وقف مبلغ التسعمئة دولار بين كواسي* وحريته حينما وقع ضحية للاتجار بالبشر في ليبيا، وذلك بعدما هرب من منزله في ساحل العاج. كان كواسي يستقل قاربًا لا يصلح للملاحة وينجرف مع التيار في وسط البحر الأبيض المتوسط قبل أن تنقذه سفينة أطباء بلا حدود للبحث والإنقاذ "جيو بارنتس". وقد روى للفريق الذي يعمل على متن السفينة كيف احتُجز لثلاثة أشهر في ليبيا في عام 2020 بعد عبوره للحدود الجزائرية.
ويقول في هذا الصدد، "كان [الحراس] يضعون أغلالًا حول كواحلنا ومعاصمنا. باتت الندبات تغطي معصميّ بالكامل، إذ قُيّدت بالأغلال لمدة ثلاثة أشهر. كانوا يضربوننا بعصي معدنية وخشبية. وما زلت أعاني من آثار جروح السكاكين على ظهري. احتُجزنا في سجن في الصحراء في منزل لم ينتهِ تشييده بعد أن باعونا. وسكنت مع تسعة آخرين في غرفة واحدة، علمًا أن المنزل يتألف من عدة غرف. لقد صادروا كل ما نحمل وطلبوا مبلغ نصف مليون فرنك إفريقي (900 دولار أميركي) للإفراج عنا".
وعلى غرار كواسي، يتعرّض آلاف النساء والأطفال والرجال للاتجار والاستغلال والاحتجاز التعسفي والتعذيب والابتزاز لمجرّد أنهم مهاجرون. فعندما يصل المهاجرون إلى البلد، يواجه الكثير منهم الاختطاف والاحتجاز على يد الميليشيات والمجموعات المسلحة الأخرى أو يستعملهم المهربون وتجار البشر كطعمٍ يدرّ لهم الأموال. هذا ويتعرض المهاجرون الذين يعيشون في المدن للتمييز والاضطهاد وتلاحقهم تهديدات بالاعتقال الجماعي والاحتجاز التعسفي بصورة متواصلة.
ويقول مصطفى*، وهو مهاجر من مالي أمضى سنوات عديدة في ليبيا، "الوضع كارثي، هكذا أصف الواقع في ليبيا. يُعتبر المهاجرون أداةً لجني الأموال، ويُختطفون لهذا الهدف. يطالب الخاطفون بالمال مقابل الحرية، علمًا أنّ تعرض الأشخاص للاختطاف من جديد احتمال وارد. لقي بعض المهاجرين حتفهم في السجن، وكان المختطفون يرمون جثثهم بكل بساطة ويعاملونهم كما تُعامَل الحيوانات. لا تعرف أُسرهم أين دُفنوا. وفي هذا السياق، يعاني الناس أمثالي الأمرّين في هذا المكان. في المقابل، تساهم أوروبا في تأجيج حلقة المعاناة هذه".
توثّق الكثير من التقارير الدولية والآلاف من شهادات الناجين التعامل الشنيع الذي يتعرض له المهاجرون واللاجئون في ليبيا. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، خلُصت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في ليبيا إلى تصنيف الانتهاكات الحالية على أنها جرائم ضد الإنسانية.
تعرضت للضرب والتعذيب ودعوت الله أن يميتني لكيلا أقاسي هذا العذاب...أمضيت في هذه الغرفة عامًا كاملًا. وعندما أُطلق سراحي، لم أتمكن من المشي في اليوم الأول لأنني لم أستطع ثني ركبتي ولم أكن قادرًا على الرؤية بعد أن عشت في الظلام لمدة عام.بشير، 17 عامًا، احتجز في مركز احتجاز في ليبيا لمدة عام
ومع ذلك، ما زالت الحكومات الأوروبية تغض الطرف عن هذه الجرائم. فلم تمنعها الأدلة القاطعة عن عقد اتفاقات مع السلطات الليبية في سبيل التحكم بعمليات الهجرة إلى أوروبا.
وفي فبراير/شباط 2017، أبرمت الحكومتان الإيطالية والليبية اتفاقًا بتمويل الاتحاد الأوروبي أُطلق عليه اسم مذكرة التفاهم حول الهجرة
وبموجب هذا الاتفاق، تعمل إيطاليا والاتحاد الأوروبي على مساعدة السلطات الليبية لتعزيز جهود الرقابة البحرية ويمدّانها بالدعم المالي والمعدات التقنية. ومنذ العام 2017، خصّصت إيطاليا 32.6 مليون يورو للبعثات الدولية، من بينها 10.5 مليون يورو خُصّصت لدعم خفر السواحل الليبي في عام 2021 .
