يُصنَّف أكثر من نصف الضفة الغربية ضمن المنطقة "ج" ما يعني أنها تحت السيطرة المدنية والعسكرية الإسرائيلية المباشرة، ويتجلى ذلك من خلال الحواجز التي تعيق الوصول إلى الرعاية الصحية لنحو 300,000 فلسطيني يعيشون في مجتمعات صغيرة متناثرة، ويعتمد أكثر من ثلثهم على العيادات الجوالة للحصول على الخدمات الصحية الأساسية.
يتطلب الوصول إلى أقرب عيادة تكاليف لا يستطيع الناس تحملها وقطع مسافات طويلة مع عدم توفر المواصلات العامة وسوء حال الطرقات التي تحول دون وصول سيارات الإسعاف إلى المجتمعات المحتاجة. وفي الحالات التي تحتاج القرب إلى الخدمات الصحية (مثل الحمل) يضطرون كذلك للبقاء بعيداً عن البيت لمدة طويلة.
تقع منطقة مسافر يطا في محافظة الخليل ضمن المنطقة "ج"، ولا يوجد فيها تقريباً أية خدمات طبية منذ زمن طويل، فقد أوقفت المنظمات الوطنية التي تقدم العيادات الجوالة أنشطتها لعدة أسباب، منها خفض التمويل وتشديد القوانين التي تحكم عمل المنظمات المحلية غير الحكومية. وقد فاقم هذا الوضع من شدة الاحتياجات الملحة لنظام الرعاية الصحية نتيجة تفشي وباء كوفيد-19.
توفير الرعاية الصحية في المنطقة للمرة الأولى منذ عام
قبل بضعة أسابيع بدأت فرق أطباء بلا حدود زيارة هذه المجتمعات مجدداً لتقديم الرعاية الصحية الأساسية، مع طيف من الأنشطة يشمل استشارات العيادات الخارجية العامة (مع التركيز على الأطفال وذوي الأمراض المزمنة السارية)، والصحة الإنجابية والصحة النفسية والفحص التغذوي. كما يتم إجراء فحوصات أساسية في هذه العيادات وتُحال الحالات الشديدة التي تتطلب المزيد من الفحوص إلى أقرب مستشفى في بلدة يطا.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني تزور أطباء بلا حدود بانتظام هذه المناطق: دكيكة، جينبا، وخربة الفخيت – وفي الأسبوع الأخير أضيفت منطقة رابعة هي أم قصة. وتضم فرقنا طبيباً وممرضاً وقابلة واختصاصي نفسي ومثقِّف صحي. وقد تم إجراء نحو 300 استشارة منذ أن بدأت الأنشطة.
ويشرح محمد أيوب حمد، أحد أعيان المجتمع في خربة الفخيت، حيث تُسيِّر أطباء بلا حدود أنشطة طبية جوالة: "لم يأت أحد إلى هنا لمدة عام وكان الناس في منطقتنا يضطرون للذهاب إلى يطا من أجل خدمات الرعاية الصحية". ويضيف: "كان الوضع بالغ الصعوبة لا سيما على النساء الحوامل. باختصار، تواجه الأسر التي لا تملك سيارة مشكلة كبيرة".
الحال مقلق للنساء على وجه الخصوص
تواجه النساء اللاتي يعشن في المنطقة تحديات في الحصول على الرعاية الصحية. يذهب الرجال بانتظام إلى البلدة الأقرب، يطا، لشراء وبيع المنتجات ويمكنهم طلب الخدمات الصحية إن احتاجوا. لكن النساء عادة يعملن على مدار الساعة في الحقول، ولعدم وجود من ينوب عنهن، غالباً ما يهملن صحتهن وينتظرن حتى يسوء حالهن قبل طلب الرعاية الطبية. وإضافة إلى ذلك لا توجد شبكة مواصلات عامة في مسافر يطا، وحتى إن كان لدى بعض الأسر سيارة فهي تعتبر "غير قانونية" لأنها غير مسجلة ويمكن أن تُصادَر في أي وقت.
سافرت رشا
خطر الهدم يحدق بالمرافق الصحية
ومن المعوقات الأخرى أمام الرعاية الصحية في هذه المنطقة هي أنه لا يُسمح للسكان في المنطقة "ج" أن يبنوا أي مبنى دائم أو شبه دائم بدون ترخيص من السلطات الإسرائيلية، ونادراً ما يمنح ذلك الترخيص. حتى المرافق المتواضعة التي تستخدمها أطباء بلا حدود للعيادات الجوالة، كالمرفق الذي في خربة الفخيت، هي معرضة على الدوام لخطر الهدم. ومنذ عام 2012 صدر بحق المدرسة والعيادة المجاورة لها أمر هدم ما يعني أنه قد يتم تجريفهما في أي يوم.
وتقول كاثرينا لانج، منسقة مشروع أطباء بلا حدود في الخليل: "نأمل أن يصبح قريباً لدى المنظمات الوطنية أو وزارة الصحة الفلسطينية القدرة والتمويل على تقديم الخدمات من جديد للمجتمعات التي تعيش في مناطق مثل مسافر يطا".
بدأت أطباء بلا حدود العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1989 حيث ركزت على تقديم الرعاية الصحية الأولية في غزة. وفي عام 1996 بدأت العيادات الجوالة العمل في بعض مناطق الخليل (C و H2) وبعدها بعقد من الزمن تم تسليم الأنشطة لمنظمة أخرى. وإلى جانب الأنشطة الطبية في الخليل تدير أطباء بلا حدود حالياً برامج صحة نفسية في كل من الخليل ونابلس في الضفة الغربية.
وفي غزة تدير أطباء بلا حدود أقساماً للمرضى الداخليين وعيادات لعلاج مرضى الإصابات والحروق، حيث نقدم الجراحة العظمية والتجميلية لإغلاق الجروح الكبيرة وبدء عملية إصلاح فقدان وضرر العظم، إضافة إلى تبديل الضمادات والعلاج الفيزيائي والتثقيف الصحي والدعم النفسي الاجتماعي.