Skip to main content
Mosul : Civilians caught in crossfire

المرضى الذين نستقبلهم في الموصل هم المرضى الذين حالفهم الحظ

بدأ جوناثان ويتال بالعمل في مستشفى الإصابات الميداني منذ ثلاثة أسابيع والتي افتتحتها مؤخراً منظمة أطباء بلا حدود في إحدى القرى التي تقع جنوب الموصل. لقد استقبل هذا المستشفى منذ افتتاحه أكثر من 1,296 مريضاً، نصفهم تقريباً من النساء والأطفال دون سن الخامسة عشرة (261 مريضة و395 طفلاً). ويتحدث جوناثان خلال المقابلة التالية عن رعاية الإصابات الطارئة التي يقدمها طاقمه المتفاني في العمل من عراقيين ومن جنسيات دولية وذلك على مدار 24 ساعة.

هل يمكن أن تصف لنا كيف يبدو يوم العمل العادي في المستشفى؟

لا يوجد يوم عمل عادي في هذا المستشفى، فكل يوم نرى أسوأ الإصابات التي تسببت بها هذه الحرب. يستقبل المستشفى المرضى باستمرار ودون انقطاع إلى حد ما، إذ يأتي كل مريض بقصص مروعة. تحدث المرضى عن موت أسرة بأكملها حيث لم ينج منها سوى شخص واحد، وتحدثوا عن بقاء أب وابنه محاصرين تحت أنقاض منزلهما بعد أيام من الغارة الجوية إذ لم يصلا إلى المستشفى لتلقي العلاج إلا في الآونة الأخيرة. كما وصل إلى المستشفى صبي صغير مصاب بطلق ناري في الرأس. وقال والد أحد الصبية إن ابنه قد أصيب برصاصة قناص وعولج في المنزل لأيام قبل أن يصل إلى المستشفى مشلولاً.

 ووصل رضيع مصاب بطلق ناري، بالإضافة إلى وصول شاب مصاب بسوء التغذية الحاد يبلغ من العمر 21 عاماً بعد أن أصيب بصدمة حادة في الرأس بسبب ضربه بعقب بندقية، وقد مات رجل آخر لدى وصوله إلى المستشفى بسبب الإصابات التي تعرض لها بينما كان يحمي طفله من التفجيرات القريبة. وتتحدث كل حالة من هذه الحالات عن مئات الأشخاص الآخرين الذين تعرضوا لأحداث مروعة كهذه.

من هم المرضى الذين تقدمون لهم العلاج؟

نقوم بمعالجة الحالات الأكثر خطورة، فنحن مدربون على التعامل مع ما نسميه بـ "الحالات الحمراء"، فهذه الحالات تحتاج غالباً إلى جراحة منقذة للحياة أو جراحة للحد من الأضرار وذلك من أجل إنقاذ حياة المريض، فلدينا غرفتا عمليات تعملان على مدار الساعة لمعالجة هذه الحالات، ومن ثم نحيل المرضى إلى مستشفيات أخرى بأسرع وقت ممكن، كي نبقى دائماً على استعداد لاستقبال المزيد من "الحالات الحمراء" أو الإصابات الجماعية.

استقبلت طواقم منظمة أطباء بلا حدود في الموصل وحولها خلال الشهرين الماضيين أكثر من 2,000 مريض بحاجة إلى رعاية عاجلة أو منقذة للحياة، وكانت الغالبية العظمى من المرضى بحاجة إلى علاج للإصابات المرتبطة بالصراع، وفي مستشفى الإصابات الذي يقع جنوب الموصل حيث أعمل، استقبلنا نحو 1,296 من هؤلاء المرضى.

ما هي أنواع الإصابات التي يتم علاجها؟

نستقبل كل أنواع إصابات الحرب التي يمكنك أن تتخيلها بما في ذلك إصابات العيارات النارية المتعددة وإصابات الانفجارات والحروق الشديدة. كما نبذل قصارى جهدنا للتعامل مع الآثار الطبية للحرب المندلعة في الأماكن الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية والتي اكتسحت السكان المحاصرين في تلك الأماكن. الجميع في خطر.

وبعيداً عن درجة الإصابة، فإن الحالة التي يكون عليها المرضى عند وصولهم إلى المستشفى هي في حد ذاتها أمر يثير القلق إلى حد كبير، فكثير من المرضى يعيشون تحت الحصار لعدة أشهر ولا يتناولون الطعام لأيام ويشعرون بالخوف والحيرة. ويصل المرضى إلى المستشفى في معظم الأحيان حافيي القدمين، يغطيهم الطين بعد المشي في المطر عابرين جبهات القتال تحت جنح الظلام، وبالحرف الواحد، لا يحملون شيئاً سوى الملابس التي يرتدونها على أجسادهم.

كما يعالج أطباؤنا وجراحونا إصابات مخلفات الحرب. قبل بضعة أشهر، كانت المدينة التي توجد فيها المستشفى التي نعمل بها جبهة قتال، لكنها أصبحت اليوم نقطة استقبال لعشرات الآلاف من الأسر التي فرت من غرب الموصل. وفي مساء أحد الأيام، استقبلنا عدداً من الجرحى بعد انفجار لغم بالقرب من المخيم حيث يقيم النازحون الذي جاؤوا من الموصل، وفي صباح هذا الأسبوع استقبلنا طفلاً يبلغ من العمر 4 سنوات، وهو من سكان المدينة، توفي عند وصوله إلى المستشفى بعد أن قام باللعب بقنبلة انفجرت بين يدي.

كيف يصل المرضى إلى المستشفى؟

يواجه المرضى صعوبة بالغة في الوصول إلى مراكز الرعاية الصحية، وغالباً ما يحصل المرضى الذين نستقبلهم على بعض الرعاية في المراكز الطبية القريبة من خطوط المواجهة، أما نحن فنستقبل "المحظوظين" منهم. ووفقاً للحالات التي شاهدتها في المستشفى، يبدو لي أن معظم المرضى الذين نستقبلهم قد أصيبوا في خضم الاشتباكات التي اندلعت عند انتقال خطوط المواجهة إلى أحيائهم، حيث يصاب الكثيرون منهم عند محاولتهم الفرار. لقد استقبلنا بعض المرضى الذين أصيبوا في الجزء الخلفي من الرأس بعيار ناري يشتبه بأنه طلقة قناص، كما استقبلنا بعض المرضى الذين أصيبوا في الغارات الجوية.

أما بالنسبة للمرضى الذين أصيبوا جراء الغارات الجوية التي استهدفت عمق المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، فيبدو بأن المصابين كانوا يقضون عدة أيام قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى مراكز الرعاية الطبية في جنوب الموصل. وحسب علمي، لا يحظى المرضى بفرصة الحصول على المساعدة الطبية إلا بعد ابتعاد خطوط المواجهة عن أحيائهم. نشعر بالقلق الشديد إزاء التقارير التي تفيد بأن أعداداً كبيرة من الأشخاص المحاصرين والجرحى داخل المناطق الواقعة غرب الموصل غير قادرين على الوصول إلى المساعدة الطبية خارج مناطقهم.

لقد مر المستشفى خلال الأيام القليلة الماضية بأكثر الفترات هدوءاً منذ أن بدأنا العمل فيه، لكننا لا نعتقد أن السبب وراء هذا يعود إلى توقف أعمال العنف في مناطق غرب الموصل، إنه هدوء غير حميد؛ فالضربات الجوية ما تزال مستمرة، لكن المرضى لا يصلون إلينا.

كيف يؤثر هذا العمل على الطاقم الذي تعمل معه؟

يتكون طاقم العمل في هذا المستشفى من عراقيين من مناطق مختلفة من العراق ومن أفراد يحملون جنسيات مختلفة. فلدينا موظفون طبيون من الموصل لم يعد بإمكانهم العمل في مستشفياتهم، وطاقم دولي عمل أفراده في حروب متعددة ويتمتعون بعقود من الخبرة في جراحة الإصابات، وطاقم غير طبي من الحراس والمترجمين واللوجستيين الذين يحافظون على تشغيل المستشفى.

بالنسبة لأفراد الطاقم الذين جاؤوا من الموصل، فمن الصعب للغاية بالنسبة لهم مشاهدة مستوى الدمار والمعاناة الذي يمر فيه أفراد مجتمعهم الآخرون. أما الأفراد الآخرون في الطاقم والذين جاؤوا من المدينة التي نعمل فيها هم أنفسهم يعملون على لملمة شظايا حياتهم التي تدمرت بعد أن مر القتال في هذه المدينة قبل بضعة أشهر فقط.

المستشفى الذي نعمل فيه محاط بالمنازل المدمرة، ومع ذلك، لم أر في حياتي فريق عمل بهذا النشاط، فكل فرد من أفراده يعمل على مدار الساعة ودائماً بحالة استعداد وجاهز للتكيف مع الموقف لإيجاد الحلول التي تمكننا من الاستمرار في إنقاذ الأرواح. نحن جميعاً فخورون للغاية بالعمل الذي نقوم به هنا