Skip to main content

أطباء بلا حدود في عامها الخمسين – نصف قرن من العمل الطبي والإنساني

مضى خمسون عامًا على تأسيس منظّمة أطباء بلا حدود على يد مجموعة من الأطباء والصحفيين الفرنسيين الجريئين. وضمّت المنظّمة 300 متطوّع عند تأسيسها في عام 1971، وبعد مرور نصف قرن، أصبح عددنا اليوم في سنة 2021 نحو 65,000 تقريبًا.

حدثت الكثير من التغيّرات خلال 50 عامًا حيث تبدّل المشهد في الكثير من السياقات حول العالم. نرى أشخاصًا يعانون من الفقر ومجتمعات تتعرّض للإقصاء في مناطق لم نتخيّل قطّ أنّ أطباء بلا حدود ستضطرّ إلى العمل فيها يومًا.

ونعلم أنّنا لا نحظى بقبول جميع فئات المجتمع كما كان الحال في الماضي. فعندما ننقذ حياة الناس في البحر الأبيض المتوسّط، نُعاقَب ونُتَّهم بمساعدة مهرّبي البشر. وجُرّم هذا العمل الإنساني الأساسي الذي يتمثّل في مساعدة الآخرين عدّة مرات، بل وصل الأمر إلى تعرّضنا للهجوم.

ما لم يتغيّر منذ الأيام الأولى تلك هو ... أنّ العمل الطبي الهادف إلى تخفيف معاناة الناس الذين يحرمون من الحصول على الرعاية الصحية يأتي أوّلًا. الدكتور كريستوس كريستو، الرئيس الدولي لمنظّمة أطباء بلا حدود

ولكن ما لم يتغيّر منذ الأيام الأولى تلك هو أنّنا ما زلنا متضامنين مع مرضانا، وأنّ العمل الطبي الهادف إلى تخفيف معاناة الناس الذين يحرمون من الحصول على الرعاية الصحية يأتي أوّلًا.

وما يميّزنا عن المنظمات الأخرى هو التزامنا بمبادئ الإدلاء بالشهادة والتحدث علانية دائمًا. ويعني ذلك أنّه يجب علينا رفع صوتنا والمجاهرة بموقفنا السياسي، وفي بعض الأحيان تكون الطريقة الأفضل للتعبير عن ذلك هي التزام الصمت. كذلك يميّزنا عملنا على كسب التأييد من جهات متقابلة، حيث نلتقي أشخاصًا في اجتماعات مغلقة.

نعلم أنّ لقراراتنا ثمنًا سياسيًا وماليًا، ولكن مازالت بوصلتنا (وستبقى دائمًا) توجّهنا نحو احتياجات المرضى وأفضل الطرق لتلبيتها. لم نواجه التحديات هذه قبل 20 أو 30 عامًا. ولكن هذا هو واقعنا اليوم.

- الدكتور كريستوس كريستو، الرئيس الدولي لمنظّمة أطباء بلا حدود

تأسيس المنظمة – 22 ديسمبر/كانون الأول 1971

ميثاق أطباء بلا حدود
تأسست منظمة أطباء بلا حدود في فرنسا عام 1971 على يد مجموعة من الأطباء والصحفيين في أعقاب الحرب والمجاعة اللتين مرتّا على بيافرا في نيجيريا، وذلك بهدف إنشاء منظمة مستقلّة تركّز على تقديم المساعدات الطبية الطارئة بسرعة وفعالية وحيادية.
D.R.
يعدّ الأمر سهلًا للغاية: علينا الذهاب إلى حيث يكون المرضى... وفي الوقت نفسه إنّه مفهوم ثوري لأن الحدود كانت حاجزًا في طريقنا. فتسمية 'أطباء بلا حدود' لم تكن مجرّد صدفة. برنارد كوشنر، أحد مؤسسي أطباء بلا حدود
أنشطة أطباء بلا حدود في هندوراس

العقد الأول: 1972 – 1981

تأسّست أطباء بلا حدود رسميًا في 22 ديسمبر/كانون الأول 1971 وضمّت المنظمة عند تأسيسها 300 متطوّعٍ بين أطبّاء وممرضين وغيرهم، بمن فيهم 13 طبيبًا وصحفيًا مؤسسًا.

قدمّنا خلال مهمّتنا الأولى في نيكاراغوا الدعم الطبي في أعقاب الزلزال المدمّر الذي أدى إلى وفاة عدد يتراوح بين 10,000 و30,000 شخص. ثمّ أطلقت فرقنا مهمّة إغاثة لمساعدة الناس في هندوراس إذ أدّى إعصار فيفي إلى وقوع فيضانات هائلة وإلى وفاة آلاف الأشخاص.

وأطلقنا في عام 1975 أوّل برنامج طبي واسع النطاق خلال أزمة للاجئين، إذ قدّمنا الرعاية الطبية للكمبوديين الذين بحثوا عن ملاذ آمن هربًا من نظام بول بوت الاستبدادي. كما قدّمنا الرعاية المنقذة للحياة لجرحى الحرب عند اندلاع الحرب في لبنان.

