بدأت منظمة أطباء بلا حدود حملة تلقيح عاجلة ضد الحصبة، إذ ارتفعت أعداد الإصابات بها سريعاً في منطقة جبل مرة التابعة لولاية جنوب دارفور في السودان.
فقد سجلت هذه المنطقة الجبلية المعزولة منذ شهر يوليو/تموز مئات حالات الحصبة المشتبه بها. واستقبلت فرق أطباء بلا حدود في 17 يوليو/تموز أوائل المرضى االذين يشتبه إصابتهم في عيادتها الواقعة في كالو كيتينغ، علماً أن عدد الأطفال الذين أُدخلوا عيادات المنظمة بحلول السابع من أغسطس/آب كان قد بلغ 849 طفلاً بينهم 824 دون سن الخامسة، إضافةً إلى تسجيل 11 وفاة. كما سجلت وزارة الصحة السودانية لغاية الآن سبعة إصابات مؤكدة مخبرياً.
نستقبل رضّعاً مصابين بالحصبة لا تتجاوز أعمارهم التسعة أشهر، مما يدل على أن أمهاتهم لم يحصلن مطلقاً على اللقاح.آنا بيلوند، منسقة مشاريع أطباء بلا حدود في جبل مرة
تغطية ضعيفة أو معدومة باللقاحات
يسهل الوقاية من الحصبة من خلال عملية تلقيح الأطفال. لكن بما أن منطقة جبل مرة خاضعة لسيطرة جيش تحرير السودان- عبد الواحد، وهي واحدة من قلائل المجموعات المسلحة التي لم توقع بعد على اتفاق جوبا للسلام مع الحكومة السودانية، لم تصلها حملات التلقيح الوطنية الروتينية منذ سنوات عديدة.
وفي هذا الصدد، قالت منسقة مشاريع أطباء بلا حدود في جبل مرة، آنا بيلوند، "نستقبل رضّعاً مصابين بالحصبة لا تتجاوز أعمارهم التسعة أشهر، مما يدل على أن أمهاتهم لم يحصلن مطلقاً على اللقاح. واليوم نسابق الزمن لوقف انتشار هذا المرض الفتاك".
يشار إلى أن الوضع يتّسم بحدية خاصة نظراً لأن الأطفال الذين يعيشون في هذه المنطقة يعانون أساساً من انتشار سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي. فقد كشفت فحوصات التحري التي نفذتها طواقم المنظمة والتي شملت 1,594 طفلاً لغاية 7 أغسطس/آب عن إصابة 220 طفلاً بسوء التغذية متوسط الشدة و71 آخرين بسوء التغذية الحاد الشديد.
هذا ويعتبر مرض الحصبة الذي يسببه فيروس شديد العدوى من أهم أسباب الوفيات بين الأطفال في القارة الإفريقية. وتشمل أعراضه الطفح وسيلان الأنف والتهاب العين والحمى والسعال، علماً أن الأطفال المصابين بسوء التغذية أكثر عرضة للإصابة بالشكل الشديد للمرض وخصوصًا إذا كانوا يعانون من نقص في الفيتامين أ.
التعاون مع المجتمع المحلي
وحيث أن الحكومة السودانية ممنوعة من دخول المنطقة فإن منظمة أطباء بلا حدود تعدّ واحدة من المنظمات القليلة القادرة على العمل بشكل كامل في جنوب جبل مرة، وبالتالي ستتولى فرق أطباء بلا حدود قيادة حملة التلقيح والتعامل مع الإصابات بالتعاون الوثيق مع المجتمع المحلي، علماً أن هذا القرار جاء بالتعاون مع وزارة الصحة وغيرها من الجهات والمؤسسات والمنظمات المعنية.
لولا التعاون مع المجتمع بأكمله لما أمكن تنفيذ هذه الحملة التي تقوم على التلقيح والعلاج... وقد سررنا جداً بالتزام الأهالي في الحيلولة دون انتشار الحصبة بشكل أكبر.جان نيكولاس دانغيلسر، رئيس بعثة أطباء بلا حدود
وستتعاون أطباء بلا حدود بشكل وثيق مع وزارة الصحة التي دربت موظفين من أجل إعطاء اللقاحات وتنظيم السجلات وستضع فريقاً في كالو كيتينغ لدعم عملية جمع ونشر البيانات. كما أعدّت المنظمة شبكة عمال صحة مجتمعية خضعوا لتدريبات تسمح لهم بالتعرف على المصابين بالحصبة وسوء التغذية وإحالتهم إلى المرافق الصحية.
وفي هذا الصدد قال رئيس بعثة أطباء بلا حدود، جان نيكولاس دانغيلسر، "لولا التعاون مع المجتمع بأكمله لما أمكن تنفيذ هذه الحملة التي تقوم على التلقيح والعلاج. فأهالي جبل مرة يدعمونها في كل جوانبها، بدءاً بالنقل وانتهاء بالأنشطة الخارجية المجتمعية والتوعية، إلى جانب تنبيه أطباء بلا حدود بشأن الحالات المشتبه بها. وقد سررنا جداً بالتزام الأهالي في الحيلولة دون انتشار الحصبة بشكل أكبر".
هذا وتسعى منظمة أطباء بلا حدود إلى تطعيم 95 في المئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين تسعة أشهر و15 سنة وإمدادهم بالفيتامين أ في إطار خطة وقائية وعلاجية تستهدف سوء التغذية. وفي هذا الشأن قالت بيلوند، "نأمل أن تكون حملة التلقيح هذه فاتحةً لحملات عديدة هدفها وقاية أهالي جبل مرة من تفشي أمراض أخرى يمكن الوقاية منها باللقاحات".
يشار إلى أن الحملة ستقدم اللقاحات في ستة مواقع إستراتيجية في جنوب جبل مرة ألا وهي: توري وديلي وكويا وتالي/موتور وتورونغ تونغا وغولانغبانغ. كما ستشرف عيادات أطباء بلا حدود الواقعة في ديلي وكالو كيتينغ وفريق متنقل تابع لها على التعامل مع إصابات الحصبة بين الأطفال.
كذلك تتعاون طواقم أطباء بلا حدود والمجتمع المحلي تعاوناً وثيقاً مع وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي واليونيسيف بشأن الإمدادات والخدمات اللوجستية التي تشمل اللقاحات وسلسلة التبريد والنقل.
وتدير منظمة أطباء بلا حدود عيادةً واقعة في ديلي في جنوب جبل مرة منذ مارس/آذار 2021 وأخرى في كالو كيتينغ منذ مايو/أيار 2021. كما تدير طواقم المنظمة العاملة في المناطق الأخرى من دارفور مشاريع في بلدة روكيرو التابعة لمنطقة جبل مرة، وكذلك في مدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور وفي مخيم كاريو في ولاية شرق دارفور (علماً أن المشروع الأخير يقدم خدمات للاجئين من جنوب السودان والأهالي المحليين).