بعد ست سنوات من توفير الرعاية الجراحية في أعقاب الحرب في الموصل، العراق، سلّمت أطباء بلا حدود خدماتها الطبية في مستشفى الوحدة في شرق الموصل إلى مديرية الصحة. ويأتي هذا القرار في ظل تقدّمٍ تحرزه الموصل في رحلة التعافي التي تخوضها بعد سنوات طويلة من الحرب.
وبحسب المرجع الطبي لمشروع أطباء بلا حدود في الموصل، جيلبرتا جايروس، "عندما أقارن الموصل اليوم بما رأيته خلال زيارتي السابقة، أرى أن المدينة تتعافى في طرقاتها ومستشفياتها ومدارسها وأحيائها. وعلى الرغم من بطء وتيرة التعافي، إلّا أنّها في خضم هذه الرحلة". تجدر الإشارة إلى أن جيلبرتا جاءت للمرة الأولى إلى الموصل كممرضة في غرفة العمليات الجراحية فيما كانت الحرب ما زالت مستمرة.
عندما أقارن الموصل اليوم بما رأيته خلال زيارتي السابقة، أرى أن المدينة تتعافى في طرقاتها ومستشفياتها ومدارسها وأحيائها...جلبرتا جايروس، المرجع الطبي في المشروع
شفاء ندوب الحرب
افتتحت أطباء بلا حدود مستشفى الوحدة في أبريل/نيسان من عام 2018 استجابةً للحاجة الملحة للرعاية الجراحية وما بعد الجراحية لجرحى الحرب. ومع استكمال أعمال البناء، حوّلنا 40 غرفة فردية مشيّدة حديثًا -والتي كانت مخصصة أساسًا للمرضى الذين يعانون من كسور- إلى وحدات عزل للمصابين بكوفيد-19 بدرجات خفيفة إلى متوسطة.
في ذلك الوقت، كانت قدرة الموصل على تلبية الاحتياجات الصحية للسكان محدودة للغاية، وذلك بسبب الاحتياجات الهائلة إلى الرعاية بعد المعارك والأضرار الكبيرة التي لحقت بمرافق الرعاية الصحية الرئيسية في المدينة والتي أخرجت كثيرًا منها عن الخدمة.
في هذا الصدد يقول طه حسين، وهو أحد العاملين في مجال التوعية الصحية مع أطباء بلا حدود في مستشفى الوحدة، "خلال الحرب، نزحنا عدة مرات، وكانت أيامنا مظلمة وحزينة. عندما عدنا أخيرًا إلى المنزل بعد الحرب، لم يكن أي شيء كما كان من قبل. لم يَسلم شيء من الحرب. كان قطاع الرعاية الصحية من القطاعات الأكثر تضررًا في المدينة".
بعد فترة وجيزة من بدء استقبال المستشفى لأوائل جرحى الحرب، أمسى الحجم الحقيقي للاحتياجات الطبية أكثر وضوحًا. واستجابة لذلك، قررت أطباء بلا حدود زيادة عدد أسرة المستشفى وتوسيع معايير القبول لاستيعاب المزيد من المرضى والجرحى.
وفّرت أطباء بلا حدود في مستشفى الوحدة
4,914
4,914
3,068
3,068
33,998
33,998
96,173
96,173
يقول صدام عبد المنعم، الذي بدأ بتلقي العلاج في مستشفى الوحدة في عام 2019، "لم أكن أستطيع الوقوف على قدمي لفترة طويلة، وكانت حالتي تزداد سوءًا. جئت إلى هنا وتلقيت كل العلاج الذي أحتاجه مجانًا. كانت الرعاية شاملة، والآن أشعر بتحسن كبير عن ذي قبل".
العمل على جبهتين
كانت أعمال البناء لتوسيع المستشفى قد بدأت بالتزامن مع ظهور جائحة كوفيد-19 التي شكلت تحديًا جديدًا لنظام الرعاية الصحية وهو ما زال هشًا في المدينة. واصلت أطباء بلا حدود أعمال البناء، وفي الوقت نفسه حولت 40 غرفة فردية بنتها حديثًا لتستضيف المتعافين من الكسور إلى وحدات عزل للمصابين بكوفيد-19 بدرجات خفيفة إلى متوسطة.
وعندما بدأ التأثير الحاد لكوفيد-19 في التلاشي، افتتح مستشفى الوحدة أبوابه مرة أخرى كمستشفى لجراحة العظام مع غرفتي عمليات مجهزتين بالكامل لإتاحة إجراء مجموعة واسعة من العمليات الجراحية للمصابين في أذرعهم وأرجلهم.
وكانت العدوى المقاومة لمضادات الميكروبات من بين التحديات الرئيسية التي عقّدت عملية الشفاء والتعافي للمصابين خلال الحرب. وكان لغرف العزل الفردية دور محوري في تجنب انتشار هذه العدوى من مصاب إلى آخر.
كانت رحمة من المرضى الذين تلقوا العلاج في المستشفى. وتذكر والدتُها إكرام الأيام الصعبة التي مرت بها رحمة بسبب إصابتها بالعدوى، "مرت أوقات اعتقدنا فيها أننا فقدنا ذراع رحمة، إذ لم تكن تستطيع تحريكها، وكانت العدوى شديدة للغاية. لم أستطع تحمل تكاليف علاجها في الخارج، ولكن بعد أربع عمليات جراحية و40 يومًا، أُنقذت ذراعها وبات يمكنها استعمالها".
لم يعالج المستشفى خلال سنوات إنشائه الست الاحتياجات الطبية العاجلة فحسب، بل أسهم أيضًا في البنية التحتية الصحية طويلة الأمد في الموصل. ومن خلال توفير التدريب المتخصص والدعم للعاملين الصحيين المحليين، هدف المشروع إلى تعزيز مهاراتهم وقدراتهم، وضمان استمرار حصول المجتمع على رعاية صحية عالية الجودة حتى بعد تسليم أطباء بلا حدود لأنشطتها.
ما زالت أطباء بلا حدود موجودة في الموصل، إذ توفّر رعاية الصحة النفسية وخدمات الأمومة وطب الأطفال وحديثي الولادة التي تشتد الحاجة إليها في أحياء النهروان ونابلس في غرب الموصل، حيث تدير فرقنا مستشفى نابلس الميداني وعيادة الأمل للولادة. هذا ووسعنا مؤخرًا أنشطتنا لتشمل حي العبور لزيادة قدرات الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية.