وارسو - في الوقت الذي وافق فيه مجلس الشيوخ البولندي على قانونٍ يستبعد المسؤولية الجنائية عن ضبّاط الشرطة وحرس الحدود وجنود القوات المسلحة الذين يلجؤون إلى تدابير قسرية على الحدود البولندية البيلاروسية، حذّرت منظمة أطباء بلا حدود من العواقب الوخيمة التي قد يؤدي إليها تصعيد عسكرة الحدود البولندية البيلاروسية والقيود المفروضة على الوصول إلى المنطقة العازلة. ستؤدي هذه الإجراءات إلى مزيد من التدهور في الأوضاع الإنسانية على الحدود التي تتفاقم أيضًا بفعل زيادة خطر الاعتياد على استخدام الأسلحة الفتاكة والتبعات المأساوية التي قد تطال الأشخاص الذين يلتمسون الحماية على الحدود.
وكانت بولندا قد استأنفت في 13 يونيو/حزيران اعتماد منطقة حظر تمتد على نحو 60 كيلومترًا من حدودها مع بيلاروسيا وتشمل مواقع رئيسية تشهد كثافةً في عبور المهاجرين منذ عام 2021، حيث لا يًسمَح لمراسلي وسائل الإعلام والعاملين في المجال الإنساني بالوصول إلى المنطقة إلا بإذنٍ من حرس الحدود، علمًا أن هذه القيود مفروضة لمدة 90 يومًا.
وفي 23 يوليو/تموز، ورغم المطالبات الرسمية التي صدرت عن أطباء بلا حدود كي يُسمح لها بالوصول إلى كامل المنطقة الحدودية باستقلالية ودون قيدٍ أو شرط لتوفير المساعدة الطبية والإنسانية، لم تستطع المنظمة دخول سوى جزءٍ صغير من المنطقة العازلة ولفترة محدودة قدرها 30 يومًا. أما العاملون الإنسانيون والمتطوعون من المنظمات المحلية الشعبية الذين يشكلون جزءًا لا يتجزأ من العمل الإنساني على الحدود، فلم يحصلوا على الإذن لتوفير المساعدات الإنسانية وتتزايد مخاطر تعرضهم للتجريم.
لا نعلم ما الذي يجري في منطقة الغابات الكثيفة بين بولندا وبيلاروسيا. ولا يمكننا أن نساعد الناس ما لم نستطع الرؤية.أندرياس شبيت، رئيس الأنشطة الإنسانية لأطباء بلا حدود في بولندا
وفي هذا الشأن يقول رئيس الأنشطة الإنسانية لأطباء بلا حدود في بولندا أندرياس شبيت، "هذا الحظر يجعلنا معصوبي الأعين، إذ لا نعلم ما الذي يجري في منطقة الغابات الكثيفة بين بولندا وبيلاروسيا. ولا يمكننا أن نساعد الناس ما لم نستطع الرؤية. وينبغي علاج كل من يلتمس الحماية في بولندا بما يحفظ لهم إنسانيتهم وكرامتهم، كما ينبغي السماح لجميع المنظمات الإنسانية بالوصول إليهم".
يشار إلى أن التطورات الأخيرة، بما فيها حظر دخول المنطقة الحدودية، ستؤدي إلى تبعات تهدّد حياة الناس الذين لا يستطيعون تأمين المساعدات الإنسانية والطبية الضرورية. وما لم تتمكن منظمات المجتمع المدني من الوصول إلى المنطقة العازلة فستبقى هناك احتياجات ملحة.
وكانت منظمة أطباء بلا حدود قد أطلقت 99 استجابة في المنطقة الحدودية خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2024 وقدمت المساعدات الطبية العاجلة لإجمالي 142 شخصًا يعانون من الإرهاق الشديد والالتهابات الهضمية والإصابات المرتبطة بالعنف (التي تشمل جروح طعن عميقة وكدمات وكسور محتملة). وقد تضمنت الأنشطة إحالة 32 مريضًا إلى المستشفيات لعلاجهم من الإرهاق الشديد وانخفاض حرارة الجسم ونقص السوائل والجروح وحالات الإصابة بأمراض العظام والأمراض المزمنة المتفاقمة والمشاكل النفسية إضافةً إلى النساء الحوامل. وكشف معظم المرضى الذين عالجتهم فرق أطباء بلا حدود بأنهم ظلّوا عالقين في منطقة الغابات الممتدة بين السياجين الحدوديين والتي يطلق عليها اللاجئون اسم ’منطقة الموت‘ لمدة 21 يومًا في المتوسط، حتى أن بعضهم ظل عالقًا فيها لمدة 90 يومًا، ولم يكن يتوفر لهم سوى كمية محدودة من الغذاء والماء. تؤدي هذه الظروف القاسية إلى تفاقم المشاكل الطبية بسرعة لدرجة قد تهدد حياة الناس ما لم يتلقوا المساعدات والرعاية الطبية في الوقت المناسب.
ونظرًا للمخاوف الإنسانية والطبية الواردة أعلاه، فإن أطباء بلا حدود تدعو السلطات البولندية إلى إحداث تغيير جذري واتخاذ كافة التدابير اللازمة لضمان علاج الأشخاص الذين يلتمسون الحماية في بولندا بما يحفظ لهم إنسانيتهم وكرامتهم. وهذا يشمل:
- ضمان توفير المساعدات الإنسانية والرعاية الطبية وإجراءات اللجوء لكلّ من يحتاج إليها.
- حماية قدرة المنظمات الإنسانية وجمعيات المجتمع المدني على الوصول باستقلالية إلى كامل المنطقة الحدودية بما فيها المنطقة العازلة، وهو أمرٌ لا بد منه لتوفير المساعدات التي من شأنها إنقاذ حياة الناس.
- إعادة النظر في التعديلات القانونية التي قد تمنح شرعية إضافية لاستخدام العنف على الحدود.
- وقف الخطاب المسيء للعمل الإنساني والذي يجرد الأشخاص الذين يلتمسون الحماية من إنسانيهم ويعتبرهم تهديدًا أمنيًا.
* مجلس النواب البولندي يتبنى مشروع ’قانون يتضمن تعديلات على بعض اللوائح هدفها تحسين أنشطة القوات المسلحة البولندية والشرطة وحرس الحدود في حال وقوع تهديد للأمن القومي‘.