أدى هجوم وحشي على منطقة كرينك، السودان، في أبريل/نيسان 2022 إلى مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة الكثيرين. وتعرض مستشفى كرينك، الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود، للهجوم حيث قُتل اثنان من موظفي المستشفى وثمانية مرضى، ونُهبت صيدلية المستشفى. وقد عاد فريق أطباء بلا حدود إلى كرينك في ديسمبر/كانون الأول 2022 لإعادة بناء المستشفى. وفيما يلي يتناول منسق مشروع أطباء بلا حدود الدكتور برنس ماثيو القصة.
"الوضع في غرب دارفور بالسودان غير مستقر البتة وقد تأثرت منطقة كرينك بشكل خاص بالعنف خلال السنوات الأخيرة. فالوضع الذي يبدو هادئًا للغاية اليوم قد يصبح عنيفًا جدًا غدًا. ويؤثر العنف على الجميع، بغض النظر عن المنطقة التي ينحدرون منها.
أضحت بلدة كرينك اليوم أطلالًا محترقة بعد الهجوم الذي طالها العام الماضي. فقد أُحرقت مئات المنازل بالكامل. ويعيش العديد من الناس في مخيمات نزوح مكتظة بالسكان في محيط المستشفى. وتمتلئ الأماكن العامة والمدارس الآن بمئات الخيام والملاجئ المؤقتة. وتعدّ العربات التي تجرّها الحمير المصدر الوحيد لإمدادات المياه.
يواجه الناس في كل من كرينك والمناطق الريفية صعوبات في الوصول إلى الأسواق لشراء الطعام. ففي أيام السوق كانت هناك هجمات على الناس القادمين إلى المدينة. وظلت الحالة في المنطقة متقلبة ومتوترة لعدة أيام بعد هذا العنف.
كما أن العديد من أهالي المجتمعات الزراعية غير قادرين على الوصول إلى أراضيهم الزراعية في محيط المنطقة التي يعيشون فيها، في حين أن أهالي المجتمعات الرعوية غير قادرين على رعي مواشيهم، وهو أمر ضروري لسبل عيشهم. فبالإضافة إلى التضخم الذي وصل إلى نسبة 300 في المئة في السودان، جعل هذا الوضع الحياة صعبة للغاية.
عاد فريق من أطباء بلا حدود إلى كرينك بعد وقت قصير من الهجوم، وأدار عيادات متنقلة في القرى ومستوطنات الرحل المحيطة بالمنطقة. ونرى أعدادًا متزايدة من الأطفال المصابين بسوء التغذية يأتون إلى عياداتنا المتنقلة، والذين نحيل الكثير منهم إلى مستشفى الجنينة أو كرينك.
الوضع الذي يبدو هادئًا للغاية اليوم قد يصبح عنيفًا جدًا غدًا. ويؤثر العنف على الجميع، بغض النظر عن المنطقة التي ينحدرون منها.د. برنس ماثيو، منسق مشروع أطباء بلا حدود
يعدّ مستشفى كرينك مرفق الرعاية الصحية المتخصصة الوحيد بالنسبة لنحو 480,000 شخص. وقد تعطلت الخدمات الأساسية بعد الهجوم وغرق المستشفى بعدد المرضى الذين يأتون للحصول على الرعاية الصحية. وكان هناك عدد قليل من الأطباء أو الممرضين لتقديم العلاج.
يشكّل الإشراك المجتمعي أمرًا حيويًا: فإذا كنا لا نعرف ما يحتاجه المجتمع، فلن نكون قادرين على خدمته بالطريقة الأنسب. وقد أخبرونا أن أكبر الاحتياجات كانت تتمثّل في رعاية إصابات الحوادث والطلقات النارية وحالات الطوارئ الأخرى، كما سلطوا الضوء على حاجة النساء إلى مكان آمن لولادة أطفالهن والحاجة إلى الرعاية الطبية للأطفال.
أنشأنا مشروعنا في مستشفى كرينك بسرعة كبيرة. كانت أولويتنا هي غرفة الطوارئ. ففي مكان ينتشر فيه العنف، كل حياة وكل ثانية تمر لها أهميتها. ثم افتتحنا جناح الولادة بشكل سريع – وقد ولد بضعة أطفال هناك. ونحن على وشك افتتاح جناح الأطفال قريبًا.
وقد عمل العديد من موظفينا مع منظمة أطباء بلا حدود في مشاريع أخرى وجلبوا قدرًا هائلًا من التفاني والخبرة معهم. عملنا جنبًا إلى جنب مع موظفي وزارة الصحة، ووضعنا جانبًا أدوارنا المعتادة كأطباء أو ممرضين، فنظفنا المرفق وأعدنا طلاءه معًا وقمنا بتفريغ المعدات والمواد الطبية والأدوات الجراحية.
يأتي الكثير من أعضاء الفريق من غرب دارفور، وقد فَقَد بعضهم أفرادًا من أسرهم خلال الهجوم الذي حدث العام الماضي. لذلك، فقد كانت إعادة بناء المستشفى تنطوي على الكثير من المشاعر الشخصية بالنسبة لهم.
كما أنشأنا نظام إحالة بين كرينك والمستشفى التعليمي العام في الجنينة، عاصمة غرب دارفور. وحرصنا على أن يكون إجراء الإحالات في الوقت المناسب أمرًا ممكنًا، ليلًا أو نهارًا، مع وجود ممرض من أطباء بلا حدود ومعدات طبية على متن سيارة الإسعاف.
في مكان ينتشر فيه العنف، كل حياة وكل ثانية تمر لها أهميتها.د. برنس ماثيو، منسق مشروع أطباء بلا حدود
يعتمد معظم الناس في كرينك على الحمير والخيول والجمال للتنقل، إذ يصل العديد من مرضانا على عربات إسعاف يجرها حمار لأن المركبات الآلية باهظة التكلفة أو لا تتوفر بسهولة. وتعدّ طريقة التنقل هذه بطيئة كما تنطوي على إشكاليات أمنية، وخصوصًا بعد حلول الظلام. لهذا السبب نسيِّر عيادات متنقلة خارج المدينة - نذهب إلى الناس بدلًا من أن يأتوا إلينا.
في 22 يناير/كانون الثاني، افتتحنا غرفة الطوارئ مجدّدًا، لمعالجة الأشخاص المصابين جراء الحوادث أو الأعيرة النارية أو أعمال العنف على مدار الساعة، كما افتتحنا جناحًا جديدًا للأمومة حيث يمكن ولادة الأطفال بأمان، وسنفتتح قريبًا جناحًا جديدًا لطب الأطفال.
ولدت الطفلة الأول يوم الخميس 26 يناير/كانون الثاني. وكانت الأم قد فقدت طفلًا في السابق لأنها لم تملك تكاليف دخول المستشفى. وقد كانت سعيدة جدًا بافتتاح جناح الأمومة في كرينك الذي يقدّم خدمات مجانية. وبعد أسبوعين جاءت مع ابنتها نعمة للحصول على التطعيم الروتيني ورعاية ما بعد الولادة. نأمل أن يساهم وجودنا في كرينك في تحسين الرعاية الصحية لجميع الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها هنا".
خلال الأسبوع الأول من افتتاح المستشفى، عالج فريق أطباء بلا حدود في غرفة الطوارئ في مستشفى كرينك 16 مريضًا، يعاني معظمهم من إصابات ناجمة عن طلقات نارية وحروق. ومنذ 22 يناير/كانون الثاني، أجرت القابلات 9 ولادات بأمان في جناح الأمومة بالمستشفى. وفي الوقت نفسه، تواصل فرق أطباء بلا حدود تسيير عيادات متنقلة في منطقة كرينك ونقل المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية متخصصة إلى مستشفى الجنينة التعليمي.