تعرَّض يوموسا أغويدا البالغ من العمر 55 عاماً وعائلته خلال السنوات السبع الماضية للتهجير أربع مرات بسبب القتال في جمهورية إفريقيا الوسطى. في عام 2016، وصلوا قرب بلدة بامباري، حيث استقروا في مخيم إليفاج للنازحين.
ظن يوموسا أن عائلته وجدت الأمان أخيراً. لكن بعد فترة من الهدوء النسبي، ضربت موجة جديدة من العنف البلاد في نهاية عام 2020، وكانت ذات صلة بعملية الانتخابات الوطنية. ومع اندلاع الاشتباكات في بامباري، طُرد جميع سكان المخيم البالغ عددهم 8,500 شخص قسراً في 5 يونيو/حزيران. كما أُحرقت جميع المباني بالكامل، بما فيها المساجد والمتاجر ونقطة طبية لعلاج الملاريا أنشأتها منظمة أطباء بلا حدود.
وفي نزاكو التي تقع على بعد 250 كيلومترًا تجاه الشمال الشرقي، يعرف جان ماري* وروز* جيدًا معنى الفرار جراء أحداث العنف التي تسيطر على جمهورية إفريقيا الوسطى. فقد شهدت نزاكو التي تقع على بعد 190 كيلومترًا شمال بانغاسو، حيث يعمل فريق أطباء بلا حدود، هجمات ونهب وابتزاز وتدمير بشكل مستمر خلال العقد الماضي. وفي يناير/كانون الثاني، اندلعت الاشتباكات في البلدة من جديد في أعقاب الانتخابات.
وقد فرّ جان ماري وروز من البلدة برفقة معظم سكانها البالغ عددهم 15,000 شخص.
ويقول جان ماري، "بقينا في الغابة لمدة أربعة أشهر". "ومن جديد كنا نواجه صعوبات في العثور على الطعام. كنا جميعاً ضعفاء جداً، وخصوصًا الأطفال".
فر معظم سكان نزاكو من القرية كما هو حال جان ماري وروز ، ويعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر من كل صوب، كما أنّهم غير قادرين على الحصول على المساعدات الإنسانية بسبب انعدام الأمن.
إنه وضع حرج قائمٌ فعلياً منذ سنوات.
ويؤكد مشرف الممرضين في أطباء بلا حدود، بيليه كوثو جاوي، "باستثناء منظمة أطباء بلا حدود، لم يتمكن سوى عدد قليل من المنظمات من الوصول إلى القرية منذ عام 2017 على الرغم من أن الوضع هناك مقلق من ناحية سوء التغذية والأمراض المنقولة بالمياه. ورغم قصر زياراتنا، إلاّ أنّنا تمكنَّا من الوصول إلى هناك. لكن مع عودة القتال في وقت سابق من هذا العام، أصبح الوصول مستحيلاً".
مع انتهاء الاشتباكات في نهاية المطاف، بدأ روز وجان ماري وبقية السكان في العودة تدريجياً إلى نزاكو. وفي يوليو/تموز، كانت منظمة أطباء بلا حدود أول منظمة إنسانية قادرة على العودة إلى القرية لتقييم الاحتياجات ودعم المركز الصحي الوحيد الموجود.
ويقول بيليه، الذي قاد أول رحلة لمنظمة أطباء بلا حدود قبل أيام قليلة، "عندما وصلنا وجدنا مركزاً صحياً في حالة من الفوضى. وقد كانت الصيدلية فارغة والمعدات غير موجودة أو غير كافية، ولم يكن الموظفون مدربين تدريباً يكفي لتوفير الرعاية اللازمة للسكان بينما كانت الاحتياجات هائلة. وفي الغابة، كان للملاريا وسوء التغذية أثرهما".
وخلال هذه الرحلة الأولى إلى نزاكو، عمل فريقنا لمدّة أربعة أيام لإعادة ملء رفوف الصيدليات، وإجراء تدريب للموظفين الصحيين والعاملين في مجال الصحة المجتمعية، وإدارة الاستشارات الطبية، وتركيب الألواح الشمسية لتوفير الكهرباء اللازمة لتبريد اللقاحات. كل هذا ضمن سباق مع الزمن بالنظر إلى عدد المرضى المحشورين في جناحين غير مجهزين بشكل جيد، بجدران متصدعة وأسرّة ضيقة.
أما في بامباري، يعيش يوموسا وعائلته الآن مثل معظم الأشخاص الذين أجبروا على مغادرة مخيم إليفاج في مجمع مسجد بامباري المركزي، بينما يحل الآخرون ضيوفاً على بيوت أهالي المنطقة. إنّ الظروف المعيشية في محيط المسجد صعبة، إذ يتقاسم الناس غرفاً صغيرة ومزدحمة، وينام آخرون في ملاجئ مؤقتة. كما يزيد موسم الأمطار الوضع سوءًا.
تصف يوغودا بانغاجوي، البالغة من العمر 73 عاماً، الوضع قائلة، "عندما تضرب العاصفة، يأتي الماء من جميع الجهات. فالقماش المشمع قديم وبه ثقوب، والأرض مجرد تراب، لذا يتحول الجزء الداخلي من الملجأ إلى أرض طينية. لكن أصعب شيء بالنسبة لي هو أن تشعر أنك عديم الفائدة، لأننا نعتمد كلياً على المساعدات الإنسانية".
لا يشعر الناس الذين يعيشون في المخيم المؤقت بالأمان. حواء أوكورو البالغة من العمر أربعين عاماً وزوجها لم يغادرا المسجد منذ وصولهما. تقول إنها تخشى الاعتقال لأنهم لا يملكون بطاقات هوية. وفي بعض الأحيان يرسلون أطفالهم للبحث عن الحطب والطعام. لكنها قلقة على بناتها الثمانية الصغار.
وتقول حواء، "عندما يغادرن المسجد، أخشى أن يحدث لهن شيء، أو أن لا يعدن، وأن يسرقهن أحد مني". ويقول زوجها، ريبو بودا، إنه بالكاد يستطيع النوم بسبب القلق. ينتابه شعور سيء لعدم قدرته على إطعام عائلته وحمايتها.
يُحرم العديد من مواطني جمهورية إفريقيا الوسطى من أبسط الخدمات الأساسية. ووفقاً للأمم المتحدة، فإنّ أكثر من نصف السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية. كما يقدر عدد النازحين واللاجئين بنحو 1.4 مليون شخص، ولا تزال جمهورية إفريقيا الوسطى واحدة من أكثر البلدان خطورة من حيث متوسط العمر المتوقع ووفيات الأمهات وسوء التغذية وعدم الحصول على الرعاية الصحية.
وقد تكون الولادة أمرًا خطيرًا في جمهورية إفريقيا الوسطى. تستلقي أوكتافيا برازا التي تبلغ 33 عامًا على أحد الأسرّة، وهي على وشك أن تلد طفلها السابع. بدأت الانقباضات منذ أكثر من ثلاث ساعات وهي تشعر بالوهن.
وتوضح القابلة التي تعمل في المركز، سيلفيا غرينغبو، "إنّها لم تأكل طوال اليوم لأنه لم يتبق لها شيء وعليها إطعام أطفالها". سيلفيا هي القابلة التي ساعدت روز في ولادتها في عام 2017. "سيكون هذا صعباً".
يمكن لحالات الإرهاق وسوء التغذية هذه أن تكون مهددة للحياة لكل من الأم والطفل. في الأشهر الأخيرة، كان هناك ارتفاع ملحوظ في عدد وفيات الأمهات في المنطقة. لحسن حظ أوكتافيا، فإن وصول أطباء بلا حدود مع الجلوكوز والميزوبروستول - وهو دواء يساعد على تحفيز المخاض - سيوفر لها الدعم.
وبعد أن استعادت أوكتافيا بعضاً من قوتها أصبح بإمكانها أخيراً أن تأخذ ابنها بين ذراعيها بعد خمس ساعات من المشقة. إنها الخامسة والنصف مساءً، وقد تخطت هي ومولودها مرحلة الخطر.
وتستمر دائرة العنف.
ففي منتصف أغسطس/آب، عاد صلاة عبد الله البالغ من العمر 17 عاماً من رعي أبقاره خارج البلدة عندما توقف رجل مسلح على دراجة نارية فجأة وأطلق النار عليه، تاركاً إياه ينزف على الأرض.
تمكن أحد الأصدقاء لاحقاً من نقل الشاب إلى المستشفى الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود في بامباري، حيث تمكن الأطباء من إزالة رصاصة من بطنه واستقرت حالته. لكن الأضرار التي لحقت بعموده الفقري كانت شديدة لدرجة أن فرقنا اضطرت إلى نقله بالطائرة إلى العاصمة بانغي لتلقي علاج متخصص.
كما هو الحال في العديد من القرى في جمهورية إفريقيا الوسطى، أصبح وضع الناس كارثيًا بفعل سنوات من الحرب والعنف.
ويقول ريبو الذي يعيش في بامباري، "حلمي هو أن أجد مكانًا نستقر فيه مدى الحياة بدون أن يطردنا أحد منه. وأرغب في التحدث إلى المجموعات المسلحة وأن أسألهم: ما الذي يجنونه مقابل توليد هذا القدر من الألم؟"
* تم تغيير الأسماء للحفاظ على الخصوصية