يعد مرض السل مصدر قلق كبير في مجال الصحة العامة في الصومال، فقد أدى الارتفاع في عدد الإصابات عامًا بعد عام إلى ارتفاع معدل الوفيات وزيادة عبء المرض. إذ يساهم نقص الوعي حول مرض السل وبُعد المسافات عن مرافق الرعاية الصحية والاعتماد على المعالجين التقليديين في ارتفاع معدلات انتشار المرض.

تدعم أطباء بلا حدود منذ عام 2019 مرافق علاج السل المقاوم للأدوية في المستشفيات العامة التابعة لهارجيسا، عاصمة أرض الصومال، وفي مدينة بربرة التي تقع على بعد ثلاث ساعات باتجاه الشمال الشرقي، إذ يُحال الأشخاص المصابون بالسل المقاوم للأدوية من جميع أنحاء أرض الصومال والمناطق المجاورة إلى هذين المرفقين.

وغالبًا ما يضطر الناس إلى اتخاذ قرارات صعبة فيتخلون عن سبل عيشهم وعائلاتهم لكي يبدأوا العلاج من السل المقاوم للأدوية في مرفق بعيد، فقد يستغرق العلاج لغاية 20 شهرًا وينبغي على المرضى زيارة مراكز العلاج التي تقع في المستشفيات يوميًا بغرض تناول علاجهم. ويمكن أن يكون استكمال أنظمة العلاج طويلة الأمد هذه أمرًا صعبًا للغاية بدون التشجيع والدعم المتواصلين وخصوصًا عندما يواجه المرضى صعوبات شخصية.

تعمل أطباء بلا حدود بالتعاون مع وزارة الصحة وبرنامج مكافحة السل الوطني بهدف تنفيذ حملات لنشر الوعي حول المرض بين الأشخاص الذين يعيشون في المناطق النائية والمراكز الحضرية ومواقع النازحين، إذ تشجّع هذه الحملات على إجراء فحوصات السل المقاوم للأدوية والبدء بالعلاج منه.

ظن محمد موس، 36 عامًا، بأنّه قد انتصر على مرض السل بعد أن تمكن من التغلب عليه مرتين في السابق. وبعد فترة قصيرة من تلقي علاج السل للمرة الثانية في هرجيسا، مرض محمد مرة أخرى. فيقول، "شعرت بأن الأعراض كانت مشابهة للمرتين السابقتين اللتين أصبت فيهما بعدوى السل، ولم أكن أشعر بأي تحسن. لم يكن لدينا طعام وكانت المواشي تنفق. فقد كان من الصعب الحصول على وجبة طعام واحدة في اليوم. بحثت عن تكلفة النقل على متن الحافلة للذهاب إلى هرجيسا بهدف تلقي العلاج إذ يصعب العثور على مرفق لعلاج السل في المنطقة الريفية التي أعيش فيها أو في المقاطعات القريبة".

استقل محمد الحافلة في رحلة استغرقت أربع ساعات إلى هرجيسا حيث زار مركز علاج السل في صباح اليوم التالي، وشُخصت إصابته بالسل.

فيقول، "لقد انفطر قلبي عند تشخيصي بالسل للمرة الثالثة. فقد شعرت بأنني لن أتمكن من النجاة هذه المرة. وصُدمت عندما علمت أن العلاج يستغرق عادة 20 شهرًا".

ويضيف، "خلال الأسابيع الأولى التي بدأت فيها بتناول العلاج، كنت أشعر بالغثيان وأتقيؤ كلما أبتلع قرص الدواء، ثم عانيت من طفح جلدي. كما عانيت من الاكتئاب لأنني كنت أفكر في عائلتي وفي الجفاف الذي ضرب المنطقة. أما في مركز علاج السل، فلدي طعام وسرير ومنحة شهرية لكي أتمكن من اقتناء الطعام والمشروبات المغذيين بينما تتحسن حالتي شيئًا فشيئًا".

ماهادو فرح* هي أم لأربعة أطفال تبلغ من العمر 28 عامًا، شُخصت إصابتها بالسل المقاوم للأدوية في مركز علاج السل في بربرة. كانت ماهادو تسعل بشدة لعدة أسابيع وكانت تظن أنها تعاني من الإنفلونزا. لكنّها شعرت بالقلق إذ أنّ حالتها لم تكن تتحسن مع مرور الوقت. لذلك، قررت الذهاب إلى هارجيسا، أكبر مدينة في أرض الصومال، بحثًا عن المزيد من الرعاية. وبعد أن جاءت نتيجة اختبار السل الذي أجرته ماهادو في مستشفى خاص إيجابية، أُحيلت إلى مركز علاج السل في بربرة وهي تتابع حاليًا علاجها للشهر الثالث.

تقول ماهادو، "استقبلت بشكل جيد في مستشفى علاج السل في بربرة. وكانت جميع الخدمات المقدمة هنا مجانية، إذ أتلقى استشارات نفسية وأقراصًا دوائية يوميًا فضلًا عن الفحوصات".

وتضيف، "بعد مرور ثلاثة أشهر على بدء العلاج، أشعر بتحسن الآن. فقد تعوّدت على الأدوية- إذ أنني أعاني من الوهن في المفاصل ولذلك لا أستطيع المشي أو حمل الأشياء الثقيلة. لقد أخذ زوجي جميع أولادنا الأربعة بعيدًا عندما علم بمرضي. شكرًا على وجودكم في وقت حاجتي. سأتمكن من العيش لرؤية أطفالي مجددًا".

يبلغ عبد الرحمن سوغول 58 عامًا ويعيش في بربرة حيث كان يعمل طاهيًا في أحد المطاعم.

يقول عبد الرحمن، "ظهر السل المقاوم للأدوية في بداية الأمر على شكل سعال خفيف وحمى. اقتنيت بعض المضادات الحيوية من الصيدلية التي خففت من ألمي بشكل مؤقت. ولكن، بعد مرور ثلاثة أسابيع، أصبح السعال أكثر جفافًا وبدأت أسعل دمًا، كان لونه أحمر فاقعًا في بعض الأحيان. ثم تدهورت حالتي وفقدت الوعي".

أُحضر عبد الرحمن إلى مركز علاج السل في بربرة حيث شُخّصت إصابته بالسل المقاوم للأدوية. وقد استعاد قوته الآن واختفت جميع أعراضه تقريبًا.

 ويضيف، "على الرغم من أن نتيجة اختباري قد أتت سلبية وأنا في طور مغادرة المستشفى، قد يظن الناس أن لدي بقايا من السل في جسدي وسيتجنبون الاقتراب مني. أشعر أنني مسؤول عن تبديد بعض الخرافات حول السل بين أفراد المجتمع. وكوني أحد الأشخاص الناجين من السل وبفضل بعض المعلومات الأساسية التي أعرفها، سأعمل على نشر الوعي حول المرض. كما أنني أود أن أساهم في دعم المرضى الآخرين الذين شخصت إصابتهم مؤخرًا أثناء خصوعهم للعلاج".