هذا هو الواقع الذي نشهده في البحر".
عملية الانقاذ الحرجة والتسمم بالوقود
في صباح يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول، أجرينا أول عملية إنقاذ ونقلنا 36 ناجيًا من قارب خشبي على متن جيو بارنتس. وفي الوقت نفسه، تلقّينا إنذارًا جديدًا يفيد بوجود قارب مطاطي يواجه الخطر يقع على بعد عدّة ساعات.
وفي هذا الصدد، يقول رئيس فريق البحث والإنقاذ في أطباء بلا حدود، ليو ساوثهال، "وصلنا إلى هناك في الليل وكان الظلام حالكًا. وفي وقت ما، تجاوز ارتفاع الأمواج ثلاثة أمتار وكانت الرياح عاتية. كان القارب في حالة هشّة للغاية وقد استنشق الأشخاص على متنه دخان الوقود".
بعد ساعتين عصيبتين، استطاع الفريق نقل جميع الناجين الـ 65 على متن سفينة البحث والإنقاذ. وكان علينا نقل أحد الأشخاص على متن نقالة. وفي حين كان الناجون يشعرون بالإرتياح، كان الكثيرون يشعرون بالقلق والإرهاق بعد قضاء أكثر من 24 ساعة في البحر.
بقي القارب في مياه خطيرة لمدة ثلاثة أيام وعلى متنه 100 شخص، بينهم 42 طفلًا. فمن غير المقبول ترك الناس ينجرفون في البحر لعدة أيام.كارولين ويلمان، منسقة مشروع أطباء بلا حدود على متن جيو بارنتس
أشخاص تجاهلتهم السلطات
وفي اللية نفسها، تلقت سفينة جيو بارنتس إنذارًا آخر بوجود قارب منكوب مكتظ بالركاب. ورغم علم السلطات بالوضع، لم يقم أحد بالاستجابة أو التدخل. وقد استغرقت فرقنا تسع ساعات للوصول إلى القارب، في حين لم تقدم السلطات أو السفن القريبة المساعدة.
وتقول ويلمان، "هذا مثال آخر على رفض البلدان الساحلية القريبة تحمّل مسؤولية الأشخاص الذين يرزحون تحت الخطر في البحر. فقد بقي القارب في مياه خطيرة لمدة ثلاثة أيام وعلى متنه 100 شخص، بينهم 42 طفلًا. فمن غير المقبول ترك الناس ينجرفون في البحر لعدة أيام".
وتضيف، "نشهد مجددًا كيف تعرّض السياسات الأوروبية التي تهدف إلى تنظيم الهجرة حياة آلاف الأشخاص للخطر مع غياب القدرة الاستباقية للبحث والإنقاذ في البحر والفشل في الاستجابة لجميع مناشدات الاستغاثة. إنه لمن غير المقبول ترك المنظمات غير الحكومية لتسدّ هذه الفجوة القاتلة".
لا يجب إعادة الناس إلى ليبيا
بحلول 23 أكتوبر/تشرين الأول، كانت سفينة جيو بارنتس تضمّ على متنها 201 شخص، عندما تلقّت إنذارًا آخر يفيد بوجود قارب آخر يواجه الخطر على بعد ست ساعات. وعند وصول فريقنا إلى المنطقة، رأينا خفر السواحل الليبي يقترب من القارب بسرعة ويناور حوله بشكل خطير. وفي اليوم السابق، رأينا لاجئين ومهاجرين على متن سفينة تابعة لخفر السواحل الليبي بالقرب من قارب فارغ أضرمت فيه النيران.
وقد خشينا من حدوث اعتراض آخر، فإذا اعترض خفر السواحل الليبي القارب، من المرجّح أن تجري إعادة الناجين قسريًا إلى حلقة العنف والاستغلال في ليبيا. وقد وصلت فرقنا إلى هناك أولًا واستطاعت نقل 95 ناجيًا على متن سفينة جيو بارنتس.
وفي هذا الصدد، تقول ويلمان، "يجب على البلدان والمؤسسات الأوروبية تعليق دعمها السياسي والمادي لخفر السواحل الليبي ووقف نظام الإعادة القسرية إلى ليبيا. إنّ ليبيا ليست مكانًا آمنًا".
طلب الحصول على ميناء آمن
في 24 أكتوبر/تشرين الأول، أجرى فريقنا عملية إنقاذ حرجة أخرى لقارب منكوب كان ممتلئًا بالماء. وقد جرى إنقاذ 71 شخصًا وهم الآن في أمان على متن سفينة جيو بارنتس التي تحمل على متنها الآن 367 شخصًا.
وتقول ويلمان، "لقد وضّح اليومان الماضيان الكارثة الإنسانية التي تحدث على الحدود الجنوبية لأوروبا. ومع تفرّد السفن الإنسانية بمراقبة أكثر خطوط الهجرة فتكًا في العالم، تشتدّ الحاجة إلى تعزيز القدرة على البحث والإنقاذ".
وتضيف، "ندعو إيطاليا لتقديم مكان آمن في أسرع وقت ممكن، إذ تلوح توقعات جوية قاسية للغاية في الأفق ونحن قلقون بشدة، لا سيما مع وجود قرابة 400 ناج على متن السفينة كانوا قد مروا بما يكفيهم من المصاعب. لذلك، يجب وضع حدّ لمعاناتهم".