تُقدم هذه المساعدة على حساب حقوق الإنسان التي يتمتع بها المهاجرون واللاجئون، إذ يُنقل جميع الأشخاص الذين اعترض خفر السواحل الليبي طريقهم إلى مراكز الاحتجاز في ليبيا. ويدعم الاتفاق بين ليبيا وإيطاليا نظام الاستغلال والابتزاز والإساءة الذي يقع الكثير من المهاجرين ضحيّته.
أما بشير، وهو شاب من الصومال في السابعة عشرة من عمره، فقد احتجز وحيدًا في ليبيا لمدة عام في زنزانة ضيقة ومظلمة في مركز احتجاز غير رسمي في الكفرة، ويقول، "تعرضت للضرب والتعذيب ودعوت الله أن يميتني لكيلا أقاسي هذا العذاب. كان [الحراس] يأخذون قطعًا بلاستيكية محروقة ويمرّرونها على جسمي. احتجزوني في مبنى في غرفةٍ صغيرة، تمنعك شدة ظلامها من رؤية محيطك. وفي هكذا مكان، لا يسعني إلا أن أبقى جالسًا. كنت وحيدًا في الغرفة من دون أحد ولم يكن بحوزتي شيء، حتى أن الغرفة لم يكن فيها نوافذ. أمضيت في هذه الغرفة عامًا كاملًا. وعندما أُطلق سراحي، لم أتمكن من المشي في اليوم الأول لأنني لم أستطع ثني ركبتي ولم أكن قادرًا على الرؤية بعد أن عشت في الظلام لمدة عام".
وفي غياب طرق آمنة وشرعية للخروج من ليبيا، يمسي عبور البحر الأبيض المتوسط خيار المهاجرين الأخير. ويروي الكثير من الناجين محاولاتهم العديدة لعبور أكثر طرق الهجرة فتكًا في العالم. وغالبًا ما ينتهي بهم المطاف محتجزين في ليبيا أو عالقين في حلقة من العنف والإساءة والمعاناة.
وبينما عملت الحكومات الأوروبية على تفويض مسؤوليتها المتمثلة بالإشراف على عمليات الإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط الشاسع لليبيا عوضًا عن تخصيص موارد تهدف إلى القيام بعمليات بحث وإنقاذ استباقية بقيادة الدول في البحر الأبيض المتوسط، لقي ما يقرب الـ 1,553 شخصًا حتفهم في محاولتهم للعبور خلال العام الفائت.
ويقول رئيس بعثة أطباء بلا حدود لعمليات البحث والإنقاذ في وسط البحر الأبيض المتوسط، خوان ماتياس جيل، "لا يجد الأشخاص الذين يعبرون البحر خيارًا آخرًا أمامهم. تتمتع الحكومات الأوروبية بسلطة اتخاذ القرارات المتعلقة بسياسات الهجرة، لكنها اختارت انتهاج استراتيجيات الردع والدفاع على الحدود على حساب احترام حقوق الإنسان وحماية أرواح الناس".
ويضيف جيل، "بدل اعتماد خيارات طوعية وقانونية وآمنة تحل محل عبور البحر الأبيض المتوسط، عقدت السلطات الإيطالية والاتحاد الأوروبي صفقة اتخذت من الأراضي الليبية ساحةً لها لاحتجاز المهاجرين وطالبي اللجوء. وفي ليبيا، يمول الاتحاد الأوروبي وإيطاليا نظامًا يروج للاستغلال والابتزاز والعنف ويتمحور حولهم بينما تغض الدول الأوروبية الطرف عما يحدث. نحث الحكومة الإيطالية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي على إنهاء جميع أشكال الدعم السياسي والمادي المباشر وغير المباشر لنظام إعادة المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء إلى ليبيا واحتجازهم فيها".
*تم تغيير الأسماء للحفاظ على الخصوصية
تدير أطباء بلا حدود أنشطة للبحث والإنقاذ في وسط البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2015. وقد عملت على متن ثماني سفن مختلفة للبحث والإنقاذ، من بينها سفن شغلتها بالشراكة مع منظمات غير حكومية أخرى. أنقذت فرقنا أكثر من 80,000 شخص على مر السنوات. ومنذ إطلاق عمليات البحث والإنقاذ على متن سفينة جيو بارنتس في مايو/أيار 2021، أنقذت أطباء بلا حدود 1,903 أشخاص واستعادت جثث 10 أشخاص لقوا حتفهم.