نحن موجودون لنطالب بحماية هؤلاء المدنيين، هؤلاء الناس العزّل. كلود مالهوريت، رئيس أطباء بلا حدود، خلال مسيرة "من أجل البقاء" الكمبودية، 1980
أنشطة أطباء بلا حدود في بيرو

العقد الثاني: 1982 – 1991

استمرت أنشطتنا الطبية في التوسّع في الثمانينيات، إذ أطلقنا استجابة طبية للمجاعة في إثيوبيا حيث تحدثنا علانية حول أعمال الحكومة التي تجبر الناس على النزوح وتغيّر مسار المساعدات الإنسانية. ونتيجة لذلك، تُطرد بعض فرقنا من البلاد. كذلك أجرينا استجابة واسعة النطاق في أعقاب زلزال ضرب أرمينيا في عام 1988 أدى إلى وفاة أكثر من 50,000 ألف شخصٍ وإلى إصابة الآلاف. علاوة على ذلك، أطلقنا أنشطة طبية في أفغانستان وساحل العاج وليبيريا وغيرها.

في حال لم يتغيّر أي شيء، لا أعرف ما الجدوى من وجودنا هنا. فبدون طعام، يمسي العلاج الطبي بلا منفعة. بريجيت فاسيت، المنسقة الطبية في أطباء بلا حدود في إثيوبيا، 1984
أنشطة أطباء بلا حدود في جمهورية الكونغو الديمقراطية

العقد الثالث: 1992 – 2001

استجابت فرقنا للاحتياجات على عدّة جبهات بينما استمرت الحروب في تدمير حياة الناس في جميع أنحاء العالم. فقدمنا الرعاية الصحية وأدنا المذبحة التي أدت إلى وفاة 8,000 مدني في سربرنيتشا على يد الجيوش الصربية خلال الحرب الأهلية في يوغوزلافيا.

كذلك شهدنا على التطهير العرقي لنحو 800,000 شخص من التوتسي والهوتو المعتدلين خلال الحرب الأهلية الرواندية وقدمنا الرعاية الطبية الطارئة حيثما استطعنا. وبينما وقفنا عاجزين أمام الرعب الذي شهدناه، اتخذنا في 18 يونيو/حزيران قرارًا غير مسبوق وطلبنا تدخّلًا عسكريًا دوليًا – "لا يمكن للأطبّاء أن يضعوا حدًا لإبادةٍ جماعيّة".

وفي عام 1999، مُنحنا جائزة نوبل للسلام، إذ اختار الحكّام منظّمة أطباء بلا حدود "تقديرًا للعمل الإنساني الرائد الذي أدته في قارات متعدّدة". واستخدمت عائدات جائزة نوبل للسلام التي مُنحت لأطباء بلا حدود لإطلاق حملة توفير الأدوية الأساسية التي تهدف إلى التصدّي لحواجز السياسات والقوانين والحواجز السياسية التي تمنع المرضى في مشاريعنا وغيرهم من الحصول على الأدوية.

لاتخاذ موفف لائق، لم يكن بوسعنا سوى أن نتخلى عن مبدإ الحياد تمامًا والدعوة إلى تدخّل عسكري ضدّ مرتكبي الإبادة الجماعية. جان هيرفي برادول، منسق مشروع أطباء بلا حدود في رواندا، 1994
أنشطة أطباء بلا حدود في إندونيسيا

العقد الرابع: 2002 – 2011

في أوائل العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، بدأت فرقنا بعلاج الأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشري باستخدام مضادات الفيروسات القهقرية في سبعة بلدان. واستمرت فرقنا في مجابهة الآثار القاتلة للملاريا في أنحاء إفريقيا، كما واصلنا تقديم الرعاية الصحية والأدوية خلال المجاعة في أنغولا.

وفي عام 2002، بدأنا العمل في إيطاليا حيث قدمنا الرعاية الطبية للأشخاص الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسّط للوصول إلى أوروبا في مركز استقبال المهاجرين في لامبيدوزا. وفي غضون ذلك، قدمنا الرعاية الطبية كذلك للأشخاص المتضررين جراء الحروب والنزاعات وتحديدًا في العراق وأفغانستان وسريلانكا. وعلاوة على ذلك، كانت فرقنا أول المستجيبين في أعقاب التسونامي الذي يضرب جنوب شرق آسيا والزلزال المدمّر الذي ضرب هايتي في عام 2010.

أوقفوا هذه الهجمات، فنحن لن نتخلّى عن هؤلاء المرضى ولن نلتزم الصمت. فالتماس الرعاية الصحية وتقديمها لا ينبغي أن يكون بمثابة حكم بالإعدام. الدكتورة جوان ليو إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة
أنشطة أطباء بلا حدود في وسط البحر الأبيض المتوسط

العقد الخامس: 2012 – 2021

في ظل اندلاع انتفاضات الربيع العربي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، استجابت فرقنا لعدّة نزاعات وخصوصًا في سوريا واليمن والعراق حيث عملنا خلال عقد بأكمله وقدمنا الرعاية الطارئة والمتخصّصة. كما يشهد هذا العقد تصدّي فرقنا لتفشّي أمراض وأوبئة حول العالم على غرار الحصبة والكوليرا. وبين عامي 2014 و2016، قدنا استجابة لأكبر تفشٍّ للإيبولا في التاريخ في غرب إفريقيا حيث أصيب أكثر من 25,000 شخصٍ وتوفّي أكثر من 11,000 شخصٍ جراء المرض.

ومع تفشي جائحة كوفيد-19، نشرنا فرقنا في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أوروبا، حيث عملنا في أكثر من 80 بلدًا في ذروة عام 2020.

المقال التالي
حرب غزة وإسرائيل
تحديث حول مشروع 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2024